الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

حرفيون يسردون حكايات البحر وأسراره في مهرجان الشيخ زايد التراثي

حرفيون يسردون حكايات البحر وأسراره في مهرجان الشيخ زايد التراثي
8 ديسمبر 2018 00:41

هناء الحمادي (أبوظبي)

يستقبل مهرجان الشيخ زايد التراثي زوراه باللؤلؤ وبابتسامة معهودة لا تخلو من الخبرة والمهارة، تسرد حكايات البحر وأسراره، حيث أبحر بنا النوخذة جمعة محمد حثبور الرميثي، خبير في تراث الإمارات ومهتم بجمع كل ماله علاقة بالتراث القديم، في رحلة تراثية طالما قطعها الإنسان الإماراتي قديماً، إنها رحلة الكد والبحث عن الرزق، والتي لا تخلو من المخاطر والتعب والمغامرة، موضحاً «علاقتي بالبحر علاقة قديمة والغوص نعتبره حياتنا الأولية، أي مصدر رزقنا للعيش ومصدر الدخل الأهم في الماضي، فالغوص بحثا عن اللؤلؤ يحتل مكانته اللائقة في التراث الشعبي لدولة الإمارات، لأنه يبرز أصالة الإنسان في المجتمع الإماراتي، ونحن في زماننا الحالي نحرص على المحافظة على مهنة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ والصيد وغيرها من الحرف والصناعات المرتبطة بالحياة البحرية التي عرفها ابن الإمارات وبرع فيها».
الزائر للنوخذة جمعة يتوقف طويلا للتعرف إلى الكثير من الأدوات المستخدمة قديماً في الغوص والبحث عن اللؤلؤ، فهو يمتلك الكثير من الشباك وأدوات فلق المحار، وعن ذلك يقول «باعتباري نوخذة منذ عشرات السنين أدعم جميع فئات الصيادين والغواصين ومحبي البحر سواء كانوا كباراً أو صغاراً، ولدي استعداد لتعليم أبناء الإمارات تراثنا البحري ليتوارثونه جيلا بعد جيل».

يواصل جمعة الرميثي حديثه، قائلاً «في الماضي كانت مهنـة الغوص تتمثل في البحث عن «الجوهرة البيضاء» (اللؤلؤ)، واستخراجها من أعماق البحر والتجهيز، وكان التجهيز لهذه الرحلة يكون قبل شهر من إعلان النوخذة عن انطلاقها، حيث يتم اختيار البحارة الذين يرغبون في الذهاب للرحلة، وتبدأ الاستعدادات والتجهيزات، وفي وقت إقلاع سفينة الغوص، يكون على متنها النوخذة ومساعدوه وعدد من الغواصين ومساعد الغواص، وهو من يقوم برفع الغواص وسحبه من الماء، وبدون هؤلاء لا يمكن للسفينة أن تشق طريقها بحثاً عن المغانم، فهذه الرحلة تحتاج إلى العمل الجماعي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى رحلة ناجحة تؤتي ثمارها».
وفي منطقة الحرفيين أيضاً، يمكن للزائر التعرف إلى المعرض التراثي الذي ينظمه جمعة الرميثي، ويضم أدوات استعملها أهل البحر في الإمارات منذ قديم الزمن، وقد وضع الرميثي كتاباً تناول فيه كل هذه المفردات التراثية البحرية، ضمن المعروضات بساحة الحرفيين، ليستفيد منها الزوار.
وعن هذا الكتاب الذي أسماه «الدرايش»، قال إنه ثمرة وحصيلة ستة عقود ماضية من التجارب والخبرات مع البحر وأهله، وكان من الصعب عليه جمع مادة هذا الكتاب المتخصص في التراث البحري وعرضه ضمن فعاليات مهرجان الشيخ زايد التراثي، بكل حب واعتزاز بماضي الآباء والأجداد.
ويشتمل الكتاب على تعريفات لمصطلحات تراثية برية قديمة موثقاً بالصور وبعض الأمثلة القديمة التي ما زال يستخدم الكثير منها، مع شرح لكل مثل ومعناه. أما الجزء الأهم في الكتاب فيتناول عالم اللؤلؤ وأهميته لدى أهل الإمارات وكل الحرف المرتبطة به من فلق المحار «الطواش»، ومهن البحارة المختلفة على ظهر السفن، والمحامل المستخدمة سواء في الغوص للبحث عن اللؤلؤ أو صيد الأسماك.

