الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشاهدات في حقول القتل الإسرائيلية

مشاهدات في حقول القتل الإسرائيلية
17 نوفمبر 2010 19:33
هذا الكتاب “إسرائيل كما عرفتها” وثيقة مهمة يجب أن يطالعها كل مهتم بالشأن الفلسطيني ودولة إسرائيل فالكاتب د.أحمد شوقي الفنجري، طبيب التحق بكلية الطب في جامعة فؤاد الأول عام 1945 وكان أحد زملائه بالكلية فلسطينياً ومنه تعرف مبكراً على حجم المأساة الفلسطينية، وطنياً وإنسانياً، وزار غزة عدة مرات، كان الذهاب اليها بالقطار الذي يعبر سيناء وحين رأى حجم التغول والاعتداء اليهودي والصهيوني عاد هو وزميله ومعهم آخرون ليقوموا بجمع السلاح من منطقة فايد ويرسلوه الى الأهالي هناك، وحين وقعت حرب 1948 كان لايزال طالباً بالكلية سافر هو وعدد من زملائه ليعاونوا في المستشفيات لانقاذ الجرحى والمصابين ورأى العديد من البطولات العربية واكتشف رغبة الإسرائيليين في قتل أكبر عدد من المدنيين لترويعهم وإثارة الرعب بينهم لدفعهم الى هجر بيوتهم وأراضيهم ومزارعهم. كان الفنجري قد ذهب الى ميدان القتال عبر الهلال الأحمر المصري وعند عودتهم من ميدان القتال الى العريش فوجئوا باعتقالهم، وكانت الحكومة المصرية قلقة من العائدين جميعا من ميدان المعركة فقد يقومون بأعمال قتالية داخل مصر. تخرج الفنجري في كلية الطب عام 1951 وعين طبيب امتياز في أحد مستشفيات القاهرة ثم سافر الى جامعة اطلانطا بالولايات المتحدة في منحة علمية لدراسة الطب الوقائي، وفي نهاية المنحة كان كل طالب يقدم بحثاً عن تطبيق ما درسه في بلاده، كان طلاب المنحة من 21 دولة وكان بحثه عن الطب الوقائي في الإسلام وفاز بالمركز الأول لذا اختارته هيئة الصحة العالمية عضوا بها وخيرته في الأماكن التي يمكن أن يعمل بها، كانت الهيئة متواجدة في أوروبا وأفريقيا وآسيا لكنه اختار “غزة” ليعمل بمستشفياتها، وهكذا عاد الى فلسطين ثانية عام 1953 وعايش الغارات التي شنتها إسرائيل على الأهالي وتعمدهم التوسع في الضحايا المدنيين، صحيح أنه كان هناك فدائيون مصريون وفلسطينيون يعبرون غزة لمهاجمة المواقع الإسرائيلية لكن ذلك لم يكن يبرر القصف العشوائي للاحياء وللبيوت الآمنة. كانت غزة آنذاك تحت الإدارة المصرية، وكان هناك غاضبون كثر مما حدث في حرب 1948 فتطوعوا للانتقام بدوافع وطنية وإنسانية وإسلامية، بعد طرد الفلسطينيين من دياهم وصاروا لاجئين ينتظرون المعونات من هيئة الأمم المتحدة، بينما أراضيهم وبيوتهم ينعم بها الإسرائيليون. في غزة كانت غزة وقتها مفتوحة أمام الجميع فحين وقعت الغارات الإسرائيلية العنيفة عام 1955 على القطاع كان يقوم بالعمل بين كافة المستشفيات والعيادات لإسعاف الجرحى، وكان معظمهم من الأطفال والسيدات والمسنين، وجاءه بالمستشفي شخص قدم نفسه باعتباره صحفيا وأنه مراسل صحيفة “الجمهورية” المصرية فشرح له كل ما لديه من معلومات وأعطاه نسخة من الصور للجرحى والمصابين وتابع الصحيفة يوم واثنين وثلاثة فلم يجد شيئاً منشوراً، وكان ذلك الصحفي يجلس على المقهى يوميا، وحين عاتبه، ذكر له انه ارسل المادة الصحفية إلى القاهرة وقرار النشر ليس بيده وانتهى الأمر عند هذا الحد، بعد ذلك في اثناء العدوان الثلاثي عام 1956 قبض عليه