الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوج أمي

زوج أمي
4 أغسطس 2011 22:50
تحدث الناس كثيراً وأفاضوا عن زوجة الأب وقسوتها على أبناء زوجها، وكيف تتفنن أحياناً في تعذيبهم وإهانتهم وقد تعاملهم بالسخرة أو مثل الرقيق، وتشكوهم لأبيهم بالحق والباطل وتستثيره وتحرضه دائماً ضدهم، لأنهم في النهاية ليسوا أبناءها، وربما تشعر بالضيق والتذمر من خدمتهم أو حتى لمجرد وجودهم معها في نفس المسكن، وبعض زوجات الأب يتصرفن مع أبناء الأزواج من قبيل الغيرة من أمهم حتى لو كانت انتقلت إلى العالم الآخر، وفي النهاية حياة مستقرة في مثل هذه الأوضاع إلا ما رحم ربي. في الجانب الآخر لم نجد من يتحدث عن زوج الأم، كأنه ملاك أو أب لا خلاف عليه، وأن هذا من العلاقات الطبيعية التي لا تشهد إلا المناوشات العادية داخل الأسرة، وقد سألوا جُحا عن زوجة أبيه، قالوا له إنها تحبه، فقال إذا كانت كذلك فهي مجنونة، لكن لم يسأله أحد عن زوج أمه وربما لم تتزوج أمه أحداً غير أبيه، ولكن في الحقيقة لا أقف على السبب الحقيقي وراء هذا التناقض الكبير بين الحالتين. ذقت النوع الأول بشكل غير مباشر من خلال صديقي منذ الطفولة الذي توفيت أمه وعمره لم يتجاوز السابعة، وتزوج أبوه من أخرى، سامته سوء العذاب أصنافاً ولم يجد أحداً يشكو له إلا أنا وكل منا لا حول له ولا قوة، ولا نستطيع أن نقدم أو نؤخر ولا نغير من الأمر شيئاً، كانت تلك المرأة تعامله مثل غلام اشترته من سوق النخاسة، تامر فيطيع ولا حق له في الاعتراض أو النقاش أو الشكوى، تختلق له الأعمال حتى شؤون المنزل وأعمال المطبخ تقع على عاتقه، وإن تجرأ وشكا لوالده، فإنه يجد معاملة أسوأ وردوداً أكثر قسوة، ثم يواجه نوعاً آخر من الانتقام بمزيد من الأعمال والاتهامات الباطلة التي يلقى عليها عقوبات رادعة فيظل يحتمل ليتجنب هذا كله. كانت زوجة أبيه تترك له المهام المنزلية وتنام، وتلقي إليه التكليفات وتخرج للنزهة، حتى تعثر في دراسته والتحق بالتعليم المتوسط ولم ينج من هذا الاستعباد إلا بعد أن انتهى من دراسته وترك البلدة كلها ورحل إلى المدينة بحثاً عن عمل ليعول نفسه، ويكفي أنه يحصل على حريته من دون أن يلقي أبوه لذلك بالاً، وكأن الأمر برمته لا يعنيه، فقد جنح تماماً وانحاز إلى ما تقوله زوجته ويستجيب لكل أحلامها وتعامل مع ما يحدث بعيداً عن الإنسانية والأبوة، والمرأة من جانبها رأت أنها تخلصت منه رغم أنه كان خادماً لها، إلا أنها هي الأخرى شعرت بأنها حصلت على حريتها في بيتها. لم أتوقع أن يكون لي من هذه المآسي نصيب بعد أن عايشت ما حدث مع صديقي، وتحملت معه الأحزان والمعاناة، ويحز في نفسي أنني من المنتمين لهذا النوع الثاني، أو ضحاياه، ولم أتوقع أن يكون أكثر قسوة وألماً وكسراً للنفس وتحطيماً للمشاعر والأحاسيس، لقد حزنت حزناً كبيراً عندما توفى أبي - رحمه الله - تركني أنا وأختي الأصغر مني في عمر الصبا اجتاحتنا أعاصير اليتم ورياح الحرمان وزلازل الوحدة، فالأم هي الأخرى لا تقل عنا ضعفاً وأصبحنا ثلاثتنا في حاجة إلى من ينفق علينا، لا أعمام ولا أخوال ولا أقارب يمكن أن يراعوا ظروفنا واحتياجاتنا، فالكل مشغول بظروفه وأحواله المعيشية، ولهم أعذارهم في ذلك ولا لوم عليهم، وإن كانت أمواج الحياة عاتية وأقوى منا بكثير ونحن لا نجيد فيها فن العوم ولا نقوى على مواجهتها. أمي ما زالت في الثلاثينيات من عمرها وعلى قدر من الجمال، كما تردد النسوة من حولها، إذ بعد عام من وفاة أبي، وكما يقضي العرف، بدأن الهمس في أذنها بأنه من حقها أن تعيش في كنف رجل وخاصة أنها ما زالت صغيرة وأنا وأختي في عداد الأطفال، ولا يوجد ما يمنع زواجها، وهي من جانبها تتمنع وتستنكر وترفض على استحياء متعللة بأن أطفالها أهم ما في الحياة ولا داعي لأن تضحي براحتهم مع زوج أم قد لا يرتاحون له أو يرتاح هو إليهم، ولا يخلو حديث