الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

التغير المناخي.. فاعل دولي جديد

التغير المناخي.. فاعل دولي جديد
29 ديسمبر 2019 00:36

طه حسيب (أبوظبي)

لم يعد التغير المناخي شأناً يخص علماء البيئة فقط، بل بات قضية عالمية تكتسي أبعاداً سياسية يوماً بعد يوم، وفاعلاً يحرك تطورات سياسية واقتصادية، خطوط ملاحة جديدة، وسباقاً على ثروات في القطب الشمالي، اضطرابات وموجات نزوح وربما حروب مستقبلية، صناعات مبتكرة للتصدي للخطر، مفاوضات دولية للوقاية من التداعيات، وحتى وجبات غذائية، ومدن عائمة تراعي مستجدات المناخ.
الاهتمام بدأ يتطور من ثقب الأوزون في ثمانينيات القرن الماضي إلى مخاطر الاحتباس الحراري، وصولاً لتظاهرات المناخ، وبروز الناشطة السويدية «غريتا تونبرغ» ذات الستة عشر ربيعاً التي اختارتها مجلة «تايم» الأميركية شخصية العام 2019، لما حققته من تحريك لقضية التغير المناخي من خلال تظاهرات «أيام جمعة من أجل المستقبل»، وما حملته من مطالب أهمها: انبعاثات صافية عند مستوى الصفر من ثاني أكسيد الفحم بحلول العام 2035، والتخلي تماماً عن الفحم الحجري حتى 2030، الاعتماد 100 في المئة على مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2035.
من العاصمة الإماراتية أبوظبي، وفي 30 يونيو الماضي، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، من أن الخراب الناتج بسبب ظواهر التغير المناخي، بات يضرب الكوكب بوتيرة أسبوعية، والمطلوب تحرك سريع لتجنب وقوع كارثة، مطالباً الحكومات بجدية الالتزام باتفاقية باريس للاقتراب من عالم خالٍ من الكربون بحلول عام 2050. غوتيرس أيضاً جدد تحذيره في قمة مدريد المناخية من أن تلوث الهواء المرتبط بالتغير المناخي يتسبب بوفاة 7 ملايين شخص كل عام، وإن حرارة الأرض في السنوات الأربع الأخيرة هي الأعلى في التاريخ.