الليخ من موروثات البيئة البحرية

«صناعة الليخ»
يداه تغزل الليخ ببراعة، يمزج أدواتها بعضها ببعض ليشكل حلقات من شباك الليخ التي تستخدم في صيد الأسماك بمختلف أنواعه وأحجامه، إنه محمد عبد الله المرزوقي الذي يظهر على ملامح وجهه التقدم في العمر، فقد غاص في أعماق البحر وصال وجال من أجل رزقه، تعلم الصبر والمهارة، أجاد حرفة تقليدية منذ صغره التي تعلمها من والده في سفراته للغوص، ورغم بدايته في صناعة الليخ وهو في عمر 10 سنوات، إلا أنه اكتسب مهارة فائقة في إنجازها.
يقول المرزوقي: تعد صناعة الشباك البحرية «غزل الليخ» من الحرف اليدوية التقليدية التي مارسها الصيادون منذ سنوات طويلة في صيد الأسماك، و«الليخ» يعتبر من الأدوات الأساسية المستخدمة في الصيد، وهو عبارة عن شبكة متعددة الفتحات تصنع بواسطة خيوط من النايلون أو القطن ومقواة بحبل يؤطرها وتختلف سعة هذه الفتحات (العيون) وسُمك الخيط تبعا لنوع وطريقة الصيد ونوعية الأسماك المراد صيدها، ويتراوح طول شباك الليخ بين 175 إلى 200 ياردة وفترة إنجازها تحتاج إلى 15 يوماً للشبك الواحد.
وحول استخدامات الليخ يوضح المرزوقي «تستخدم شباك «الليخ» بشكل واسع وتعرف بأسماء عدة حسب استخدامها في الصيد، ومنها «شباك الهيال ـ شباك المنصب ـ شباك الضغوة ـ شباك الحوي أو التحويط ـ شباك الغل»، حيث تتم طريقة الصيد بها باستخدام القوارب.
يضيف المرزوقي: «صناعة هذه الشباك لها شروط ومواصفات، فلابد أن يكون الصانع صياداً ولديه خبرة كافية بأصناف الأسماك والمهارة في صنع فتحات الشباك التي تستلزم أن تكون ذات قياس متساو، مع وضع الرصاص في أسفلها (وهو الوزن المثبت أسفل الشبك ويصنع بمادة إسمنتية مخلطة برمال البحر).
ويتابع، «من أهم مكونات الليخ «مادة الفلين»، حيث تساعد الشباك على أن تطفو على سطح البحر ويطلق عليها «الكرب»، نسبة إلى كرب النخلة وهو الجزء المتين من جذع النخلة، ويطلق على الحبل المستخدم في أسفل الشباك وفي أعلاها «البرامة»، وعندما يتمزق الليخ يحتاج إلى إعادة غزل، ويطلق على هذه العملية «معاير».
ويتحدث المرزوقي عن أنواع الشباك، قائلاً إن أهم أنواع الشباك البحرية التي تستخدم في صيد الأسماك «الهيال»، والتي استخدمها الصيادون بعد تطور قوارب الصيد في السبعينيات، وهي عبارة عن مجموعة من الشباك الخيشومية الموصولة ببعضها البعض، وممدودة بشكل طولي وتستخدم في صيد الأسماك السطحية بكافة أنواعها وأحجامها المختلفة، ويبلغ عدد فتحات الشباك (العين) ما بين (100ـ120) فتحة.
وتتم عملية الصيد بهذه النوعية ليلا حيث يربط طرف من الليخ بالقارب والطرف الآخر يترك لتحركه التيارات البحرية حسب حركة الرياح، وهناك طريقة أخرى وهي ترك الشباك في عرض البحر دون ربطها بالقارب لتتحرك مع التيار البحري وتنصب عليها سارية حديدية بطول ثلاثة أمتار، ويكون عليها علم ومصباح ليلي ليتمكن الصياد من رؤية الشباك.

