الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

البدائية تمرد على طغيان المذاهب المادية

البدائية تمرد على طغيان المذاهب المادية
22 ديسمبر 2019 00:49

أحمد عثمان

في كتابه الأخير «البدائية، إبداع حديث»، الصادر مؤخراً في أربعمائة صفحة عن مطبوعات غاليمار، بين مؤرخ الفن فيليب داغن المسيِّرات التي حددت هذه الثورة الفنية، ثورة النظرة، وألهمت بطريقة فعالة غوغان، كاندينسكي وبيكاسو.
في عام 1984، أقام وليام روبن في متحف الفن الحديث MoMa بنيويورك معرضاً عن «النزعة البدائية»، جمع في أركانه مائتي عمل فني أفريقي، أوقياني، ومائة وخمسين عملاً فنياً بتوقيع الفنانين: بيكاسو، ماتيس، وجياكومتي. وهذا المعرض يعتبر أول معرض استذكاري لهذا الجنس الفني، وحدثاً طموحاً يسعى لتبيين العلاقات التي نسجها المبدعون الأوروبيون مع الفنون الأفريقية والأوقيانية، في محاولة للإجابة على سؤال: أهِي إعادة تقدير للفنون غير الأوروبية، أهِي إعادة قراءة؟
تكوَّن مفهوم البدائية، كما يذكر فيليب داغان، في القرن التاسع عشر في مجال التعبير الفني، ويسعى إلى تبيين الماوراء «ما وراء الزمن، منذ ما قبل التاريخ، وما وراء الجغرافيا» وهو نمط تعبير يجهل القيم الأكاديمية. عصر ذاك، نظر إلى الفن البدائي على اعتبار كونه «فظاً» ومسودة تخطيط أولية: يعارض النماذج المعدة لتمثيل الطبيعة والكائن البشري.
بالنسبة للفنانين، هذه المسيرة نحو هذا الفن البدائي لا يمكن فصلها عن مرحلة الكولونيالية، غزو الأراضي، استعباد الشعوب، تدمير ثقافتهم المصحوب بنهب الثروات الأولية والقطع الفنية، وهذا أدى إلى ازدياد الجشع التجاري. في لندن، منذ عام 1806، كانت مجموعة آشتون ليفر «وهي مجمعة بدءاً من غزوات جيمس كوك»، تحتوي على 7800 قطعة تقريباً. هذا الفضول تجاه الإبداعات «الغرائبية» عرف تطوراً متنامياً في الأوساط الفنية حتى أصبح ظاهرة فنية حقيقية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ما هو سبب هذا الشغف؟
بالنسبة لداغان، مؤلف الكتاب، يرتبط العامل المحرك لهذه الحركة برفض المجتمع الصناعي وأنماط حياته المستحدثة. لا نتحدث عصرذاك عن التلوث، ولكنْ هناك كتاب مثل «د. هـ. لورنس» الذي وصف مذبحة الطبيعة بوساطة الصناعات المنجميَّة في بلده إنجلترا، فاضحاً «الطغيان المدمر للمذاهب المادية». العودة إلى الطبيعة تستوجب أصالة لا تعرف سوى الشعوب البعيدة الحفاظ عليها.
العامل الثاني يتبدى من شأن داخلي يخص عالم الفن الأوروبي، فقد أخفقت ثورة الانطباعية (رغم أنها فتحت أبواباً) في أن تقدم المزيد. وفي ألمانيا، سعت الجماعة الفنية «دير بلاو رايتر» (الفارس الأزرق) لسبر أغوار آفاق أخرى.
كاندينسكي، أحد رواد هذه الحركة، أكد أن أعمال مثل «برونز بنين، معطف قائد من آلاسكا، القناع الخشبي لكالدونيا الجديدة، لها نفس لغة كاتدرائية نوتر- دام». هكذا، تغيرت النظرة ولم يعد هناك كلام عن حضارة متفوقة وأخرى متخلفة. بالنسبة لكاندينسكي، الفن قبل أي شيء روحي. وبالتالي هناك نزعة للتعبير عن جوهر الوجود. رؤية يتقاسمها بعض الأنثروبولوجيين، مثل البريطاني ادوارد تايلور الذي استدعى مجتمعاً إنسانياً «لا يمكن أن تميزوا فيه بين شعرة بحار انجليزي وزنجي من أفريقيا الوسطى».
بالنسبة لداغان، ولد المفهوم المتعدد للنزعات البدائية بالتالي من التقارب بين صور الإدراك الحسي للعالم. والمثال الأكثر شيوعا في هذا الصدد يمثله بول غوغان. بعد أن كان سمساراً للأوراق المالية، أصبح فنانا. في إنجلترا بحثَ عن «الوحشي»، ثم اتجه إلى تاهيتي. هذه العودة للجذور لم تكن سهلة. ولكن هذه المسيرة، كما يرى فيليب داغان، مع مسيرة فنانين آخرين، مثل نولده وبيشتين، ساهمت بدءا من نهاية القرن التاسع عشر في طرق فكرة البدائية المجسدة.

(*) الكتاب:
-Primitivismes. Une invention moderne، par Philippe Dagen، Gallimard، 400 p.،

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©