من «أرهينيوس» إلى (كوب25)
ظهر الاهتمام العلمي بالمناخ أواخر القرن التاسع عشر، عندما ربط العالِم السويدي، «سيفانت أرهينيوس» الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، نظريته حول التغير المناخي عام 1896، زيادة درجة حرارة الأرض بارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون منذ الثورة الصناعية، وظلت النظرية بعيدة عن التجريب، حتى انتبهت إليها مؤسسة علوم البحار في ولاية كاليفورنيا نهاية خمسينيات القرن الماضي، وأسست مرصداً لقياس نسبة ثاني أكسيد الكربون بجبل مانالو في هاواي، ضمن مهمة بحثية قادها العالِم «شارلز كيلينج». ودخلت المسألة المناخية أروقة الأمم المتحدة عام 1988، بعد تدشين «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» ومقرها جنيف، وضمت فريقاً من الخبراء أصدر مجموعة تقارير ربطت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون باحترار الكون. وفي 1988 أيضاً، اختارت مجلة «تايم» «الأرض المعرضة للخطر» شخصية العام، وانتقل الاهتمام لمستويات أعلى، عندما حصل آل جور نائب الرئيس الأميركي السابق عام 2007 على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، عن فيلم «حقيقة غير مريحة»، الذي تم إنتاجه عام 2006 ويدور حول مخاطر التغير المناخي، والآن ظهرت أفلام سينمائية ووثائقية عن الموضوع نفسه.
محطات التفاوض الدولي حول المناخ شهدت استقطابا دولياِ منذ قمة ريو دي جانيرو عام 1992، واتفاق كيوتو 1997 الذي دخل حيز التنفيذ في 16 فبراير 2005 ويلزم الدول الصناعية بتخفيض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 5% على الأقل، مقارنة بما كانت عليه عام 1990، مروراً بمفاوضات المناخ في كانكون بالمكسيك في ديسمبر 2010، حيث اتفقت البلدان المشاركة في المفاوضات على تقديم 30 مليار دولار سنوياً للدول النامية لمساعدتها في مواجهة التغير المناخي، بما في ذلك نقل التقنيات، خلال سنوات 2010 و2011 و2012، ثم مبلغ 100 مليار دولار سنوياً من 2013 إلى 2020. لكن وقع خلاف بين مجموعتين، الأولي تضم الولايات المتحدة وروسيا وكندا واليابان، والثانية تتضمن دول الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أنه اتفاق يضر باقتصاد المجموعة الأولى.
وفي «المؤتمر الخامس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ» المعروفة اختصاراً بـ (كوب25)، في مدريد، خلال الفترة من (3-15) ديسمبر الجاري، تم التأكيد على أهمية قيام كل دولة بزيادة العمل على تقليص الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري قبل دخول اتفاقية باريس للمناخ حيز التنفيذ في 2020، فالاتفاق يعد إطاراً دولياً للتصدي للاحتباس الحراري، ويهدف لمنع زيادة درجة حرارة بمعدلات تفوق ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي إلى درجتين مئويتين. لكن تتباين المواقف تجاهه، فالولايات المتحدة التي أخطرت المنظمة الدولية بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، أصرت على سعيها لتطبيق نموذج واقعي وبراجماتي للحد من الانبعاثات، مستندة إلى رؤيتها لمزيج الطاقة العالمي، وتستخدم، حسب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، «كل موارد الطاقة والتكنولوجيا بشكل نظيف وفاعل، بما في ذلك الوقود الأحفوري والطاقة النووية والمتجددة». أما الصين، فتركز على أهمية قيام الدول المتقدمة بتوفير مساعدات أكثر للدول النامية. اللافت أن الولايات المتحدة والصين مسؤولتان عن 40% من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وما لم تبادرا بالحد من هذه الانبعاثات، سيكون من الصعب كبح جماح التغير المناخي. وحتى اليابان، لا تزال تستخدم الفحم كمصدر للطاقة، ولم يقدم وزير البيئة الياباني معايير واضحة خلال (كوب 25) للحد من الانبعاثات، علماً بأن لدى اليابان 100 محطة طاقة تعمل بالفحم، وتخطط لتدشين 20 محطة من هذا النوع.

العالم العربي والتغير المناخي
لن يكون العالم العربي بمنأى عن تداعيات التغير المناخي، فالمنطقة العربية، التي تتكون من 12 دولة في غرب آسيا و10 دول في شمال أفريقيا، تعاني فعلاً من تكرار نوبات الجفاف، وتعتبر حسب عدد يوليو 2019 من «سلسلة الحوكمة الجديدة لقضايا البيئة في المنطقة العربية»، الصادر عن «أكاديمية الإمارات الدبلوماسية»، «من أكثر مناطق العالم تعرضاً للآثار المحتملة لتغير المناخ، الذي يفاقم الضغوط الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الموجودة حالياً في قطاعات عديدة، ومنها المياه والزراعة والبنية التحتية والزراعة المائية والصحة السياحة، وقد يضع عراقيل شديدة أمام تنفيذ أهداف التنمية المستدامة». ويفرد التقرير سيناريوهات لارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، من بينها يتوقع ارتفاعاً يتراوح ما بين 1.1 إلى 1.9 درجة مئوية بحلول عام 2046 إلى2065، ما يلحق الضرر بالنظم البيئية الطبيعية. المنطقة العربية ستكون عرضة للآثار السلبية العابرة للحدود، ومن بينها ضغوط جديدة على مصادر المياه بسبب زيادة الحرارة والتبخر، في ظل حقيقة مفادها أن 66% من مصادر المياه العربية العذبة تنبع من خارج المنطقة. وهناك مخاطر على الصحة العامة جراء ارتفاع درجات الحرارة، ما قد يزيد من انتشار الملاريا وحمى الضنك والحمى الصفراء وغيرها من الأمراض، إضافة إلى التصحر الذي تزداد رقعته في صحراء الربع الخالي الممتدة في السعودية والإمارات وعُمان واليمن، ومع ازدياد درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار السنوي والضغوط على المياه وتكرار نوبات الجفاف، سيتعرض قطاع الزراعة والتنوع البيولوجي لضغوط جديدة، وستؤدي ضغوط الحرارة وندرة المياه إلى فقدان مساحات من الغابات في السودان والصومال ومصر وجيبوتي، الدول الأربع بها 12% من غابات المنطقة العربية.
وحسب تقرير «المخاطر المرتبطة بالمناخ والتغيرات البيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط لعام 2019» الصادر عن «شبكة الخبراء المعنية بالتغيرات المناخية بمنطقة البحر المتوسط»، فإن ارتفاع منسوب مياه البحر بمقدار متر واحد، سيؤثر على مناطق تصل مساحتها 41400 كيلو متر مربع من الأراضي في دول شمال أفريقيا، وكلها دول عربية.، بما يلحق الضرر بـ73 مليون نسمة، ويأتي تملح التربة ضمن تداعيات التغير المناخي، حيث يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى تسرب المياه المالحة إلى المناطق الساحلية، فعلى سبيل المثال، تعاني 30% من مساحة مصر من خطر الملوحة.

