السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«زايد للكتاب» تتقصى تجليات التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ

«زايد للكتاب» تتقصى تجليات التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ
23 ديسمبر 2019 01:19

هزاع أبوالريش (أبوظبي)

برعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، انطلقت، أمس، ندوة «التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ» التي تنظمها جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبوظبي، بحضور معالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة، وبمشاركة نخبة من من المفكرين والمثقفين والأدباء والدبلوماسيين العرب والعالميين، الذين ناقشوا تجليات قيم التسامح في مجالات الأدب والفكر والتاريخ واللغة والثقافة، في ثلاث جلسات تنوعت في محاورها واتفقت على أهمية الجهود التي تقودها الإمارات لترسيخ قيمة التسامح محلياً وإقليمياً وعالمياً، مستلهمة ذلك من تجربة الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات، وقيادتها الرشيدة التي سارت على الدرب نفسه، وباتت ترسم اليوم خريطة التسامح واحترام الآخر بحروف من نور.

زايد وغاندي.. وثالثهما التسامح
تضمنت الندوة ثلاث جلسات تنوعت في المحاور، وشارك فيها نخبة من المفكرين والمثقفين والأدباء والدبلوماسيين العرب والعالميين، الذين ناقشوا تجليات قيم التسامح في مجالات الأدب والفكر والتاريخ واللغة والثقافة. وقد خصصت الندوة جلسة لتقصي مفهوم «التسامح في فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وفكر غاندي»، وجلسة بعنوان «التسامح المصطلح والمفهوم والتطور»، وجلسة بعنوان «قيم التسامح في الشعر».

قيمة رفيعة إبداعياً
وأكد سعادة الدكتور علي بن تميم في كلمة ترحيبية خلال الندوة، على أن التسامح قيمة رفيعة ومهمة في الإبداع، وهي ضرب من الأخلاقيات النبيلة التي يقوم عليها الشعر بشقيه العربي والنبطي، لافتاً إلى أننا «شهدنا دراسات ولقاءات حول التسامح في الدين، إلا أننا لم نطلع حتى الآن على دراسات معمقة عن التسامح في الشعر والسرد والإبداع، لكن يمكن أن نشير إلى أن الكتاب العربي نادراً ما يتطرق إلى التسامح في الفلسفة والشعر والإبداع والثقافة»، مقتبساً بعضاً من القصص التاريخية والقصائد التي تعطي دليلاً واضحاً وبرهاناً يقينياً على أن التسامح جزءٌ لا يتجزأ منا في الأساس.
كما هنأ المسيحيين في الإمارات والمنطقة والعالم بأعياد الميلاد المجيدة، منوهاً إلى أن قنديل التسامح سيظل منيراً في داخلنا كالكوكب الدُّريّ، ونحن نشعل بعد أيام قليلة شمعة 2020، كما شعَّ دائماً على شجر الغاف وظلَّل، وصبر واحتمل، وكان شفاءً وشاهداً على إرث زاخر من الحكايات والأشعار.
وتابع سعادة الدكتور علي بن تميم: هذا اللقاء، مع نخبة مميزة من المبدعين والأدباء والنقاد والمفكرين سيضيء جانباً مهماً، وسيسد ثغرة أساسية، من قيم عام التسامح، التي تنطلق منها جائزة الشيخ زايد للكتاب، في جلساتها المهمة التي تتابع في الأولى تطور المصطلح ومفهومه في اللغة والفلسفة. كما تحلِّل في الثانية التسامح في فكر الشيخ زايد وفكر غاندي، ولعلنا اخترنا التوقف عندها لأن أثر تجليات قيمة التسامح كما أسس لها الشيخ زايد وغاندي ما زالت حاضرة ومؤثرة في عالمنا.

