الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الثقافة العُمانية.. عندما تنصهر الجذور وتتفرع حداثة وارفة

الثقافة العُمانية.. عندما تنصهر الجذور وتتفرع حداثة وارفة
18 نوفمبر 2018 03:37

غالية خوجة (دبي)

أي فضاء حداثي يستوعب التراث الثقافي الإنساني في بلد ما، والمتغيرات العالمية المعاصرة دون محْو هويته الفلكلورية، وجذوره الموروثة الأولى؟ وكيف يطوّر ذاته كي لا يذوب في العولمة، أو كي لا يصاب بالفوضى الداخلية؟ بل السؤال الأهم هو: كيف يؤثر في العولمة المتسارعة على الصعُد والبنى الحياتية كافة من عادات وتقاليد وتفكير وعلوم وآداب وتكنولوجيا وفنون، ويغيرها نحو إيجابية إنسانية حضارية أجمل؟
بلا شك، لا تحصى تلك التحولات الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والثقافية والعلمية والمعرفية المؤثرة (على) و(في) الشخصية الإنسانية العُمانية ذات التجذر العميق، دائمة التشبث بهويتها التراثية الثقافية وانتمائها العربي، ودائمة التشبث بالتطورات المعاصرة دون الانصهار في العولمة السلبية، وهذا ما يؤكده الخط البياني الأركيولوجي بجذوره المتأصلة منذ (5000) قبل الميلاد، والممتدة إلى اللحظة الراهنة مروراً بالنهضة القديمة والنهضة الحديثة والمعاصرة المتحرك ثقافياً منذ (1970)، المتضمن للبنى الحياتية اليومية ومداولاتها بين مسرح وموسيقى وفنون وآداب وعلوم وسينما.

بوابات ومداخل
وعموماً، لا ينفصل المشهد الثقافي العُماني عن المتغيرات في منطقة الخليج العربي، والوطن العربي، لكن، لكل دولة خصوصيتها في التعامل مع هذه المسارات وأبعادها، ومنها سلطنة عُمان الحافلة بمداخل العصور، وبوابات لحظتها الدائمة المستمرة المتفاعلة بين فترات زمنية أثرية، وحقب تاريخية، ونسيج اجتماعي وثقافي وفكري وفني، وفترات حضارية، نذكر منها «مجان» وهو الاسم القديم لعُمان كما ورد في ألواح الطين القديمة، ويعني بلاد صناعة السفن الكبيرة.
وتتضح المحافظة على هذه الأصالة من خلال مناغمتها المتواصلة مع الذاكرة الحالية، لاسيما عصر النهضة وحداثته بأبعادها الجوهرية، من خلال الاهتمام بالثقافة والمثقفين، والفن والفنانين، والإعلام والإعلاميين، والفكر والمفكرين، ومن هذه الاهتمامات حضور الأنشطة المتنوعة للمؤسسات والهيئات المختلفة، ومنها الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء العمانيين، ومراكز الدراسات، والغاليريهات المختلفة، ووزارة التراث والثقافة في الحياة اليومية، وبناء المجمعات الثقافية في أرجاء عُمان، ومنها المجمع الثقافي في مسقط، وفي «نزوى»، هذه المنطقة التي تذكرنا باحتفالنا بها كعاصمة للثقافة الإسلامية عام (2015)، كما تذكرنا بمجلة «نزوى» الثقافية الفصلية والشاعر سيف الرحبي بتجربته الحداثية.