«شباك الضغوة»
ويشير المرزوقي، قائلاً: أما «شباك الضغوة» فيتم تجهيزها بالقرب من الشاطئ ويساهم في إنجازها مجموعة من الأشخاص، وخلال استخدامها في الصيد، يتم التحويط على كمية الأسماك المراد اصطيادها بشكل هلالي ويتم سحبها باليدين فيظل السمك حبيس الشباك حتى يلتقطه الصيادون، ويمتد طول الليخ «الضغوة» إلى نحو 600 باع وعرض 12 باعاً، والباع يساوي نحو مترين ويعتبر وحدة القياس الأكثر استخداماً بين أهالي البحر منذ قديم الزمان، وهذه الشباك تستخدم في صيد أسماك السردين (العومة)، إضافة إلى الجيذر والسهوة والكنعد، وغيرها من أسماك السطح.
أما «شباك المخروطية» (الغل) فهي تستخدم في صيد أسماك السردين أو البرية أو الروبيان، حيث تلف الشبكة على يد الصياد ثم ترمى بسرعة على الأسماك وبعد ذلك يغوص الصياد ليجمع الشبكة من القاع وبداخلها الأسماك.
ويذكر المرزوقي، أن له مشاركات كثيرة في مهرجان الشيخ زايد التراثي في منطقة الوثبة في أبوظبي، حيث يجد في ركن الحرفيين فرصة لإلقاء الضوء على الحرف التقليدية، وكشف أسرارها، ليتعلم الجيل الجديد الكثير من المهارات والحرف التي كانت مصدر رزق الأهالي في زمن «لوّل».

منطقة الحرفيين تثري وجدان الزوار

ابنتي والبحر
ويفتخر السبعيني يوسف محمد آل بشر بابنته التي استطاعت أن ترث حرفة «غزل الليخ» عنه، فرغم أنها ربه أسرة إلا أنها تمكنت من اكتشاف أسرار هذه الحرفة التقليدية، وتعتز بأن والدها يعد من الحرفيين المهرة بها، وهي من علمها إياها منذ الصغر.
ويضيف أن ابنته منذ كان عمرها 7 سنوات، وهي تراقب هذه الحرفة، وتعلمت منه كل التفاصيل وأدقها، ولم يبخل عليها بممارستها وإتقانها، وكانت ترافقه في كل رحلاته البحرية في عرض البحر. ويقول «الذاكرة الشعبية ملأى بمرويات اليم وصوت هديره، إلا أنها في الوقت ذاته تكشف عن الكثير من المهن والحرف التي ترتبط بالصيد والعيش من البحر، فمنذ الزمن الذي توطدت فيه علاقة المجتمع مع البحر، صار له حرفيوه وصانعو عدته وعتاده، وكما يحتاج صياد البر لسلاح وفخاخ يصطاد بها فرائسه، يحتاج صياد البحر شباكاً وصنانير، وسلالاً ومراكب».
من تلك القصة نشأت حرفة «صناعة الليخ»، لصيد الأسماك، حيث تترك هذه الشباك في البحر لفترة من الزمن حتى يتجمع فيها أكبر قدر من الأسماك، وتكون خيوطها متينة ومتقاربة النسيج بحيث لا تسمح للسمك بالهروب أو الفكاك منها.
ويضيف آل بشر «هذه الحرفة صعبة وتحتاج إلى وقت وجهد وتركيز، فحياكة الشباك بمقاس كبير وبمتانة عالية يلزمها الكثير من الجهد والحرفية، ويستغرق وقت صناعة الليخ حسب طوله ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وتختلف فتحات الشبك من ليخ إلى آخر، إلا أن معظم الصيادين يفضلون أن تكون بين 2 و4 سنتيميترات، وهذه هي المساحة التي لا تستطيع الأسماك الفرار منها غالباً.

