الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سواحل الإمارات.. شريان الحضارات

سواحل الإمارات.. شريان الحضارات
27 ديسمبر 2017 03:23
الوقوف على أهمية سواحل الإمارات العربية المتحدة، ودورها الحضاري والإنساني الكبير، والمكانة السامية التي تبوأتها على الصعيد العربي عموماً، والصعيد المحلي والخليجي خصوصاً، يتطلب أولاً الإحاطة بالمعلومات الأساسية عنها من حيث الموقع والتموضع والامتداد، للولوج بعد ذلك في العمق الحضاري والدور الوجداني والإنساني الكبير لها بشكل عام، ولسواحلها على وجه الخصوص. دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة اتحادية تقع في شرق شبه الجزيرة العربية، وفي جنوب غرب قارة آسيا، وهي تطلّ على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي، وتتمتع بموقع استراتيجي مميز، حيث تشرف على عدة اتجاهات ومحاور، فمن جهة الغرب لها حدود برية وبحرية مع المملكة العربية السعودية، أما في الجنوب الشرقي، فلها حدود مشتركة مع سلطنة عُمان. الدور الحضاري التاريخي تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة المعاصرة جزءاً من الإقليم الذي عرف تاريخياً باسم سلطنة عُمان، وذكره كثير من المؤرخين والكتّاب العرب وغيرهم، والذي يشمل حالياً سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يدل بوضوح على أصالتها وعمقها التاريخي والحضاري، فهي بحق أهلٌ لمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله،: «لسنا أمّةً طارئةً على التاريخ»، وهذه المقولة لسموّه، تستند إلى تاريخ عريق وحضارة متجذرة، حيث أكّدت الأبحاث والدراسات أن تاريخ الحياة البشرية في الإمارات يمتد إلى ما يقرب من سبعة آلاف سنة، وفقاً لما أكّدته التنقيبات الأثرية التي بدأت في الدولة منذ حقبة الخمسينيات. وتنقسم الحقب التاريخية التي مرّت بها الإمارات، إلى حضارة ما قبل التاريخ، وحضارة العصر الحجري المتأخر، وحضارة العصر البرونزي، إضافة إلى حضارة العصر الحديدي. حيث بدأت التنقيبات الأثرية في الدولة باكتشاف مقابر أم النار، وهي جزيرة صغيرة خارج أبوظبي، التي أكدت على العمق الحضاري والتاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة، فلقد أظهرت هذه المكتشفات وغيرها من أعمال التنقيب في السواحل والشواطئ الإماراتية عظم الإرث الحضاري والأثري والتاريخي المتنوّع الذي احتضنته، وهو ما يعكس التنوع الثقافي الكبير والحضارات القديمة المتعددة التي سادت وازدهرت في هذه المنطقة، والتي تمتد حقبتها الزمنية من العصر الحجري الحديث أو المتأخر: (6000 ق.م - 3500 ق.م)، حيث تم العثور على أول دليل يثبت وجود حياة بشرية وحضارية، من خلال العثور على مستوطنة سكانية فيها، إضافة إلى اكتشاف آثار حضارية لجماعات بدوية كانت تعيش على الصيد وجمع النباتات، إضافة إلى المقابر الجماعية المتنوعة التي تم العثور عليها في جبل «البحيص في الشارقة، إلى جانب الأدوات، ورؤوس الحراب في جزيرتَي «دلما» و«مروح» في إمارة أبوظبي. ومما يدل على الإرث الحضاري فيها وفي السواحل على وجه الخصوص، وجود الأواني الفخارية المتنوعة الأشكال والأحجام، وخصوصاً في الشارقة، وأم القيوين ورأس الخيمة، وأبوظبي. ويُعتقد أن آثاراً من هذا النوع تعود إلى ما كان يسمّى بـ«فترة العُبيد». التي تعدّ جزءاً من العصر الحجري المتأخر، وحتى العصر الحديدي: (1300 ق.م - 300 ق.م). وبالانتقال إلى العصر البرونزي (3200 ق.م - 1300 ق.م)، يمكننا الوقوف على ثلاث حقب تاريخية وحضارية: هي «حقبة جبل حفيت»: وتمتد هذه الحقبة من 3200 ق.م إلى 2500 ق.