الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة «باولو»: رسالة إنسانية

4 أغسطس 2012
من اللحظات النادرة التي تعيد إلى المرء الثقة بأن في الدنيا بعض الخير وبعض الرجال والنساء الخيرين والخيرات الذين تدفعهم إنسانيتهم وقيمهم النبيلة وشجاعتهم الأصيلة، ما شهدته وسمعته في نهاية هذا الأسبوع في مدينة تورنتو من حديث وشهادة حقٍ وتحليل سياسي رائع صدر من رجل دين مسيحي محترم هو القس باولو دال أوجليو. وقبل أن أنقل ما جاء على لسان القس باولو، ينبغي أن أعرِّف به القارئ. فباولو الذي جاء إلى تورنتو مطروداً من دمشق، هو رجل صفته الدينية مفكر ومجتهد، وقد جدد بناء دير مار موسى الحبشي القديم الذي يبعد ثمانين كيلومتراً من دمشق، وحوّله من مبنى قديم إلى مركز للحوار الثقافي الفكري بين المفكرين المسلمين والمسيحين المؤمنين بوحدة الإنسانية وبأن العلاقة بين الرسالات السماوية واتباعها من المسلمين والمسيحين هي علاقة محبة وتكامل لخير البشرية وصالحها وليست علاقة صراع وحرب وقتل وتصفية ومجازر بشرية. وبمساعدة من مهندس معماري استعاره من متحف أونتاريد، استطاع باولو تحويل الدير القديم إلى قطعة معمارية فنية ومعلم بارز يزوره كل زائر لدمشق ليستمتع بجماله، وجوه الهادئ وحواراته الثقافية العالية. رحل القس باولو من دياره في إيطاليا إلى بلاد الشام واستقر في دير موسى الحبشي عام 1991، وكانت علاقته بالسلطة طيبة لأسباب رأتها السلطة مبرِزَةً من خلاله "تقدمية" حزب "البعث" الحاكم. وعندما جاء "الربيع العربي" إلى سوريا واندلعت فيها الانتفاضة الديمقراطية السلمية، أيد القس المسيحي ذلك الحراك الجديد بكل قواه الفكرية والروحية، مما جعل رؤساءه من رجال الدين يطلبون منه تخفيف نشاطه وخطبه في تأييد الانتفاضة الشعبية. رفض باولو النصيحة، بل ذهب إلى أكثر من ذلك ليعلن استنكاره موقف مؤسسة الكنيسة الأرثوذكسية، متهماً إياها بالرضوخ لضغوط الكنيسة الروسية الأرثوذكسيـة الخاضعـة لسلطة موسكو، صاحبة العلاقـة المصلحية الوثيقة مـع نظام الأسد، والتي روجت في بعض الدوائر الغربية لأكاذيب مفادها أن تأييدهـا لنظام الأسد إنمـا هو من أجل حماية المسيحيين والأقليات الأخرى ضد الغالبية المسلمة السنية في البلاد. وتلك بالطبع "أكذوبة" لا سند لها، كما أوضح باولو في ندوته المذكورة، والدليل، يقول باولو، إنه خلال أربعين سنة من حكم أسرة الأسد، فإن كثيراً من المسيحيين هاجروا من سوريا وتشردوا في المنافي الأوروبية والأميركية، فضلا عن آلاف هاجروا إلى كندا. ومما قاله باولو في اتهامه لمؤسسة الكنيسة السورية: "وحتى لو صح أن نظام الأسد هو حامي المسيحيين والأقليات في وجه الغالبية السنية، ونحن نراه يذبح ويهجر ويبيد آلاف المواطنين السوريين المعارضين لحكمه الفاشي، فهل واجبنا كرجال دين مسيحي حماية قبيلتنا المسيحية وغض الطرف عما يتعرض له بقية المواطنين السوريين لسبب أساسي هو أنهم يطالبون بحقهم المشروع في الحرية والديمقراطية؟". كما انتقد القس باولو ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وقال إن تلك الظاهرة التي بدأت كصناعة غربية في ثمانينيات القرن الماضي، تم تصديرها إلى مسيحيي الشرق الذين أخذ بعضهم يرددها قائلين بأنه إذا قامت الدولة الإسلامية في سوريا أو غيرها فإن ذلك هو الجحيم بعينه! لقد هاجم ثلاثون رجلا ملثماً مركز الحوار المسيحي الإسلامي وأمطروه بالرصاص وسألوا الأب باولو عن السلاح الذي يخبئه في المركز وهددوه بالقتل. وأخيراً اتخذت السلطة قرارها بطرده من سوريا ونقلوه إلى الحدود اللبنانية، ومن يومها وهو يطوف العالم، يشرح ويوضح لإخوانه في الإنسانية حجم المآسي والمذابح الجارية في سوريا، ويطلب منهم الضغط على حكوماتهم لإرغام الحكومة السورية على السماح بالمعونات الإنسانية التي يحتاجها الشعب هناك يومياً. وفي إطـار جولته العالمية، جـاء الأب باولـو إلى كندا وتحدث وحاضـر هنا حاملاً رسالته الإنسانيـة والتقـى كلاً من وزيـر الخارجيـة ورئيـس الوزراء الكنديين، وقال إنـه أكد لهمـا أن لكندا في الشرق الأوسـط تاريخاً وذِكْر حسن، راجياً إياهم العمـل مـع الآخرين على وضع حـد للمأساة السوريـة. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©