السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النخيل في كتابات الرحالة الأوروبيين

النخيل في كتابات الرحالة الأوروبيين
19 ديسمبر 2019 01:50

إميل أمين

ظفر نخيل التمر بسمات قدسية لارتباطه بدلالات رمزية أو اتصاله بأحداث كانت النخلة أو فروعها شاهدة عليها.. هذا ما يخبرنا إياه الباحث والأستاذ الجامعي السوداني عبد العزيز عبد الغني إبراهيم في كتابه «نخيل التمر في كتابات الرحالة الأوروبيين» الصادر حديثاً عن دار الساقي، والذي هو رحلة ثرية مع تاريخ نخيل التمور بعيون الآخرين.
مضيفاً بأنه رغم تجاهل الرحالة الأوروبيين في الجزيرة العربية هذا الرابط الوثيق بين النخلة والأديان التي بعثت في الشرق، لا تزال بركة النخل تعيش في اللاوعي الديني العميق، تماماً كما في اسم تمارا الذي كان يطلقونه على الفتيات تيمناً بما للنخلة من قداسة وجمال.
وبينما تعددت الدروب التي سلكها الرحالة الأوروبيون عبر شبه الجزيرة العربية، تركز هذه الدراسة على الطرق التي اجتازها الرحالة ممن استرعى النخيل انتباههم، ولا سيما مناطق إنتاج التمر ومراكز تجارته.
تبين مقدمة الكتاب أن الرحالة الأوروبيين لم يعرفوا نخلة التمر إلا حين التقي الشرق بهم حاملاً إليهم قبساً من حضارته وثقافاته وتجارة طيوبه وصنوف ثماره. وحين بلغتهم رسالات السماء التي نزلت على الشرق برداً وسلاماً، من يهودية ومسيحية وإسلامية، ظفر نخيل التمر فيها بسمات قدسية.
وقد جاء في سفر يوئيل بن فنوئيل الإصحاح العاشر «الكرم جف وأصبح خراباً، والتين ذبل وصارت شجرته حطاماً، والرمان والنخيل والتفاح وجميع أشجار الصحراء ذوت فذوى السرور عن بني البشر».
أما في كتاب الإنجيل ليوحنا فنقرأ في الإصحاح الثاني عشر «في الغد لما سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد بأن يسوع آت إلى أورشليم أخذوا سعف النخل وكانوا يصرخون: مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل».
أما عند المسلمين فالنخلة مباركة لأنها شهدت ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام إلى الدنيا، وكان رطبها أول زاد للسيدة مريم ابنة عمران بعد المخاض «وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً» سورة مريم 25.

النخلة وأوروبا
يشرح الدكتور عبد العزيز إبراهيم بشيء من التفصيل كيف وصل خبر النخلة إلى أوروبا من خلال العلاقات المتبادلة بين الشرق والغرب سلماً وحرباً. فحين التقى الغرب بالشرق غازياً في فترة ما قبل ميلاد المسيح واجتاز جنود الإسكندر المقدوني (356- 323 ق.م) في طريقهم إلى الشرق السهول اليانعة الخضراء ووصلوا إلى سوريا وعبروا الصحراء القائمة وسطها واستشرفوا تدمر، لم يجد ذلك الغازي إلا أن يطلق على أولى الواحات التي استقبلته اسم «بالميرا» أي مدينة النخل، وغدت تدمر منذ تلك الفترة الباكرة تعرف في لغات اليونان والرومان بذلك الاسم.
ولا غرو أن نجد أن الرومان حين استعمروا فلسطين صكوا نقوداً تحمل صورة النخلة لما لها من رمزية سياسية تخليداً لتلك الذكرى، كما تظهر آثار قصور بعض أباطرة روما وجود نخلة التمر في الحدائق الإمبراطورية، ولم يكن ذلك في تقدير صاحب الكتاب إلا مظهراً من مظاهر إبراز السطوة وتأكيد السيطرة على الشرق، موطن النخيل. فالقارة الأوروبية -نتيجة لمعطياتها البيئية- لم تألف النخلة، فلا التربة ولا المناخ ولا المزاج الأوروبي العام كان ملائماً لاستقبال هذا الغرس المبارك. هكذا، منذ انتهت سطوة الدولة الرومانية حتى عاد الجهل في أوروبا بتلك الشجرة المباركة.
يستحضر المؤلف بعض الأحداث التي تبين أهمية نخلة التمر في الحوارات الباكرة التي جرت بين الغرب والشرق، فعلى سبيل المثال حدث أبو قتيبة عن يونس بن الحارث عن الشعبي أن قيصر ملك الروم كتب إلى الخليفة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
«أما بعد، فإن رسلي أخبروني أن قبلكم شجرة تخرج مثل آذان الفيلة ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض، ثم تخضر ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تنضج فتكون كأطيب الفالوج أكلاً، ثم تينع وتيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر. فإن تكن رسلي قد صدقوني، فإنها من شجر الجنة».
ماذا كان رد الخليفة عمر؟
الشاهد أنه جاء كالتالي بحسب المؤلف: أما بعد فإن رسلك قد صدقوك، وإنها الشجرة التي أنبتها الله عز وجل على مريم حين نفست بعيسى».
من كان أول من نقل نخل التمر من بلاد العرب إلى أوروبا؟
يرجح الكاتب أن عبد الرحمن الداخل (731-788 م) هو أول من نقل النخلة إلى أطراف الأرض الأوروبية حين غرسها في الرصافة بالأندلس.