الإمارات والتصدي للتغير المناخي
وعن تجربة الإمارات في التصدي للتغير المناخي، أدركت القيادة هذا الخطر مبكراً، ووضعت مواجهته ضمن أجندة أولوياتها. والدليل على ذلك توقيع الإمارات على اتفاقية باريس للمناخ، وإصدارها عدة أهداف واستراتيجيات ودراسات لتحديد التدابير الملائمة للتصدي للتغير المناخي.
وتطور العمل المؤسسي المعني بحماية البيئة في الإمارات من «اللجنة العليا للبيئة» التي دشنت عام 1975 إلى «الهيئة الاتحادية للبيئة» عام 1993 ثم وزارة البيئة والتغير المناخي عام 2016. وتمثل الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات 2017-2050 خارطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الخاصة بمواجهة التحديات المناخية. ويوجد 14 مشروعاً للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تحت مظلة مشاريع آلية التنمية النظيفة لتحقيق انخفاض سنوي في الانبعاثات يصل إلى ربع مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى مشروعات الطاقة المتجددة.

حلم أخضر مؤجل
الوصول لإجماع دولي حول قرارات مواجهة التغير المناخي، لا يزال حلماً أخضر مؤجلاً. العالم يدور في فلك اتفاقية باريس للمناخ التي ستدخل بنودها حيز التنفيذ العام المقبل، مستهدفة الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، وهذا يتطلب بحلول عام 2030 خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 50% مقارنة بما كانت عليه في 2010. لكن لا يزال المنجز وفق بنود الاتفاقية دون الطموح، وحتى قمة المناخ الأخيرة في مدريد التي تفاعلت من 2 إلى 13 ديسمبر الجاري، لم تخرج بنجاحات مهمة، واضطرت لتمديد فترة انعقادها ليومين إضافيين. الجهود الدولية في هذا المجال تضررت بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، والخلاف الذي شهدته قمة مدريد حول أولوية تخفيف الانبعاثات التي تهتم بها الدول المتقدمة، أو التركيز على المساعدات المالية والتقنية للدول النامية لتستطيع الوفاء بالتزاماتها الخاصة بخفض الانبعاثات. ولم تحسم قمة مدريد السجال حول أسواق الكربون، وتحديد سعر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتم تأجيل الموضوع للقمة 26 المقررة في جلاسكو الإسكتلندية العام المقبل.