م، وقد سُمِّـيَت بهذا الاسم نسبة إلى المدافن والمقابر التي تم العثور عليها في تلك المنطقة، والتي تمتد على المسافة الواقعة بالقرب من منطقة العين التابعة لإمارة أبوظبي، وهي مثال حي لحضارات كانت سائدة آنذاك، حيث كانت عبارة عن قبور جماعية وصغيرة، مصممة بدقة وإتقان هندسي، إذ كانت تشبه خلايا النحل، وليس هذا فحسب، فقد تم العثور على بقايا وآثار مستوطنات زراعية ضخمة في منطقة العين، وقد دلت الدراسات أنها كانت لزراعة الذرة والقمح. ولو انتقلنا إلى جزيرة «أم النار» في أبوظبي، لوجدنا الإرث التاريخي والعمق الحضاري الواضح، والذي تجلّى في اكتشاف نحو أربعين تلاً دفيناً، إضافة إلى كثيرة من القبور المهندسة بشكل دقيق، وبشكل مستدير، ومدافن جماعية عديدة، كما تم العثور على آثار لمستوطنة قريبة من تلك المدافن، وهي مبنية بنظام هندسي حضاري، حيث كانت مبنية من الحجر، وتحوي قطعاً من الأواني الحجرية التي تشبه الأواني الجنائزية، وأدوات أخرى كانت تستخدم في الطبخ، وهو ما يدل وبوضوح على العمق الحضاري لها، كما تم العثور على أدوات مطبخية وأدوات صيد نحاسية، تدل على مدى اعتماد إنسان تلك الحقبة على مهنة الصيد، وبالإضافة إلى ذلك كله، تثبت الدراسات عظم الدور التجاري والاقتصادي والحضاري لسواحل دولة الإمارات العربية المتحدة وشواطئها، حيث شهدت قيام روابط تجارية متينة مع حضارة ما بين النهرين وحضارة «هرابا» في وادي السند، باكستان حالياً، وهو ما أثبتته البعثات الأثرية. أما في الفترة المسماة: فترة «وادي سوق»، والتي تمتد من 2000 ق.م إلى 1300 ق.م. والتي أطلقت على المنطقة الممتدة بين العين وساحل عُمان، فقد تم فيها العثور على عدد من المقابر ورؤوس الرماح، والأواني والجواهر المشغولة من الذهب والفضة في مواقع ساحلية وداخلية متعددة، منها: منطقة «شمل» في رأس الخيمة، وشواطئ «خورفكان» و«جبل البحيص» في الشارقة، و«القصيص» في دبي. السواحل الإماراتية والهجرات البشرية كان لسواحل الإمارات الممتدة على الخليج العربي، وبحر عمان دور مهم ومحوري وكبير في جذب الهجرات البشرية العربية من جنوب الجزيرة العربية ووسطها منذ أقدم العصور، وذلك لما يتوافر فيه من موارد الغذاء التي جعلها الله تعالى في مياهه، إضافة إلى استخدام أبناء الخليج لمياهه كطريق للتجارة والتبادل الاقتصادي مع حضارات ودول بعيدة، حيث يعد ساحل الإمارات ممراً مهماً ورئيساً لواردات بلاد الرافدين وصادراتها، ومعروف أن بلاد الرافدين احتضنت أول حضارات العالم، بالإضافة إلى كونها منفذاً مهماً للهجرة إلى الأراضي المطلة عليها، في ساحلها الشرقي، كل ذلك جعل من سواحل الخليج عموماً، والإمارات، خصوصاً مكاناً جاذباً للكثير من القبائل العربية التي استقرت فيها عبر العصور. ويرجح أن أسلاف السكان الذين سكنوا الإمارات العربية المتحدة وعمان، خلال العصر الحجري الحديث وما قبله بقليل، كانوا من المهاجرين من جنوب الجزيرة العربية الذين افتتحوا هجرتهم البطيئة في عام 12000 ق. م، وذلك عن طريق الساحل باتجاه الشرق، ووصلوا هذه المنطقة كما أشارت الدراسات في 10000 ق.م، وهم من أرباب حرفة الصيد، ثم جاءت هجرة أخرى من شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام عبر سواحل البحر الأحمر، حيث امتدوا جنوباً حتى بلغوا سواحل الإمارات العربية المتحدة وعمان في الألف السابع قبل الميلاد، وكانوا من الأقوام الرعاة الذين يعتمدون على تربية الأغنام والأبقار والماعز، كما كان من أهم أسباب الوجود البشري منذ القدم على السواحل في الإمارات، الاستفادة من الموارد الطبيعية التي توفرها مياه البحر من: الأسماك والأحياء البحرية، وكذلك الحلي التي يتزين بها الناس وعلى رأسها اللؤلؤ، وهذا من أهم الأسباب التي دفعت أهل الإمارات إلى الاستفادة من طبيعة شواطئها والبحر الذي تشرف عليه، وذلك بشكل متزايد مع مرور الزمن، بالإضافة إلى دور قسوة الحياة البرية في الداخل، وقلة الموارد الموجودة فيها، وخاصة بعد التغيّر المناخي الذي أصاب تلك المنطقة منذ الألف الرابع قبل الميلاد، والذي انعكس في قلة الغطاء النباتي والحيواني وندرة موارد العيش الزراعية، وهو ما جعل البحر وساحله الملاذ والملجأ لهم من بعد الله تعالى، فاعتمد معظم السكان على البحر في اكتساب موارد حياتهم، وهذا الاعتماد القديم على البحر وارتباط الإنسان الإماراتي به، أدى إلى نشوء مستوطنات دائمة ومؤقتة على ضفاف مياه وشواطئ الخليج العربي عموماً، والإماراتي