الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بيت الحرفيين.. «قصة الأمس»

بيت الحرفيين.. «قصة الأمس»
17 ديسمبر 2019 01:15

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

يرسم مهرجان الحصن لوحات إبداعية وسط العاصمة أبوظبي، عبر رحلة يومية إلى أعماق التاريخ، والعودة إلى الحاضر واستشراف المستقبل المضيء، هكذا هو مهرجان الحصن، الذي يجسد فخر الأجداد وإصرارهم، وسط أهازيج شعبية تحتفي بالزوار وتسرد لهم جانباً من يوميات الماضي، وتغوص في حياتهم، فيشعر الزائر للمهرجان الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بجديد النسخة الحالية، التي تتواصل إلى 19 ديسمبر الجاري لتفعيل منطقة الحصن بشكل كامل، انطلاقاً من موقعها، عبر تجربة ثقافية جديدة تعكس ثراء الموروث.
ويشعر الزائر بأنه في سفر يومي عبر مجموعة من المؤثرات البصرية واللوحات الفنية إلى جانب العروض الحية والحرف التقليدية والورش الفنية، يأتي في مقدمتها «بيت الحرفيين» الذي يقدم الحرف الإماراتية في قالب إبداعي، وتعكس حكاياته الترابط المجتمعي، الذي تعيشه الإمارات، وتشتمل المنصة المفعمة بالجمال إلى جانب الحرف والصناعات وورش عمل تدمج بين التقليدي والعصري، مثل ورشة الدمى، وصناعة البخور، والرسم على الملابس، وورشة الفخار، بينما تفوح رائحة القهوة من المكان لتجذب الزوار إلى التعرف على الورشة التي تعرف بكرم الضيافة، بينما يشكل «الحكواتي» نقطة جذب للصغار الذين يتابعون يومياً قصصه التي تحمل الكثير من القيم.

بيت الحرفيين
تتجسد الحرف في عرض حي للجمهور، يمكن الزوار من التعلم ولمس الأدوات والتفاعل معها، إضافة إلى ما يعرض عبر شاشات كبيرة تعبر عن غنى موروث الصناعة التقليدية، حيث تتناول الحرف اليدوية الموجودة في بيت الحرفيين العلاقة الإبداعية والفنية بين أبناء دولة الإمارات والموارد الطبيعية المحلية على مدى الزمن، فقد تمكن الحرفيون من تطوير مهاراتهم لتلبية احتياجاتهم الوظيفية والاقتصادية مستفيدين من البيئة الطبيعية في الدولة، التي تتميز بثرائها وتنوعها حيث توجد فيها الصحراء والجبل والبحر، وتعكس الحرف اليدوية بفضل هذه الممارسات إحساسا فنيا عاليا، ولا يقتصر دور هذا التراث غير المادي الذي تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل على الحفاظ على المهارات العملية فقط، بل يسهم في تعزيز القيم الاجتماعية المشتركة المرتبطة بالهوية الإماراتية.

السدو بألوان الفرح
يلحظ الزائز منذ الوهلة الأولى وهو يتابع بخيتة ناصر، أنها تعمل بحب على صناعة قطع جمالية من السدو، ويدرك مدى ارتباطها بهذه الحرفة، التي تعلمتها منذ طفولتها، وتعد حرفة السدو من الحرف التقليدية التي عملت بها المرأة الإماراتية منذ القدم مستخدمة صوف الأغنام ووبر الجمال وشعر الماعز لصنع تصاميم جميلة ومميزة غنية بأشكالها الهندسية، التي تعكس في الغالب الهوية الاجتماعية والبيئة المحيطة بها، واستخدم هذا النوع من النسيج في صناعة الخيم أو بيوت الشعر، كما استخدمت أنواع السدو المختلفة في تزيين الخيم من الداخل وغالبا ما كانت الجمال تزين بالعتاد المصنوع من السدو، بالإضافة إلى التصاميم المنسوجة، التي تضيف حيوية وبريقاً إلى السروج والأحزمة، واعترافاً بمدى أهمية السدو أدرجت هذه الحرفة عام 2011 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
وتبدو بخيتة سعيدة بتجربتها الجديدة، حيث يتم دمج السدو بالصناعات الحديثة ما يكون كفيلا بنقله للأجيال الحالية والقادمة وللصناعات العالمية دون المساس بروحه، مؤكدة أن الحرفة في أمان مادام الإقبال عليها بات واضحاً، لاسيما عندما تتم صناعة بعض التذكارات من هذه الحرفة مثل حاملات الهاتف و«المحافظ» بجميع الألوان المبهجة والأشكال المميزة.