طموح أوروبي
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أطلقت تصريحاً مفعماً بالمثالية عندما قالت: «هدفنا أن يتصالح اقتصادنا مع كوكبنا، وأن يجعله يعمل من أجل شعبنا». الاتحاد الأوروبي نجح في تخفيض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري خلال الفترة من 1990 إلى 2018 بنسبة 23%، وخلال الفترة ذاتها حققت الاقتصادات الأوروبية نمواً بمقدار 61%. وعلى ضوء هذه التحذيرات، اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً وضع من خلاله هدفاً طموحاً، يتمثل في الوصول بانبعاثات ثاني أكسد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050. هذا القرار لا يعوقه سوى رفض بولندا، ما يعد مثالاً على صعوبة تدشين جبهة موحدة للتصدي للتغير المناخي. الفحم يشكل 80% من الطاقة التي تستهلكها بولندا، نسبة هي الأعلى في الاتحاد الأوروبي.

مكامن الخطر
في 15 ديسمبر الجاري نشرت مجلة «نيتشر» العلمية دراسة أعدها 89 عالماً، وتوصلت إلى أن الغطاء الجليدي في جرينلاند يتآكل بوتيرة سريعة تفوق ما كانت عليه الأمور قبل 25 عاماً. جرينلاند منذ عام 1992 فقدت من جليدها 4 تريليونات طن ، وخلال هذا العام فقط فقدت 400 مليار طن من الجليد. وفي مطلع ديسمبر الجاري، توصل 100 عالم متخصص في دراسة المناطق القطبية إلى استنتاج مفاده أن معدل ذوبان ثلوج جرينلاند يتزايد بوتيرة سريعة، فمن 33 مليار طن سنوياً خلال تسعينيات القرن الماضي، بلغ المعدل الراهن 254 مليار طن سنوياً. وذوبان ثلوج جرينلاند يرفع منسوب مياه البحار بمقدار سنتيمتر واحد ما يعرض 6 ملايين نسمة لفيضانات، وذوبان ثلوج جرينلاند سيؤدي بحلول عام 2100 -إلى زيادة في منسوب مياه البحار تبلغ 16 سنتيمتراً، وهذا يعني تعريض 400 مليون إنسان سيكونون لمخاطر الفيضانات.

حرائق الغابات
وحسب خدمة «كوبرنيكوس» المعنية بمراقبة الغلاف الجوي التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن عام 2019 كان استثنائياً في حرائق الغابات بجميع أنحاء العالم، التي أطلقت 6.38 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في أول 11 شهراً من العام. هذه الحرائق يمكن أن تكون مسؤولة عن تلوث الهواء بشكل أكبر بكثير من الانبعاثات الصناعية.

خسائر متوقعة
ارتفع عدد الكوارث التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين من 200 إلى 400 كارثة، 90% منها مرتبط بالمناخ، حسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. وفي إطار قراءة الخسائر المتوقعة، أصدرت وكالة المعونة الأميركية تقريراً عن تكلفة التغير المناخي في إندونيسيا، استنتجت خلالها أن هذا البلد المكون 17 ألف جزيرة جنوب شرق آسيا سيخسر، بحلول عام 2050 قرابة 14.8 مليار دولار، أو ما نسبة 1.4% من ناتجه المحلي الإجمالي بسبب التغير المناخي. ويسرد التقرير تداعيات تتمثل في مزيد من موجات الجفاف، وارتفاع في درجات الحرارة، وحرائق الغابات، وفقدان الشعاب المرجانية، وزيادة الفيضانات نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، واضطراب مواسم هطول الأمطار. القطاع الزراعي سيشهد انخفاضاً في محاصيل الأرز وقصب السكر وفول الصويا، وسيتضرر القطاع العقاري في مدينة جاكارتا بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، وستتضرر إنتاجية الأراضي الزراعية التي تتسرب إليها الملوحة، وفي المجال الصحي، توقع التقرير زيادة تكلفة علاج مرضى حمى الضنك والملاريا. ومواجهة التغير المناخي، تتطلب تدشين بنى تحتية جديدة، كجدران لحجب مياه الفيضانات وشبكات لتصريف المياه، وثمة تقديرات مفادها أن العالم بحلول 2030 سيحتاج 100 مليار دولار سنوياً لتلبية هذه الاحتياجات.