تأصيل
وفي محاولة لتأصيل مفهوم التسامح والإلمام بمدلولاته حملت الجلسة الأولى عنوان: «التسامح.. المصطلح والمفهوم والتطور»، وتحدث فيها كل من: الدكتور عبدالله الغذامي، أكاديمي وناقد أدبي وثقافي، وأستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، والدكتور رضوان السيّد، كاتب ومفكر من لبنان، والدكتورة ضياء الكعبي، أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المساعد بجامعة البحرين، وأدارها الدكتور خليل الشيخ، عضو الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، من الأردن.
وتحدثت الدكتورة ضياء الكعبي خلال الجلسة عن جوانب تاريخية مهمة وملهمة في شأن ترسيخ قيم التسامح ومفهومه. مؤكدة على أن مفهوم التسامح نفسه خضع لدرجة كبيرة من التغيّر على حسب المراحل التاريخية، وبالتالي عندما نتحدث عن الفلسفة اليونانية وصولاً إلى مرحلة ما قبل الحداثة فنحن نتحدث عن تحولاتٍ ثقافيةٍ كبيرةٍ جداً، لذلك عندما نتحدث عن الفلسفة اليونانية بالتحديد نجد أن أفلاطون لن يتكلم عن التسامح، ولكنه فكر في قيمة العدل، بما يعني أن أفلاطون نظر بقيمة العدل وبعض القيّم الأخرى ولكنه لم يقترب من التنظير عن قيمة التسامح. مضيفة أننا إذا بحثنا سنجد أرسطو ركز في مشروعه الأخلاقي كذلك على الفعل السياسي، وهذا ما نجده بكتابه في السياسة، حيث إن أرسطو عمل على مفاهيم الصداقة بكل معانيها الفلسفية.
وتابعت: هذا ما نلاحظه بالنسبة للتسامح في اللغات الأجنبية، وخاصة في الثقافة الغربية، فعندما نعود إليها سنجد أن بدايات العمل على هذا المفهوم كانت بعد فترة الإصلاح الديني خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر ومروراً إلى القرن الثامن عشر، لافتة إلى أن أوروبا التي كانت مشتعلة بسبب الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت خسرت عدداً كبيراً من سكانها، وعلى سبيل المثال ألمانيا التي فقدت أكثر من نصف سكانها بسبب تلك الحروب التي لم تسلم منها بقعة من بقاع أوروبا. كما أنه مع تلك الفترة بدأت الكشوف الجغرافية والتعرف على الآخر، وبالتالي بدأ معها الانفتاح والتسامح لبعض الأديان.
واستعرضت الكعبي العديد من القضايا المحورية التي تهم التسامح من نشأته وتطوره ومروره بالمراحل التاريخية المتنوعة والأساسيات الفلسفية الذي ينطلق منها اليوم، مشيرة إلى ما قاله أحد الفلاسفة من أن التسامح مفهوم صعب جداً، لأنه مفهوم متغيّر وغير ثابت، مما جعله مفهوماً خاضعاً لوجهات نظر عديدة إلى يومنا هذا.

رغبة ذاتية
وفي أسلوب نقدي وتفاصيل دقيقة تناول الدكتور عبدالله الغذامي الموضوعية في معنى مفهوم التسامح، مشيراً إلى أن التسامح هو أساساً رغبة ذاتية مطلقة منذ كان الإنسان وإلى أبد الآبدين، ولا يمكن أن نجد إنساناً يستطيع أن يتسامح في الخارج وهو في داخله عكس ذلك.
وتابع د. الغذامي: يجب علينا أن لا نتعامل مع التسامح كنادل في مطعم يقدم الطعام للزبائن وهو لا يأكل منه، وإنما يجب علينا أن أن ندرك قيمة التسامح ونتعايش معه في داخلنا ونتشبع به ومن ثم ننطلق به إلى الآخرين، مؤكداً أن أهم الأشياء التي تجعلنا ندرك معنى التسامح هو السؤال الصادق لأنفسنا: هل نحنُ متسامحون أم لا؟ ومن هنا بداية مشوار الانغماس في روح التسامح.
بدوره، تحدث الدكتور رضوان السيّد عن الثقافة الإسلامية وآلياتها وأبعادها وارتباطها العميق بخيط التسامح، والتاريخ المتصل بينه وبين الفكر الفلسفي في التعايش مع الآخرين، سارداً سير المفكرين وقصصهم التي تندمج مع استراتيجية الجلسة وتسير في مضمون رسالة التسامح واحترام الآخر، مستعرضاً الرؤى الإسلامية في مفهوم التسامح ومصطلحه الدقيق.