«سف الخوص»
وجلست الوالدة مريم علي الشحي تعلم فتاة شغوفة بالصناعة التقليدية «سف الخوص»، مهنة الأجداد التي كانت النخلة المباركة مصدرها، حيث تعد النخلة الركيزة الأساسية، التي تقوم عليها الكثير من الحرف اليدوية في الدولة، وعلى الرغم من أن أشجار النخيل معروفة بكونها المصدر الرئيس للغذاء، إلا أن فروعها وسعفها تدخل في حرف النسج التقليدية المعروفة باسم الخوص، حيث يمارس الرجال والنساء على السواء حرفة الخوص، ويقومون بنسج أو تجديل سعف النخل لصنع منتجات وأدوات مختلفة استخدمت ضمن احتياجات الحياة اليومية كالأواني والفرش وغير ذلك، إلا أن التقنية المستخدمة والألوان المختارة تعكس براعة الإنسان الإماراتي وقدرته على التكيف مع الطبيعة وتشتمل منتجات الخوص السرود والمهفة والمكبة والجفير.
وقالت الشحي التي ترتبط بالمهنة منذ القديم، إن صبغ الخوص كان في البداية محدودا، حيث كان يلون بالأصفر والأزرق والأحمر والأصفر فقط، وكانت تجلب الأصباغ من الهند، حيث يجفف سعف النخيل ليصبح أبيض، ثم يتم العمل عليه باللون نفسه أو يتم تلوينه، ومن أجل انتشار حرفة الخوص فإنه يتم اليوم دمجها مع حرف أخرى مثل خيوط التلي التي أضفت عليها الكثير من الجمالية والرونق، وأشارت إلى أنها شاركت في العديد من المهرجانات مثل مهرجان طانطان بالمغرب، وغيره من المهرجانات التراثية المحلية والدولية، موضحة أن هذه الحرفة كانت تعكس الكثير من الترابط الاجتماعي، حيث كانت النساء يمارسنها في جماعات وتدور حولها الحكايات والقصص.

التلي نسيج الفرح
موزة سعيد المحيربي تتقن كل الصناعات وتتفوق في حرفة التلي التي تعد أحد الأشكال التقليدية للتطريز الزاخر، الذي تمارسه المرأة في الدولة، مستخدمة خيوط القطن أو الحرير بشكل متداخل مع خيوط الذهب والفضة لتزيين الياقات والأكمام وأطراف الكندورة والثوب فيتألق بريق التصاميم المعقدة وألوانها النابضة بالحياة، وتستغرق هذه العملية المعقدة لصناعة التطريز المميز وقتا طويلا حيث تتطلب الكثير من الصبر والتركيز، إلى جانب المهارة التي تستدعي التعلم منذ الصغر والعمل بجد واجتهاد، فإن الحرفة التي كانت تتقنها نساء قلة كانت تعكس الترابط والمحبة التي تسود الفريج أو القبيلة بأكملها، حيث أوضحت المحيربي أنها كانت شهيرة بإتقانها للتلي، الذي كان في البداية يصنع من خيوط الفضة، وأنها كانت تتوفر على ماكينة خياطة، كما تقرض البراقع، بينما تصنع التلي لجميع نساء العائلة، بل القبيلة، وللعرائس والسيدات في جميع المناسبات السعيدة، لافتة إلى أنها تتقن أكثر من 12 مهارة، وأن الجميع يسعى دائما وراء الخياطات المحترفات اللواتي تتميز أعمالهن بابتكارات متميزة وجميلة.