استقطاب سياسي مناخي
ولربما لغة الأرقام تفرض نفسها لإثبات تداعيات التغير المناخي، فتكلفة الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة خلال القرن الحادي والعشرين، أي في العقدين الأخيرين، بلغت 290 مليار دولار، فأعاصير كاترينا وويلما وشارلي وهارفي، جعلت الأميركيين يدركون خطر التغير المناخي في ظل استقطاب بين «جمهوريين» لا يقرون بوجود هذا الخطر و«ديمقراطيين» يكافحون من أجله، ما عرقل القرارات الخاصة بالتغير المناخي في الكونجرس إبان فترة باراك أوباما، ما دفعه لاستخدام قانون الهواء النظيف الصادر عام 1970 كي تحصل وكالة حماية البيئة على صلاحيات اتخاذ قرارات دون الرجوع للكونجرس. ورغم مواقف إدارة ترامب الرافضة للاستجابة لتحديات التغير المناخي، والمنسحبة من اتفاقية باريس، والتي ألغت 130 إجراء خاصاً بمواجهة التغير المناخي، فإن السياسات المحلية التي أقرتها بعض الولايات الأميركية حققت توازناً في التعاطي الأميركي مع هذه التحديات، حيث أقرت كاليفورنيا مشروع قانون تاريخياً في عام 2018 يفرض على الولاية التحول إلى الطاقة النظيفة بنسبة 100% لتلبية احتياجاتها من الكهرباء، وعلى النهج نفسه سارت ولايات نيوميكسيكو ونيويورك وواشنطن وماين ونيفادا وكولورادو مقاطعة كولومبيا. كما انضوت 24 ولاية في تشكيل «تحالف المناخ الأميركي»، والتزمت بالوفاء بأهداف الحد من انبعاثات الكربون المحددة في اتفاقية باريس، اللافت أن أحدث التقارير الفيدرالية تحذر من خسائر أميركية من التغير المناخي قيمتها نصف تريليون دولار سنوياً، بحلول عام 2090.
وضمن هذا الإطار أكد جيفري كمب، مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» أنه طالما ظل دونالد ترامب رئيساً، فإن السياسة الأميركية الرسمية بشأن اتفاقيات المناخ الدولية ستظل معادية وغير متعاونة. وطالما تحذو الدول الكبرى الملوثة الأخرى، مثل الصين والهند وأستراليا حذو ترامب، سيكون من المستحيل إحراز تقدم جاد في المعايير الدولية لخفض انبعاثات الكربون.

الكفاح ضد «نهاية العالم»
في فرنسا اضطر الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التراجع، العام الماضي، عن مقترح رفع أسعار المحروقات للحد من التغير المناخي، جراء ضغوط تظاهرات ما يعرف بـ«السترات الصفراء»، وهذا يأتي ضمن حالة تتكرر في مناطق عدة حول العالم، يرفض فيها العامة مقترحات متعلقة بالتصدي للتغير المناخي، انطلاقاً من أن الحد من استهلاك الكربون لا يتزامن مع عدالة اقتصادية مأمولة. وضمن هذا الإطار، يرى باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن حركة «السترات الصفراء» بدأت بالفعل من أجل الاحتجاج على زيادة سعر الوقود تقررت في إطار الجهود الرامية إلى مكافحة الاحترار المناخي. وهكذا، شهدت فرنسا مواجهة بين أولئك الذين يكافحون ضد نهاية العالم (المنادون بضرورة التحرك العاجل من أجل معالجة مشكلة تغير المناخ) وأولئك الذين يكافحون من أجل نهاية الشهر (الفقراء ومحدودو الدخل الذين يجدون صعوبة في إنهاء الشهر إذا أنفقوا كامل رواتبهم قبل نهاية الشهر). ليست هناك معارضة لجهود مكافحة الاحترار المناخي في حد ذاتها، وإنما معارضة لقرارات يرون أنهم ضحاياها الوحيدون.