التسامح الإماراتي
في الجلسة الثانية التي حملت عنوان «التسامح في فكر زايد بن سلطان آل نهيان وفكر غاندي»، تحدث سعادة تركي الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية لدى الدولة، والدكتور ذكر الرحمن، رئيس المركز الثقافي العربي الهندي ومركز دراسات غرب آسيا، وجيلبير سينيوه، روائي وكاتب من فرنسا، وأدارها عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي، وقال سعادة تركي الدخيل: إن الإمارات اليوم رسمت خريطة التسامح بحروف من نور، وألوان من مداد الأفئدة النابضة بالحب والعطاء، حيث إن الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أعطى نموذجاً ملهماً لقيم التسامح، وجماليات التعايش مع الآخرين، مؤكداً من خلال حديثه أن الإمارات أصبحت حديقة غناء تحل عليها طيور العالم من كل حدب وصوب، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حالة التسامح العظمى التي تعيشها الإمارات والرسالة الإنسانية الكبرى التي تحملها على عاتقها.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فحملت عنوان «قيم التسامح في الشعر»، وتحدث فيها سلطان العميمي، كاتب وشاعر، مدير أكاديمية الشعر العربي في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، والدكتور محمد حجو، كاتب وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في المغرب، والدكتور علي جعفر العلاق، شاعر وأستاذ جامعي وناقد من العراق، وأدارتها الدكتورة فاطمة المزروعي، ناقدة ومؤلفة من الإمارات.
وقال سلطان العميمي إن مثل هذا المفهوم الذي قدم من خلال هذه الندوة يأخذ أبعاداً مهمة، وملهمة في الوقت نفسه، لأن المفهوم بحاجة لثقافة ومفاهيم وقناعات معيّنة والبحث عن الجذور التي نستطيع من خلالها تلمُّس قيمة التسامح وثيمتة الإنسانية الجليّة، مؤكداً أن هناك إضاءات تجعلنا نقتبس من نور التسامح وتاريخه لنتمكن من الخوض فيه بثقة وعزيمة لكي نستطيع التوصل إلى الأمل المشرق، الذي يسهم في بناء الإنسانية والتعايش السلمي مع الآخر.

الدخيل: التسامح سمتٌ إماراتي
قال سعادة تركي الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة في تصريح خاص لـ«الاتحاد»: إن الحديث عن أي مفهوم يُعزز من قيمة المفهوم نفسه، ويؤكد المعاني الإيجابية له، ويبعد الناس عن المعاني السلبية التي تسهم في الخذلان والتقاعس، فالحديث عن مفهوم التسامح يجب ألا يتوقف بمجرد انتهاء عام التسامح بل يصبح عنواناً للروح الإماراتية وسمتاً من سمات هذه البيئة الطيّبة، مؤكداً أن تجمع نخبة في مكانٍ واحد وتحت سقف واحد للحديث عن التسامح والشخصيات التي تفانت من أجل إرساء مفهوم التسامح هذا الأمر يعطي تجليات إنسانية عظيمة تضيف إلى الحياة والبشرية.
وتابع: الإمارات اليوم تقف شامخة بنموذج متميّز ليس فقط في الوطن العربي، بل وإنما في العالم أجمع، والأسس التي وضعها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أسس حصينة ورصينة ومتينة تجعل هذه الدولة قادرة على أن تستند على موروث إنساني عظيم، ومشروع يستطيع العالم أن يسير على نهجه ليمضي بأحلامٍ زاهية خالية من الشوائب والخرائب والمصائب.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©