خصوصاً، مما أدى إلى ابتكار أنشطة وأوضاع اقتصادية واجتماعية ترتبط ارتباطاً كلياً أو جزئياً بالسواحل والبحر، وهو ما أفرز عدداً من الحرف التي انخرط فيها قسم كبير من السكان، فهناك صيادو الأسماك، وصانعو أدوات الصيد، وصانعو القوارب المعدة للصيد، والغواصون الباحثون عن اللؤلؤ، والتجار الذين يبيعون ويشترون الأسماك، أو ينقلونها إلى المناطق الداخلية لبيعها وتسويقها، وقد تطورت هذه المستوطنات مع مرور الوقت، فأصبحت نواة حضارية لبلدان الخليج العربي، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة. والجدير ذكره أن هذه الجماعات التي كانت في تلك المناطق لم تكن كلها مستقرة، بل كان منها كثير من الجماعات المتنقلة والمهاجرة التي تحضر إلى الساحل في فترات معينة للمتاجرة والحصول على الموارد المهمة لحياتهم. كل ذلك تبلور وتكامل مع بعضه ليشكل نواة حضارية إنسانية أسّها وأساسها التعاون الإنسان والمثاقفة والحوار على اختلاف أشكاله ومسمياته. الدور الحضاري التجاري ظل ساحل الإمارات على الخليج العربي، يشكل بيئة جاذبة للجماعات البشرية التي سكنت المنطقة منذ القدم، حيث وجدت في البحر مصدراً رئيسياً ومهماً للغذاء، وفي فترة لاحقة أصبحت مياهه منفذاً للتواصل الحضاري مع العالم، وغدت التجارة إحدى وسائل العيش الرئيسية مع ازدياد جفاف المناخ وتضاؤل موارد العيش، وحين يتتبع الباحث والمهتم بالدور الحضاري والتجاري والإنساني الذي تلعبه سواحل الإمارات، سواء على الصعيد الداخلي والمحلي، أو على الصعيد الإقليمي والعربي، يجد أن أبناءها، راحوا يخوضون غمار البحر ويركبون أمواجه سعياً وراء الرزق والحياة، فكان منهم البحارة وروّاد الصيد والباحثون عن اللؤلؤ، والتجار الذي احترفوا التجارة وخبروها، وهو ما انعكس إيجاباً على حياتهم حضارياً، إذ أتاحت لهم التجارة التمازج مع الحضارات الأخرى والتلاقي مع التجار والزبائن من مختلف الأصقاع، كل منهم يحمل تراثه وعاداته وتقاليده وتراثه الخاص، فكانت المثاقفة والتلاقح الحضاري، وهو ما أفرز فرصةً لإقامة المراكز والمواقع والمحطات التجارية والتي انتشرت في أماكن متنوعة من المنطقة وخصوصاً على جانبي الخليج العربي، وفي الجزر الكبيرة ذات الامتداد الواسع، وهو ما مكنهم من امتلاك مفاتيح طرق التجارة ومفاصلها وهو الأمر الذي لم ينعكس في الجانب الاقتصادي والمادي فحسب، بل انعكس في مناحٍ متعددة منها الوجداني والإنساني والثقافي، لتتراكب هذه العناصر مع بعضها، فتشكّل المكون الحضاري الذي احتضنته السواحل والشواطئ الإماراتية، وقد تجلى الدور الحضاري في الأهمية الكبيرة التي لعبتها المراكز والمحطات التجارية والموانئ الموجودة فيها، إضافة إلى الأسواق التي كانت تعقد فيها، وما يتم خلالها من عمليات تبادل للسلع والبضائع من جهة، والتزود بالماء العذب والمؤن من جهة أخرى، هذا كله شكل حلقة وصل حضارية بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها وبيئاتها وحضاراتها، فكانت السواحل بذلك أنموذجاً للمثاقفة الاجتماعية، والانفتاح على الآخرين، وخلق صيغ حضارية أساسها التفاعل والتعاون والتواصل المبني على الاحترام المتبادل والتأثر والتأثير بين الثقافة الإماراتية العريقة والثقافات الأخرى على اختلافها وتنوعها. تنوع ورقي أثبتت الدراسات أن دولة الإمارات العربية المتحدة عموماً وسواحلها وشواطئها على وجه الخصوص، كانت أنموذجاً للرقي الحضاري والإنساني، حيث تمّ تطوير نظام الري المائي المعروف بالأفلاج، وهو الأمر الذي أدى إلى تعزيز توسّع المستوطنات البشرية، وإلى تنوع الممارسات الزراعية، التي انعكست إيجاباً على الجانب الاقتصادي، فكانت مصدر رزق لعدد السكان المتزايد، وذلك في مناطق متعددة لعلنا نذكر منها المناطق التي كانت تستخدم نظام الأفلاج في الري: «رميلة وجرن بنت سعود» في العين في أبوظبي، و«الثقيبة وأم صفاة» في الشارقة، ومستوطنات ضخمة مُحصّنة في مناطق: «مويلح» و«تل أبرق» في أم القيوين والشارقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©