الحرف البحرية
إلى جانب ما يعرضه «بيت الحرفيين» من صناعات تقليدية ارتبطت بالنساء، فإن هناك بعض الحرف التي ارتبطت بالرجال وأدوات حرثهم للبحر واستخراج اللؤلؤ، حيث تمكن أبناء الإمارات على مدى مئات السنين من إيجاد طرق مبتكرة لاستكشاف البحر والاستفادة من ثرواته، وقد ساعدت صناعة القوارب على تطوير العلاقات التجارية عبر الخليج العربي والمحيط الهندي، كما استلهمت قوارب صيد اللؤلؤ والأسماك في ازدهار الاقتصاد المحلي بشكل كبير، وفي المجتمعات الساحلية استخدمت مواد محلية في صناعة صيد الأسماك المزدهرة، وذلك لإنشاء تصاميم فريدة لشباك الصيد والفخاخ الأمر الذي أسهم في تحسين طرق صيد أنواع الأسماك المختلفة الموجودة في مياه الخليج العربي، وتزينت الزاوية التي يجلس فيها الحرفي بأشرعة بيضاء تنعكس عليها قصة صيد السمك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ.

خراريف «بيت الحرفيين»
جلس محمد حسين يحكي قصة تحمل الكثير من القيم الجميلة التي تميز المجتمع الإماراتي، من خلال ورشة «خراريف» التي تجذب الأطفال من مختلف الفئات، حيث تسرد لهم على مدار 20 دقيقة قصصا إماراتية من الموروث الشعبي، لتمثل رسالة للأطفال وتعلمهم القيم والصبر والصدق.
وروى حسين قصة شاب فقير مسؤول عن عائلته، دخل إلى بيت لسرقته إلا أنه تراجع عن فعلته عندما وجد أهل البيت نياما، ثم وسوس له الشيطان ودخل بيتا آخر في محاولة لإيجاد ما يسرقه، لكنه تراجع أيضا لأنه وجد فتاة جميلة لا يريد أن يؤذيها، وفي محاولة أخيرة دخل إلى بيت آخر فوجد به جرة كبيرة من الذهب حاول أخذ العشر منها وعدم المساس بالباقي، فتم القبض عليه وتم استدعاء صاحب البيت الذي عاتبه على دخوله بيوت الناس للسرقة، فاعتذر الأخير وأقسم على عدم المحاولة مرة أخرى، مما جعله يلمس صدقه فزوجه ابنته.

إعادة تدوير
بخلاف باقي الورش الفنية التي تستغرق من ربع إلى نصف ساعة، يستمتع الصغار والكبار بورشة صناعة الدمى التي تقدمها ميثاء المحيربي ووفاء الهاشمي بكثير من الحب، حيث أكدت ميثاء أنها تعلمت صناعة الدمى منذ كانت صغيرة، حيث كانت تجمع القطع المتبقية من الخياطة لتصنع منها دمى مختلفة الألوان والأشكال، موضحة أن صناعة الدمى تعلم الصبر وإعادة التدوير أيضا.
وتعمل المحيربي والهاشمي على تعليم البنات طريقة صناعة الدمية من خلال العديد من الأدوات، ومنها إبر وزي إماراتي، وجسد الدمية المحشو بالقطن والخيط وخيوط لتشكيل الشعر.

السدو
صناعة السدو من المهن التراثية التي يمكن إدخالها في العديد من الصناعات الأخرى، أو دمجها مع بعض الحرف وهذا ما تقوم به كل من فايزة مراد ومنى مراد اللتين تشرفان على ورشة صناعة السدو، وقالت فايزة إن الورشة تعلم الأطفال بطريقة بسيطة إنجاز قطع من السدو لاستعمالها كأدوات أو كديكورات.

الدخون
حسين الخضر وعيسى مطر يقودان ورشة صناعة البخور التي عطرت المكان، حيث يقبل على ورشتهما الكثير من المواطنين والمقيمين والأجانب لاستكشاف صناعة الدخون، وقد أكد عيسى أنه سعيد بهذا الإقبال الذي يترجم مدى اهتمام الجمهور بهذه الحرفة، مشيراً إلى أنه يعلم الناس من خلال أربعة مكونات، بخلط العنبر ودهن الورد ومسحوق العود والزيت العطري والسكر الناعم، وتحرص الورش على تعليم صناعة البخور بطريقة صحية وغير مضرة باستعمال أجود المكونات، مؤكداً أنه تعلم هذه المهنة مع صديقه وذلك للحفاظ على إرث الأجداد والعمل على نشره في مختلف الفعاليات التي يشارك فيها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©