واعتقل وفوجيء بالاتهام الموجه اليه “اذاعة الأكاذيب وتشويه سمعة إسرائيل” وكان ذلك الصحفي المزعوم هو الذي وقف يوجه اليه الاتهام وادرك وقتها انه ضابط مخابرات إسرائيلي. وحين دخلت إسرائيل غزة اثناء العدوان الثلاثي انسحب الفريق الطبي والممرضون التابعون لمنظمة الصحة العالمية وبقي هو ومعه طبيب مصري من أصل يوناني، ورغم صفتهما الطبية فقد تم اعتقالهما، وفي المعتقل هم الإسرائيليون بالإفراج عن الطبيب اليوناني، لكنه رفض وقال لهم انه مصري ويجب ان يعامل كذلك ولن يترك غزة في محنتها. تم اعتقاله بداية في مدرسة وكانت هناك خيام تقام ويجمع فيها المدنيون ويلاحظ في الليل أن سيارات الجيش الإسرائيلي تأتي لتجمع معتقلي الخيام ويذهبون بهم بعيدا ثم يسمح الصرخات واطلاق الرصاص، والخيمة التي تخلو من الأسرى والمعتقلين يتم هدمها، هكذا كل ليلة، حتى انتهت الخيام، الذين كانوا يعتقلون هم من الفلسطينيين وكذلك المصريين، من المدنيين والمتطوعين للقتال وكان عددهم كبيرا. اما هو فقد صدر بحقه حكم الاعدام مرتين، وفي كل مرة كان ينجو قبل تنفيذ الحكم بدقائق، في المرة الأولى كانت زميلته الطبيبة تابعة للصحة العالمية وكانت شقيقة زوجة داج همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة فاتصلت به واخبرته أن إسرائيل سوف تنفذ حكم الإعدام في عدد من الأطباء والممرضين التابعين للمنظمة، فاتصل الأمين العام مباشرة برئيس وزراء إسرائيل بن جوريون وكان ان ابلغهم بن جوريون بوقف الاعدامات، وفي المرة الثانية كان الصليب الأحمر هو الذي تدخل وانقذه في اللحظة الأخيرة ايضا. المهم انتهت الحرب وخرجت إسرائيل من غزة يوم 7 مارس 1957، وخرج الأهالي في مواكب فرح حقيقية، كل الناس من شيوخ ونساء وشباب وأطفال يغنون ويرقصون: عاشت غزة. 700 جثة حالة من السعادة الحقيقية بالجلاء، صحيح أنه كان هناك نحو ألف من الأهالي مختفون بين أطفال وشباب ورجال، وتصور الجميع وقتها انهم ربما توجهوا الى الأردن أو الى مصر هربا من جحيم الحرب وسوف يعودون ثانية، خاصة أنهم سألوا الحاكم العام الإسرائيلي قبل الجلاء، فأكد لهم بان إسرائيل لا تعرف عنهم شيئا وليسوا محتجزين لديها. وهكذا عاش الأهالي في انتظار عودة الغائبين، وكانوا متأكدين أن العودة قريبة! ولكن لم تكد تمض ايام حتى هطلت السيول في غزة، سيول لم تعرفها كما قال اهلها منذ مئات السنين، وحولت هذه السيول الشوارع الى انهار وفوجئوا بأن المياه التي تهطل وتأتي من المرتفعات تجرف معها عشرات بل مئات من الجثث وصلت الى أكثر من 700 جثة. ذهب هو الى موقع الجثث لأسباب طبية حتى لا تنتشر الأوبئة خاصة أن الجثث كانت متعفنة ورائحتها نفاذة، وضاعت معالمها، البعض قالوا إنها قد تكون جثث قتلى إسرائيليين أو مقاتلين مصريين، والبعض قال إنها لمدنيين ولما قام هو بالفحص الطبي تبين ان الجثث تعرضت لتعذيب قبل الوفاة، وبعضها كان مقيدا بالحبال والبعض الآخر كانت الأيدي مقطوعة أو السيقان، وهكذا وبينما هم كذلك اذ صاحت سيدة عجوز هذا ابني “جابر” كان ابنها يسير بساق خشبية، وعثرت هي على الساق مع الجثة. الكتاب: إسرائيل كما عرفتها المؤلف: د. أحمد شوقي الفنجري الناشر: أخبار اليوم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©