الشعر «يوغا» الأرواح
يرى الدارسون، ومنهم الكاتبة الباحثة العُمانية رحاب بنت علي الزكوانية، أن الشعر العُماني مرّ في (3) مراحل، هي مرحلة (بني نبهان/‏‏‏‏ القرن التاسع الهجري)، ويمثله الشاعر سالم بن غسان بن راشد اللواح الخروصي، المعروف بـ«ابن اللواح»، ومرحلة عهد (اليعاربة/‏‏‏‏ القرن 12 هجري)، ويمثله كل من الشاعرين: راشد بن خميس الحبسي، وسعيد بن محمد الغشري، ومرحلة (البوسعيدي/‏‏‏‏ القرن 14 هجري)، ويمثلها كل من الشعراء: الشاعر الضرير عبدالله بن ماجد الحضرمي، وعبدالله بن محمد الطائي، وحميد بن عبدالله الجامعي الشهير بـ«أبي سرور».
ويتميز الشعر العُماني القديم بما تميز به الشعر العربي، من مواضيع في المديح والفخر والرثاء وغيرها، وجزالة الألفاظ، وقوة الصورة والتعبير والأسلوب.
بينما يتميز الشعر المعاصر بالنزوع إلى الحداثة كإيقاع بات مألوفاً، ومن الشعراء المعاصرين نذكر تجربة الشاعر سيف الرحبي الذي تتميز قصائده بتحويلها اليومي الحياتي، إلى مخيلة متراوحة بين القصيدة الوامضة البارقة، والقصيدة بتشكلاتها السوريالية الرمزية، ذات الإيقاعات المتحولة مع تحولات الجملة الشعرية، ودلالاتها ذات المعنى المتعدد، ومحاولة تحويلها إلى أسطورة خاصة بالرحبي، من خلال الفنيات الاختزالية المعتمدة على الرؤية والرؤيا، وما بينهما صور تصويرية، تخييلية، رمزية، كاشفة، استبصارية، برزت في أعماله المختلفة التي بدأها مع مجموعته الأولى عام (1994)، واستمرت مع أعماله اللاحقة، ومنها «معجم الجحيم». كما برزت تجربته المتشابكة بين السرد والنثر والشعر في نصوصه المعنونة بـ«نسور لقمان الحكيم»، حيث الفضاء يطل على تأملاته من مكانية عالية هي الجبل الأخضر في عُمان، كإشارة إلى الابتعاد عن الذات الخارجية إلى الذات الداخلية أكثر، بغية الاقتراب من «يوغا الروح»، وما يتقاطع مع حركاتها وأصواتها وصمتها من محاورات تشتبك فيها ذاكرة طفولة الشاعر مع تأملاته في المكان والزمان والإنسان، ضمن رحلة عابرة للأمكنة، لكنها تعود إلى الجبل الأخضر العُماني في نهاية سفرها الواقعي والحلمي.
ومن الشعراء العُمانيين نذكر: خميس قلم، أصيلة المعمرية، ود. حصة بنت عبد الله البادية، ومن أعمالها الشعرية «ندف حنين ومساءات» (2009)، و«الخيل والرماد» (2012)، ولها كتاب نقدي بعنوان «التناص في الأدب العربي الحديث»، وتتسم قصائد د. البادية بثيمة الوطنية والقومية والإنسانية والذاتية المفعمة بوجدانيات ملونة بالدفء الأنيق، والفنيات الرومانسية التجريدية.

بنية السرد المتداخلة
المتابع للمشهد السردي العُماني، يلاحظ كيف يتسرب الموروث إلى النصوص، فعوالم السحر حاضرة كما عوالم الخرافة والأساطير، وعوامل البيئة المحلية بعاداتها وأحلامها وأمثالها وهواجسها الشفهي منها والمدون، وكيف يتقاطع مع المكتوب المعاصر، المازج بين الواقعية والواقع والحلم والتأمل والمخيلة والفلسفة، بلغة حكائية، قد تنتج عن تداخل حكايتين أو أكثر، وقد تميل إلى لغة شعرية تعتمد الجملة المختصرة، وإيقاعاتها السيميائية والتشكيلية والتصويرية، وغالباً، ما تكون التجارب المعاصرة متسمة بلغة شفافة تكون منصة للأحداث المشهدية المسرحية، أو السينمائية، أو فضاء للحالة الدرامية، الموزعة بين «مونولوغ» و«ديالوغ»، تبعاً لزاوية رؤية الكاتب، وبيئة شخوصه وضمائرها، وهمومها وآلامها، التي لا تتأطر في الحيّز العُماني فقط، بل تمتد لتشمل الفضاء الإنساني العام.
ونزحت الرواية إلى تجريبيتها مع العديد من الكتّاب، ونذكر منهم حسين العبري وروايته «ديازيبام» (2000)، وسعود المظفر، وعبدالله الطائي، ولنا أن نذكر من الكتّاب العُمانيين بين شعراء وساردين ومترجمين: عبدالله الخليلي، سعيد الصقلاوي، د. محمد بن مبارك العريمي، ذياب العامري، حسن المطروشي، هلال العامري، سعيدة بنت خاطر، جوخة الحارثي، صالح العامري، إسحاق الخنجري، عبدالعزيز الفارسي، محمد سيف الرحبي، هدى الجهوري، محمود الرحبي، سالم آل توية، خالد العزري، محمد اليحيائي، زوينة آل توية، سليمان المعمري، فاطمة الشيدي، محمد عيد العريمي، بشرى خلفان، زينب محمد سالم الغريبية، فاطمة بنت أنور اللواتية، يعقوب الخنبشي، خميس بن راشد العدوي.