طرق بحرية جديدة
التغير المناخي الذي سيسفر عن اختفاء الغطاء الجليدي في جرينلاند بحلول عام 3000 ميلادية، سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار في العالم إلى 7 أمتار، وعما سيترتب على هذا السيناريو من مخاطر، فمن المهم التذكير بارتباط 90% من الاقتصاد العالمي بموارد القطب الشمالي، المنطقة التي يكمن في باطنها 10% من احتياطات المياه العالمية، وأيضاً احتياطات مهمة من مصادر الطاقة.
وحول هذا السيناريو يشير معهد الفيزياء البيئية بجامعة بريمين الألمانية، إلى ظهور ممرات بحرية يمكن من خلالها إيجاد طرق نقل بحري جديدة، أقصر مسافة وأقل في الفترة الزمنية، فعلى سبيل المثال تسطيع السفن الإبحار من ميناء فلادوفيستيك الروسي خلال الفترة من (يوليو إلى أكتوبر من كل عام) إلى ميناء بيرمرهافن الألماني في غرب أوروبا خلال 23 يوماً فقط، بمسافة تبلغ 7200 ميل بحري.. مسار أقصر مسافة وزمناً، إذا قورن بنظيره التقليدي الذي يبدأ من فلادوفيستيك الروسي متجهاً جنوباً عبر المحيط الهادئ، ثم المحيط الهندي، مروراً بالبحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط ومضيق جبل طارق، وصولاً بميناء بيرمرهافن الألماني، هذا المسار تستغرق الرحلة فيه 34 يوماً وتقطع 10500 ميل بحري، المسار الثاني يوفر 40% من المسافة مقارنة بالمسار الأول. ومع انحسار جليد القطب الشمالي تتكشف فرص جديدة خاصة لشركات النقل البحري التي تسهم بما نسبته 2 إلى 3 في المئة من انبعاثات الكربون في العالم. وإيجاد طرق نقل بحري قصيرة، عبر استغلال الممرات القطبية، معناه استهلاك وقود أقل، ومن ثم المزيد من الالتزام بالحد من الانبعاثات، خاصة في ظل مسعى بعض شركات النقل البحري للحد من الانبعاثات الكربونية في أنشطتها. وضمن هذا الإطار، أعلنت شركة «ميرسك» الدانمركية في يونيو الماضي، أنها ستتعاون مع شركة «أتومفوت» الروسية المتخصصة في كاسحات الجليد، من أجل استكشاف فرص جديدة في القطب الشمالي.

فرص اقتصادية
وسيفتح ذوبان ثلوج القطب الشمالي الباب أمام إمكانية تنفيذ مشروع مد كابل من الألياف الضوئية بين شركة فنلندية وأخرى روسية لتسريع نقل البيانات، وستزداد الفرص في مصائد الأسماك، ففي ربيع 2019 وقعت دول الاتحاد الأوروبي والدول الخمس القطبية على اتفاقية لمنع الصيد الجائر في مناطق وسط المحيط القطبي الشمالي، وستظهر مناطق غنية بمعادن نادرة يتم استخدامها في تقنيات خضراء مثل بطاريات السيارات الكهربائية ومحركات إنتاج الطاقة من الرياح، هذا إضافة إلى احتواء القطب الشمالي على 52% من احتياطات النفط والغاز في العالم، ما يعني أن السباق على ثروات هذه المنطقة الذي بدأته روسيا عام 2007 مرشح للاستمرار.