فلق المحار
أتقن حرفة فلق المحار، منذ 37 عاماً، للبحث عن «اللؤلؤ» الذي يضم بين أصدافه اللآلئ التي تعد مطمعاً للغواصين ومن معهم، ومحط أمل الأهالي الذين كانوا ينتظرون العودة المظفرة لأبنائهم حاملين معهم الرزق الوفير الذي جاد به الله عليهم، إنه أحمد محمد الحمادي الذي عشق البحر وغاص في أعماقه حتى امتهن حرفة «فلق المحار» ووجد لها نكهتها الخاصة، وكان وجودها في منطقة «الحرفيين» احتفاءً بموروثها القديم، لتكون لوحة تتناغم فيها كل الألوان والخطوط.
يقول الحمادي «دار انزلنا وابرك دار.. على الهير والمحار.. يا الله بالمنزل المبارك.. وأنت خير المنزلين»، هذه إحدى الأهازيج الشعبية التي كانت تردد أثناء الغوص للبحث عن المحار، ويضيف «تلك الأهازيج كان يرددها البحارة ويستمتعون بغنائها بصوت واحد، حيث كانت ولم تزل تعبر عن حالة التناغم بين المهنة والغواص، وهذه الأهازيج لا تزال محفورة في أذهان كبار المواطنين الذين امتهنوا تلك الحرفة القديمة التي ما زالت حاضرة في الوقت الحالي ضمن المهرجانات الشعبية التي تنظم بين فترة وأخرى بالدولة».
يسترجع الحمادي ذكرياته، ويوضح كيف تتم عملية فلق البحار، قائلاً «كان المحار من أهم ما يبحث عنه الغواصون، حيث إن الغوص كان مصدراً مهماً من مصادر المعيشة، وكان يجري البحث عن «المحَّار» في موسمه في «الهيرات»، للعثور على ما به من «دانات».
ويضيف أن الغوص يبدأ عندما ترسو السفينة في الموضع الذي يتوقع فيه الرجال وجود المحار، ومنذ اللحظة التي تصل فيها السفينة يرفع النهام صوته منشداً، وتبدأ الاستعدادات التي لا تتوقف إلا بانتهاء العمل. ويحمل الغواص معه أدواته وتتكون من «الديين والحجر والزبيل والفطام والسكين»، ثم ينزل إلى قاع البحر، وبمجرد وصوله يبدأ بجمع المحار والأصداف ويضعها في الديين، وبعد دقائق معدودة يحرك حبل الديين، فيقوم السيب بسحبه إلى سطح البحر».

جانب من ركن النوخذة جمعة الرميثي

«المفلق»
يقول أحمد الحمادي «عملية فلق المحار تحتاج إلى «المفالق» وهي الأدوات المستخدمة في فتح المحارة، أما «المفلق» فهو مقبض خشبي تعلوه قطعة معدنية معكوفة تتناسب مع استدارة المحارة، وهي وليست حادة، لتدخل في قاعدة المحارة من جهة البطن المستند إلى باطن الكف اليسرى، بينما تُشق المحارة باليد اليمنى بصبر ومهارة حتى لا تنكسر، إذ يجب أن يرتفع المفلق إلى الأعلى كي تُفتح المحارة بحركة أخرى، وينظف باطنها ليبدأ البحث عن اللؤلؤة لاستخراجها دون أن تتعرض للخدش.

أسياد البحر
شكل البحر مصدر رزق رئيساً لسكان الخليج، الذين عشقوا ركوب البحر، وبرعوا في التعامل مع مخاطره، حتى أصبحوا أسياده، كما برعوا في مهنة صيد الأسماك والبحث عن اللؤلؤ، وفي كل ما يتعلق بها من صناعات، مثل صناعة السفن والمحامل وأدوات الصيد وغيرها، لذلك كان البحر وبيئته أحد الأركان المهمة في مهرجان الشيخ زايد التراثي، الذي يعد انعكاساً صادقاً ودقيقاً للبيئة، حيث شهدت ساحة منطقة الحرفيين، هيكلاً لمحمل يقوم بعض المهرة من الآباء بتصنيعه أمام الجمهور مباشرة، مستخدمين الكثير من الأدوات القديمة في صناعته.

اقرأ أيضاً... ضمن مهرجان الشيخ زايد التراثي.. أنامل الحرفيات تنسج ذاكرة الماضي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©