الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النويري عالم موسوعي في العلوم الشرعية واللغوية

النويري عالم موسوعي في العلوم الشرعية واللغوية
31 يوليو 2012
(القاهرة) - العلامة شهاب الدين النويري أحد أعلام الحضارة الإسلامية، كان عالماً موسوعياً في جميع العلوم اللغوية والشرعية والعقلية، ومؤرخاً شهد له معاصروه بالسبق والتقدم في التاريخ والأدب. ويقول الدكتور محمد عثمان الخشت - أستاذ المذاهب ومقارنة الأديان بجامعة القاهرة - ولد شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب بن محمد النويري نسبة إلى قرية نويرة بمحافظة بني سويف بمصر في سنة 660 هـ، وقيل في سنة 667 هـ، وجاء نسبه مختلفاً في بعض المصادر، فذكر أنه أحمد بن عبدالوهاب بن عبدالكريم بن عبدالدائم، وذكر الزركلي أنه ولد بقوص بصعيد مصر، وكان أبوه كاتباً مشهوراً يعمل في دواوين الدولة، وتعهده بالرعاية والتعليم في صباه بحفظ القرآن الكريم وتعلم علوم اللغة العربية والفقه، وعني بتعليمه، ودربه على كتابة الإنشاء الديواني حتى أتقن عمل الدواوين وعرف قوانينها وما يحتاج إليه للانخراط فيها، ووجد في نفسه ميلا لدراسة الحديث والأخبار والأدب، وعكف على دراسة التاريخ والسير على مشاهير علماء مصر وشيوخ الأزهر، واشتغل في مقتبل عمره بنسخ الكتب الجليلة نظراً لجمال خطه، وكان يكتب النسخة من صحيح البخاري ويبيعها بألف دينار، وذاع صيته لكثرة علمه وفضله وسعة معرفته بعلوم العربية والتاريخ والحديث، واتصل بالسلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، ونال حظوته في فترة خلافته الثانية والثالثة، وانتدبه في ديوان الإنشاء، وتولى نظر الديوان بالدقهلية والمرتاحية، وأسند إليه الحسبة والمقايسات، ولما ظهرت براعته وحسن إدارته في عمله باشر جيش طرابلس لفترة مما كان له كبير الأثر في توسيع مداركه ومعارفه. وقال عنه الأدفوي صاحب “الطالع السعيد” إنه كان ذكي الفطرة، حسن الشكل، وفيه مكرمة وأريحية وود لأصحابه، وله نظم يسير ونثر جيد. مواصلة الدراسة وتطلع النويري إلى مواصلة الدراسة والمطالعة والتصنيف بعد أن ضاق ذرعاً من وشايات المنافسين وتقلب الحكام وتعرضه للأذى ومصادرة أمواله وأملاكه أكثر من مرة، فزهد في تقلد المناصب والرياسات الإدارية والمالية، وآتته فكرة تأليف كتاب ضخم ائتناساً به، ثم أفاد منه غيره، وعكف على المراجع والمخطوطات، وراح يضع المسودات ويدون المعلومات، واستمر في الكتابة حتى انتهى من الجزء الأول منها في ذي القعدة 721 هـ، وقال في فاتحة الكتاب: “كنت ممن عدل في مباديه، عن الإلمام بناديه، وجعل صناعة الكتابة فنه الذي يستظل بوارفه، وفنه الذي جمع له فيه بين تليده وطارفه، فعرفت جليلها وكشفت خفيها وبسطت الخرائد ونظمت منها الارتفاع وكنت فيها كموقد نار على يفاع، واسترفعت القوانين ووضعت الموازين وعاينت المقترحات واعتمدت على المقايسات وفذلكت على الأصل وما أضيف إليه، وحررت ما بعد الفذلكة فكان العمل على ما استقرت الجملة عليه. ويعد كتاب “نهاية الأرب في فنون الأدب” الذي استغرق في تدوينه عشرين عاماً، موسوعة ضخمة تجمع بين الأدب والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع، والعلوم الدينية، ونظم الحكم، والتراجم والفنون والعلوم التي لم يجمعها من قبل ولا من بعد كتاب في مجاله، وذكره أصحاب كتب التاريخ والتراجم باسم تاريخ النويري، وتميز أسلوبه بالبساطة والوضوح والبعد عن التعقيد، والإغراق في التخصص العلمي والمصطلحات التي لا يعرفها إلا أهل العلم. تاريخ الإنسانية وتشمل هذه الموسوعة واحدا وثلاثين مجلداً ضخماً، كل مجلد يشغل جزئين وقد قسم الموسوعة إلى خمسة فنون، خصص الفنون الأربعة الأولى لدراسة السماء والأرض والإنسان والحيوان والنبات، وخصص الفن الخامس للتاريخ وفيه برزت براعة النويري التاريخية وقدرته على الرصد والتحليل والتأريخ، والمطلع يجد أن التاريخ هو قوام هذه الموسوعة، فالمادة التاريخية هي لب الكتاب وعموده، وتشغل واحداً وعشرين مجلداً، سرد فيه تاريخ الإنسانية بدءاً من أبي البشر أدم مرورا بالأنبياء حتى سيد الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ومراحل التاريخ الإسلامي المتعددة، ويشغل تاريخ مصر أربعة مجلدات من تاريخ الدولة الفاطمية فالأيوبية ثم تاريخ الشام والصليبيين، ثم تاريخ الدولة المملوكية حتى وفاته، كما بذل عنايته بتدوين كل ما يتعلق بتاريخ الدواوين في الدولة الإسلامية، وساهمت جهوده في صنعة الديوان في الارتقاء بهذا العلم، ولذلك اعتمد على كتاباته من جاء بعده مثل ابن فضل الله العمري في كتابه الجامع “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”، والقلقشندي في كتابه الموسوعي “صبح الأعشى في صناعة الإنشا”. واعتنى المستشرقون بهذا السفر وحرصوا على ترجمته للغات الأوروبية، ويقول فازيليف: “إن نهاية الأرب على الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقلية نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم مثل ابن الرقيق وابن رشيق وابن شداد وغيرهم”، وله أيضاً شعر يسير ونثر كثير، منه نثر أدبي يحتوي على كتب ديوانية ورسائل أدبية مختلفة، وتوفي - رحمه الله - في سنة 733 هـ، بالقاهرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©