مهاجرون بسبب المناخ
حذر تقرير للبنك الدولي، صدر في 19 مارس 2018، من أن الآثار المتفاقمة لتغير المناخ قد تدفع أكثر من 140مليون شخص في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، إلى الهجرة داخل بلدانهم بحلول 2050 بسبب ندرة المياه، ونقص المحاصيل، وارتفاع منسوب مياه البحر، والعواصف الشديدة.
وفي عام 2007 وافق أعضاء المنظمة الدولية للهجرة على تعريف مصطلح «المهاجرين البيئيين»، كما ترى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن شخصاً واحداً ينزح كل ثانية منذ عام 2009 بسبب الكوارث، وأن 22.5 مليون شخص نزحوامن أماكن استقرارهم خلال الفترة من 2008 إلى 2015.وفي نوفمبر الماضي، نشرت وحدة البحوث الاقتصادية بمجلة «ذي إيكونوميست» تحليلاً، رصدت خلاله مدى استعداد أكثر من 82 اقتصاداً في العالم لتبعات التغير المناخي، واستنتج التحليل أنه إذا استمرت التغيرات المناخية بالوتيرة نفسها، سيفقد العالم 3% من ناتجه المحلي بحلول عام 2050، أو ما قيمته 7.9 تريليون دولار، وربما تفقد أفريقيا نسبة أكبر تصل إلى 4.7%، ما يعني أن الدول النامية هي الأقل قدرة على الصمود في وجه التغير المناخي مقارنة بالدول الغنية، وفي الوقت نفسه هي التي ستتحمل- وفق تقرير البنك الدولي عن «التنمية وتغير المناخ»- 75 إلى 80% من الأضرار الناجمة عن التغير المناخي.

التغير المناخي فرصة لـ«القاعدة» و«بوكو حرام»
أكد د.نديم فرج الله، مدير «برنامج البيئة والتغير المناخي بمعهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية» بالجامعة الأميركية في بيروت، أن التغير المناخي لعب دوراً في اضطرابات سياسية بمناطق عدة، على سبيل المثال أدى الجفاف في مالي إلى فشل المزارعين في كسب عيشهم، ما وفر فرصة لتنظيم «القاعدة» لتجنيدهم، ومن ثم ارتكاب عمليات إرهابية، كما أن حركة «بوكو حرام» في نيجيريا استغلت الصراع بين المزارعين والرعاة في مناطق نفوذها، ما منحها فرصة لتجنيد بعضهم. التغير المناخي أصبح فاعلاً سياسياً، فهو يضرب الاقتصاد بكوارثه، ومن ثم تحدث ضغوط اجتماعية واضطرابات كبيرة. ولفت فرج الله الانتباه إلى أن باكستان تعرضت لفيضانات عارمة في 2010 وفي العام نفسه، تعرضت روسيا لموجات حر غير مسبوقة، ما أربك إنتاج الأرز في باكستان والقمح في روسيا، ومن ثم تعرضت أسواق السلعتين لضغوط رفعت السعر، وشكلت عبئاً على الدول المستوردة، وجعلت بعضها يفكر في التخلي عن دعم أسعار الخبز مثلاً،، هذا من شأنه إحداث توتر اجتماعي ينذر باضطرابات سياسية، وهذا ما جعل بعض مراكز البحوث تفسر اضطرابات الربيع العربي منذ عام 2011 بأنها انعكاس لتداعيات التغير المناخي.

سباق على القطب الشمالي
التغير المناخي يحمل فرصاً وفي الوقت نفسه مخاطر، أمام النظام العالمي الراهن، فبالإضافة إلى مواقف متباينة بين دول «الشمال» من جهة، وبلدان «الجنوب» من جهة أخرى، في كل ما يتعلق بأدوات التصدي للتغير المناحي، ومبدأ المسؤولية المشتركة الذي تتبناه الصين وقوى نامية أخرى تتمسك بضرورة دعم الدول النامية مالياً وتقنياً في تغيير آليات إنتاجها والحد من الانبعاثات، ظهرت ساحة جديدة ستكون ميدانَ سباق على الموارد وربما التنافس العسكري، فالقطب الشمالي الذي يتعرض الآن، جراء الاحتباس الحراري، لذوبان الجليد بوتيرة سريعة، يخفي في باطنه ربع احتياطات الطاقة الأحفورية غير المستكشفة في العالم، إضافة إلى معادن نادرة، كالذهب والبلاتين والماس والمنجنيز، وستظهر ممرات مائية خلال الصيف، ما يطرح فرصة لخطوط نقل بحري جديدة، ومصايد أسماك، وشراكات اقتصادية في مجالات متنوعة، وربما قواعد عسكرية، وجميعها مستجدات تصب في مصلحة موسكو التي تحركت منذ 2007 لتعزيز حضورها لوجستياً وعسكرياً في القطب الشمالي، خاصة أنها تمتلك أسطولاً من كاسحات الجليد وربما يعطي الاحتباس الحراري وما يكشفه من ثروات القطب الشمالي، أهمية للمجلس القطبي العالمي الذي تأسس عام 1996 بعضوية روسيا الاتحادية وكندا والدنمارك والنرويج، يقع معظمها ضمن المجال الحيوي لروسيا الاتحادية. ويبدو أن الثلوج التي هزمت نابليون داخل روسيا القيصرية عام 1812، ودحرت النازية الهتلرية في أربعينيات القرن العشرين، ها هي الآن تخلق واقعاً جديداً، بذوبانها الذي يخلق تحديات وفرصاً.. مكاسب وخسائر، تغير الواقع الجيوسياسي للعالم.