أبجديات ورموز التشكيل
وتحضر الفنون التشكيلية رسماً وحرفاً ونحتاً ومجسمات بأساليب مختلفة، تلتقي في البعد التجريبي المزجي، حيث لا مدرسة فنية معينة، ولا مذهب فنياً محدداً، بل دخول إلى بوابات التجريبية التشكيلية تبعاً لحالة كل فنان وفنانة، وما تعنيه حركة اللون، وظلاله، وتشاكلاته، ورموزه، وتجريدية العناصر والمكونات بين الفراغ والكتلة.
وتتمتع سلطنة عُمان بمؤسسات ومراكز تشكيلية عدة، منها الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، ومراسم الشباب، كما تبدو الحركة البصرية دينامية، تنتجها أعمال الكثير من التشكيليين، نذكر منهم الفنانة أنعام أحمد التي تتميز في نبش التراث العُماني والعربي والإنساني، من خلال أعمالها التي تؤصّل الحداثة، كولاجياً، وتجريدياً، لاسيما في أعمالها (الأبجديات المسمارية)، المعبّرة عن حوار الحضارات من خلال الحروف والرموز والنقوش الأولى على جدران الكهوف والرقيمات الطينية، كونها تشكّل لوحاتها من خطوط اللغات القديمة والحديثة، ومنها الأبجدية الفينيقية والآرامية والمسمارية وخط المسند المكتشف في كهوف السلطنة، وكأن الفنانة تؤكد أن الوطن العربي يمد ذاكرته مداً إلى الغد.
وضمن هذا المحور الموضوعي والفني، تأتي أعمال الفنانة بدور الريامية بين رسم ونحت وأعمال تركيبية وفنون الميديا، منتجة لوحات متشكلة من المفاهيمية والرمزية والتجريدية، يجمعها الحدث اليومي ضمن عناصره التكوينية في عالم لغوي بصري.

نقد وترجمة ومسرح
يعتمد النقد العُماني، غالباً، على الدراسات والأطروحات الجامعية التي يدعمها البرنامج الوطني لدعم الكتاب، كمشروع رديف للحركة الأدبية، يشرف عليه النادي الثقافي، ومن المساهمين في هذا المجال، نذكر د. حصة البادية، د. عائشة الدرمكي، إسحاق الخنجري، هلال الحجري، حميد الحجري.
بينما يعكس المسرح حالة مفاهيمية ناتجة عن تنويعات حديثة مع تجربة العديد من العُمانيين ومنهم: آمنة ربيع، عبدالله خميس، عبدالكريم جواد، صالح الفهدي.
وأيضاً، تحضر الترجمة كمحور مهم بدأ مع محمد أمين عبدالله، وتواصل مع المترجمين الجدد، وبعضهم من الأدباء والأديبات.

لوحة لسليم سخي

الاستثمار المعرفي: أوبرا ومتاحف وموسوعة شاملة
ضمن إيقاعات توظيف الثقافة والمعرفة والفنون في الاقتصاد المعرفي والاستثمار الثقافي والفني، شهدت السلطنة حركة حديثة في إعادة صياغة المكان والزمان، واقعياً وافتراضياً وتكنولوجياً، ومن تلك المشاريع الثقافية الحضارية المهمة: دار الأوبرا السلطانية، وما تقدمه من فعاليات وأنشطة موسيقية فنية ثقافية محلية وعربية وعالمية، تستعيد أغاني البحارة، وأناشيد الجدات، كما تستعيد السيمفونيات الكلاسيكية.
ومن زاوية مضيئة أخرى، يحضر متحف اللبان في متنزه بليد في مدينة صلالة بمحافظة ظفار، ويضم قاعتين: القاعة البحرية، وقاعة التاريخ.
أمّا متحف عُمان الوطني، فيُظهر تفاعله الحيوي من خلال مكنوناته التراثية ومقتنياته المعنوية والمادية، المطلة على شرفات التاريخ الثقافي والفني والحضاري، العاكس لتدرجاته وأطيافه العريقة عبْر قاعاته الأنيقة.
ولا يقف المشهد العتيق الحديث ساكناً، لأن المتحف يصافح قلعة الجلالي، وقلعة الميراني، وسور مسقط القديم، وقصر العلم، متباهياً بما يحضنه من مفردات أثرية، وحكايات يرويها الأجداد، وأشعار ترددها الجدات، مازال حجر الصوان يحتفظ بها منذ مليوني عام ليحكيها للأجيال، كما تحكي الصناعات الحرفية قصصاً عن أناس آخرين، لا تنساها، بالطبع، المخطوطاتُ والمراسلات والوثائق والمطبوعات القديمة والنقوش والرسوم والزخارف والطوابع البريدية والأغاني الشعبية والرقصات الفلكلورية والقصص والحكايات والقصائد والأساطير والخرافات والسفن والمراكب والأدوات اليومية والآلات الموسيقية والملامح العمرانية ومجمل التراث المادي والمعنوي، الشفاهي والمدوّن.
وقد تكون صالة العرض كتاباً متحفياً معاصراً، مثل «الموسوعة العُمانية الوطنية» التي وثقت شمولية الحياة العُمانية في المجالات كافة من خلال (11) جزءاً.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©