الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

النوارس.. بشارة الشتاء

النوارس.. بشارة الشتاء
22 ديسمبر 2019 00:48

إبراهيم الملا (الشارقة)

إذا كان دليل الشتاء في دولة الإمارات، هو الغيم، فإن بشارته هي النوارس، ففي وسط هذا البياض الممتد بين الأرض والسماء، تحتفل سواحل وشطآن الإمارات هذه الأيام بشغب الطيور القادمة من الأقاصي، ويلامس الصغار والكبار صنيع النوارس في ابتكار الفرح، حيث تكون العودة الموسمية لها هي مفتاح لغواية النظر، وانشغال الخاطر بفردوس الطفولة، عندما كانت طيور النورس بالذات هي عنوان الغبطة والتوق للحرية، وهي أول الشغف وأصل الحكاية، وهي أيضاً أجمل النهايات.
ومن عاصر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وعايش الطبيعة الهادئة والفطرية في المكان، يعرف تماماً معنى حضور النوارس واصطفافها على أسوار المنازل وهبوطها إلى «حوش» البيت، واقترانها بـ«سيف» البحر واستراحتها على عتبات الليل ومرافئ العشب الأخضر، حيث يكون التناغم العجيب بين هذه الطيور مصدراً للتفكر في طبائعها وسلوكياتها وطقوسها عند السكون وعند الحركة، وعند هبوطها على الأرض، وعند تحليقها في مديات الرياح وتقلباتها، عند اغترافها من الماء ما يعينها على مقاومة الجوع والعطش، وعند انضمامها لسرب موّحد يجنبها الشتات والعزلة.
تتعدد أنواع وأسماء النوارس في اللهجة المحلية الإماراتية والخليجية، فهناك «الحريش» أو «أم الحريش»، و«الصلّال»، و«الحصني»، ولكن ما يجمع كل هذه الأنواع هو الألفة والصحبة والتعاون بحثاً عن الطعام، خصوصاً الأسماك الصغيرة القريبة من سطح البحر، وما يقودها هو غريزة الهجرة، وتجنب قسوة المناخ وهجمة الجليد في مناطق شاسعة، مثل سيبيريا وشمال أوروبا، فشتاء الإمارات الدافئ بالنسبة للنوارس، يحقق لها الاستقرار الموسمي، ويعد محطة للاستراحة وشحن الطاقة استعداداً للرحيل مرة أخرى لموطنها الأصلي، مع انقضاء فصل الشتاء في الدولة بين شهري مارس وأبريل.
وتظل النوارس مصدراً لتوقير الجمال والحرية والانطلاق والرشاقة المادية والروحية عند الشعراء والكتّاب والرسامين والموسيقيين، لأنها الطيور التي جبلت على التحدّي واستثمار القوة الداخلية لقهر المستحيل، وجعل الحياة مكاناً آهلاً بالفتنة والسحر، والتجلّي، والذهاب بالمغامرة إلى حدودها القصوى.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©