حركات سياسية جديدة
لاجئو المناخ، ونشطاء على شاكلة «غريتا تونبرغ»، وتظاهرات المناخ، التي عمت عواصم كثيرة في آسيا وأوروبا، تزامناً مع مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في سبتمبر الماضي، أو أثناء القمة المناخية بمدريد الشهر الجاري، تنذر بحركة عالمية نشطة لمواجهة التغير المناخي، وربما تظهر أحزاب «خضر» جديدة، في بلدان لم تشهد هذا النوع من القوى السياسية، وضغوط سياسية على الدول النامية كونها تتحمل العبء الأكبر وربما الخسائر الأكثر جراء التغير المناخي، ما يضعها أمام احتمالات التعرض لاضطرابات سياسية.

أدوات المواجهة
التصدي للتغير المناخي هدف يمكن تحقيقه بالمبادرات المحلية، التي يرى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أنها تقوم بـ 70% من الإجراءات اللازمة للحد من التغير المناخي، وبالتزامات الدول في إطار اتفاقيات عالمية مثل اتفاقية باريس للمناخ، ومع ذلك تبقى مجالات أخرى تمس حياة الأفراد، كوسائل المواصلات، وخيارات السفر، ونمط الغذاء، وأنماط البناء، تلعب دوراً في خفض الانبعاثات. وضمن هذا الإطار، ترى منظمة «بروجيكت دروداون» البحثية المتخصصة في الحلول المناخية، أن طريقة زراعة الغذاء ونقله واستهلاكه تمثل حوالي ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وإجراء تغييرات في جميع هذه القطاعات قد تقلل نسبة الكربون في الغلاف الجوي بمقدار 321.9 مليار طن بحلول عام 2050.
المواجهة تتضمن إعادة النظر في إنتاح الغذاء والأنشطة الزراعية، خاصة إنتاج اللحوم الحمراء، ووفقاً لتقديرات «معهد الموارد العالمية» بالعاصمة الأميركية واشنطن، فإنه إذا «كانت الماشية أمة»، لجاءت في المرتبة الثالثة بعد الصين والولايات المتحدة كأكبر مصدر لانبعاثات الاحتباس الحراري، وحسب تقديرات «مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية» المؤسسة غير الربحية المعنية بحماية البيئة ومقرها في نيويورك، فإن «أحد التقديرات تفيد بأنه إذا قلص الأميركيون ربع رطل أسبوعياً من اللحم البقري من نظامهم الغذائي، بما يعادل قطعة هامبورجر، فإن ذلك يشبه إخراج 10 ملايين سيارة من الطريق كل عام».
كما يطرح التغير المناخي منتجات جديدة تتعلق بمتطلبات المرونة التي يستوجبها التصدي لهذه الظاهرة، كالتقنيات المتعلقة بالطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وألواح الطاقة الشمسية، وحتى مفاعلات الطاقة النووية، والمدن العائمة بالمناطق الساحلية أو الدول الجزرية. ما يفتح الباب أمام قوى اقتصادية جديدة، أي أن التغير المناخي تسلل إلى أجندة السياسيين كتحدٍ لا مناص من الاستجابة له.

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©