نخيل الإمارات
ولكن ماذا عن قصة نخيل التمر وأرض الإمارات العربية المتحدة من خلال الرحالة؟ ربما كان «جيمس سلك بكنغهام» الرحالة الإنجليزي الشهير وأول الرحالة الأوروبيين الذين كتبوا عن النخيل في منطقة أهل الشارقة وعن أسلوب كسب عيشهم فيقول: «إن أهل تلك المدينة يعملون صيفاً على قواربهم في صيد اللؤلؤ، أما حين يحل الشتاء ويتعطل هذا العمل، فإنهم يفلحون أرضهم ويحصلون على قوتهم مما تنتجها من تمور، وعلى ما تدره قطعانهم من ألبان، وما يصيبونه من أسماك يصطادونها في السواحل». ويذكر أن ساحل أم القيوين رملي أبيض تنمو فوقه أشجار النخيل.
ويسترسل هذا الرحالة في الحديث عن رأس الخيمة، فيذكر أن البلدة تقع في سهل رملي منبسط، وأن الناحية الجنوبية الشرقية من الخور التي تمتد في اتجاه الشرق زاخرة ببساتين النخيل التي تنتج تموراً تسد حاجة المواطنين وتفي بعلف دوابهم.
هل من رحالة أوروبي استطاع عند لحظة زمنية بعينها أن يعد أشجار نخيل التمور في بعض مناطق أرض الإمارات قديماً؟
ربما هذا ما فعله «ليوتينات صموئيل هنيل»، المقيم البريطاني في الخليج، عام 1831 فقد أحصى النخيل، وعقد مقارنة بين أعداد هذا العام وما كانت عليه أعداد النخيل في 1826.
وقد جاء الإحصاء كما يلي: بلغ عدد النخيل في منطقة شعم 900 نخلة في 1826 ووصل إلى 11000 في 1831، فيما بلغ عدد النخيل في الرمس 4500 في 1826 وغدت 6720 نخلة في 1831. أما رأس الخيمة، فبلغ عدد نخيلها 28000 في 1826 ووصل إلى 38000 في 1831.
أما الرحالة الألماني«هيرمان بورشارت»، الذي زار أبوظبي في 30 أبريل من عام 1904 فيقول إن بيوت أبوظبي كلها، ما عدا القليل، بنيت بصفة كاملة من جريد النخل، وقد سبقه في هذا القول «بيرسي زكريا كوكس» وكيل حكومة الهند، الذي زار أبوظبي وكتب ذلك في تقريره لعام 1902، كما قال المنصر زويمر. وسبق كل هؤلاء بهذا القول آخرون من الذين وصفوا أبوظبي منذ منتصف القرن الثامن عشر فقدموا الوصف نفسه عن البلدة. ومع ذلك يحمد لبورشات أنه قدم وصفاً للعريش الذي استضيف فيه بأبوظبي، إضافة إلى صورة فوتوغرافية لذلك العريش، ما زاد الأمر توثيقاً. كما لاحظ هذا الرحالة وجود عدد من أشجار النخيل «يبدو أنها قد غرست حديثا».

جريد النخل
الشاهد أن التاريخ الأوروبي لم يعرف بحسب الكتاب في عصوره المختلفة القديمة أو الوسيطة، النخل، إلا من رسومات له على قاعات عروش بعض الأباطرة الأوروبيين، وما ذلك إلا لأن النخل كان الرمز الأصيل للشرق الذي يفيض بالثروات التي تنافست الدول الأوروبية للاستيلاء عليها. فإذا جاءت دولة أوروبية وتمكنت من غزو مناطق الشرق خلدت ذكرى انتصاراتها برسومات لهذه النخلة الشامخة التي ترمز إلى الشرق أرضاً وإنساناً وثقافة.
كان الإله في ميثولوجيا الشرق القديم يبارك الملك الجالس على العرش بأن يقدم إليه سعف النخل، كما كان أهل ذلك الزمان يعلنون في الاحتفالات الولاء لملوكهم بالتلويح أمامهم بجريد النخل. وانتقلت النخلة التي كانت في الشرق الوثني القديم رمزاً للبركة والإخلاص في الولاء لتحتل مكانها في بعض مظاهر الأديان السماوية. وهكذا وجدت لها مكانا في رسومات الكنس والكنائس.
كتب الرحالة الأوروبيون عن الجزيرة العربية التي زاروها، وكتبوا عن النخيل لأنهم وجدوا النخلة، قائمة أو مقطوعة، أمامهم حيثما وجهوا أنظارهم. فهي القوت لإنسان شبه الجزيرة خاصة أهل الصحراء والواحات، وهي عماد مسكن العربي. فمن جذوعها التي لا يداخلها السوس تصنع العوارض التي يقوم عليها البناء في الأكواخ التي تعتمد في بنائها كليا على تلك الجذوع التي تكسى بعد ذلك بسياج من السعف، كما ترص جذوع النخل في أعلى المنازل، ويصاغ السعف حصائر تستعمل في تلك المنازل ستائر تحجب الأتربة والضوء الزائد دون أن تحجب انسياب الهواء.
نخيل التمور.. سردية الإنسان والمكان في أرض العرب أمس واليوم وإلى ما شاء الله.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©