الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد موت ابنها

1 نوفمبر 2010 20:26
ناحت وطال نحيبها عنان السماء، وجع قلبها مسموعاً بآهاتها، يتقطع أشلاء وأشلاء، ترمي بنفسها في عمق الهلاك، لا تريد بعده حياة، بل صارت تترقب الموت على بابها وتنتظره، انفطر قلبها بفقدان ثمرة قلبها، عريسها كما قالت، هي ليست عروسا، وإنما أم اخضرت يداها في يد فلذة كبدها، بدمعة عين وابتسامة أيضا رأته يكبر أمامها، رغم مرور السنين لم تنس يوم مخاضها عندما حان وقت رغبته في رؤية النور من حوله، هي أم مر ما يقارب السنة على وفاة حبيبها ولازالت لهائب الشوق موقظة بدواخلها، بل تكاد تحرقها وتذرها رمادا في كل الأمكنة، هي أم تلفُّ الدنيا من أجل تبريد نار فقدانها لولدها الذي كان عمره حين غادر الدنيا سبعاً وعشرين سنة، قالت إنه توفي نتيجة خطأ طبي، محروقة اتصلت بي بعدما قرأت تحقيقاً عن الأخطاء الطبية، وعن حالات سقطت في قبضة طاحونة التهالك، بعد أن شرح أجسادها أشخاص، لم يميزوا بين مشرط الطب ومشرط أية مهنة أخرى تستحمل الخطأ، وقالت: لماذا يقول بعضهم حين نحاول تنبيههم، خذوا وزرتي وعلموني ما أقوم حيال المريض؟ ويرددون دائما أنا أعرف مهنتي ودرستها جيدا، وتضيف: أكيد درسوا وتعلموا، لكنهم غير مسايرين لما يدور في أنحاء العالم من مستجدات، غير قادرين على المشاركة في المؤتمرات لمقاربة الجديد في عالم الطب، وأشياء أخرى قالتها بحرقة كبيرة ودموع غسلت وجهها وخنقت صوتها، وأظن أنها لن تكفكفها مدى الحياة، وذلك ما قالته عن حياتها بعد موت عريسها كما قالت، دموعها جرحت صوتها، فبات به حشرجة دائمة، وقالت: كيف أعيش بعد ولدي؟، كنت سأزفه عريسا فكان ذلك لمثواه الأخير، وذكرت أن فصول هذا الحدث تعود إلى يوم خرج ابنها للعشاء مع خطيبته، في أحد المطاعم، فكان الأكل ملوثا، أصيب بمغص شديد في الأمعاء، أخذ إلى المستشفيات، فكان التشخيص على أنه نزلة برد، رجع للبيت، لكن زاد الألم واشتد، ومساء أرجعوه لنفس المستشفى الذي وصف له دواء الرشح والبرد، وحين صادفت والدته الطبيب، تقول إنها قبلت رجليه من أجل إنقاذ ابنها، وفي ظل حيرتها عاتبته على عدم اهتمامه، نهرها وقال تعالي مكاني، أنا أعرف ما أقوم به، وهذه ليست حالة تسمم كما تذكرين، بعد فترة ظهر طفح جلدي على جسد الشاب المصاب. يتعالى نحيبها ويزيد لدى تذكرها تفاصيل الأحداث واسترجاعها ما حدث وتضيف: وهو ممدد في لحظاته الأخيرة فاجأني قوله: لماذا أطفأ النور؟ قالها ابني، كان قد فقد بصره، لا أريد استرجاع ذلك، وبعد فترة توفي عريسي في الساعات الأولى من الصباح الآخر. استرجاعها لذكرياتها معه يقطع استرسالها في الحديث عن ألم فراقها وتختلط مشاعرها، فكأنها تبتسم وتقول: كنت أفرش له خدي وأروي له قصة من خضرة صباي، كنت أداعب خصلات شعره، وأتوق يوميا لرؤية تقاسيم وجهه، لم يكن عاديا، كان شوقي يجتاحني دائما نحوه، وأنا اليوم محكومة بالصبر والصمت والأمل، وأنا أم ذاقت الموت وفاجعة فقدان الابن، أتمنى ألا يذوقه أحد بعدي على الأقل على أيدي أطباء يرتكبون الخطأ في أجساد بشرية فيحولونها إلى أشلاء تستريح تحت التراب، وأشلاء تظل فوق التراب تهاب العفن والتحلل. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©