النساء من النميمة، فمعظمهن يتحدثن في هذا الموضوع الثري لهن لتناقله فيما بينهن، لأنه يعد من الأخبار المهمة. هذا الكلام عندما يتناهى إلى مسامعي كان مثل السكاكين التي تمزق قلبي وأحشائي، لكن ليس من حقي أن أتدخل فيه لأنه مجرد ثرثرة ولم يدخل حيز التنفيذ وأنا لا أريد أن يتحوَّل إلى حقيقة، بل اكره تجمع النساء أمام بيتنا لأن حديثهن في معظم الأحيان يتطرَّق إلى مشكلة زواج أمي، لكن مخاوفي زادت بعدما تأكد لي أن أخوالي لن يمانعوا في ذلك لأن الأرامل والمطلقات عندنا معرضات للقيل والقال، إذاً لا بد من إغلاق هذا الباب والحفاظ على الأعراض، آخذاً بالمثل القائل “الباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح”. وأصبح هذا كله واقعاً، وتحوَّلت أمي إلى عروس يطلبها الخطاب من مختلف الأعمار والأنواع من الرجال بين العزاب ذوي العاهات والمطلقين والأرامل أصحاب العيال، وأنا لا أملك إلا الدعاء بأن تفشل كل المحاولات ولا تتم الموافقة على أي منهم، وأن يكون الرفض هو النتيجة أو الخلاف لأي سبب، وقد ساءت حالتي النفسية وقلت شهيتي للطعام وأصابني الاكتئاب وأنا أترقب ما يحدث، ولم تكن أختي أحسن حالاً مني وقد لجأ كلانا إلى الصمت القاتل. أخيراً وقع ما ليس منه بد ووقع اختيار أمي وأسرتها على أحد المتقدمين، ولا أعرف حتى الآن معايير الموافقة عليه، لأنه من وجهة نظري لا يملك أي مميزات على الإطلاق، فهو شخص غير مرغوب فيه في المنطقة كلها لأنه يقيم بالقرب منا ونعرفه عن بعد، فهو من المتعطلين ولا يحب العمل، وفشل في ثلاث زيجات سابقات لأنه دائماً كان يعتمد على زوجاته في تحمل مسؤولية الأسرة ومصروفاتها ونفقاتها، وكان ذلك السبب الرئيسي في طلاقهن جميعاً لأنهن شعرن أنه ليس الرجل الذي يستحق البقاء والمعيشة معه، وأمي وأخوالي يعرفون ذلك، وتغاضوا عنه متعمدين لأن أمي نفسها ليس لديها ما يرغب فيها، فهي أرملة ولديها ولد وبنت وفرصها معدومة في زوج أفضل من ذلك. بجانب رفضي التام لزواج أمي، أعترف أنني أشعر بغيرة شديدة عليها ولا أتخيل أبداً أن تكون لرجل آخر بعد أبي، ولكن احتراماً لرغبتها وإقراراً بحقها لم أعلن رفضي ولا موقفي من ذلك حتى عندما فاتحتني لتعرف رأيي لم أتفوَّه بكلمة واحدة واكتفيت بالإيماء برأسي بالإيجاب لأن لساني انعقد ولم أستطع النطق به، ولو كان لي حيلة لعرقلت كل شيء وسارت الترتيبات أمام عيني لإعداد عش الزوجية الذي لم يكن يتضمن أكثر من سرير جديد وخزانة ملابس وقليلاً من الذهب، وهنا جاءت أولى الطعنات لأنني أدركت أن زوج أمي سيقيم معنا في بيت أبي من قبيل أن تبقى أمي معنا وتراعي أحوالنا، وهو استغل هذه الفرصة لأنه يريد أن يكون عالة علينا، كما كان مع زوجاته السابقات، وأيضاً لم يكن في مقدوري أن أرفض لأنني فعلاً لا أريد أن تبتعد أمي عنا أو نبتعد عنها. بعد عقد القران لم تكن هناك أي مظاهر للعرس وفضلت أن أكون بعيداً عن كل ما يحدث لأنني لا أتقبله جملة وتفصيلاً، ولكن شعرت بإحساس غير مسبوق لا أستطيع وصفه، أحاول أن أُغالط نفسي بأن ذلك لم يحدث، أو أنني في كابوس أتمنى أن أستيقظ وأتخلص منه، واصطدمت بالواقع وحاولت أن أنام بلا جدوى، والأفكار والهواجس تتلاعب برأسي، ورغم أنفي كان لا بد أن أتقبل الأمر. كان أول القصيدة كفراً في بداية تعامله مع أمي وأختي وأنا، إذ بدأ يومه بإصدار الأوامر التي كانت إلى الفرمانات أقرب، كان واضحاً أنه يريد أن يذبح لنا القطة ليثبت أنه رجل البيت وصاحب الأمر والنهي والكلمة العليا فيه، أمي وأختي لاذتا بالصمت وأنا من جانبي لم أرد تعكير الصفو، وإن لم يخل الحال من تعبيرات وجهي التي رفضت ذلك مع التعليق على بعض كلامه، وكاد الحوار المقتضب يصل إلى حد المشادة، وانسحبت ليس من باب التسليم وإنما لعدم تصعيد الموقف وكي لا أتسبب في حرج لأمي. ازداد الأمر سوءاً وبسرعة شديدة تحوَّل بيتنا إلى جحيم، لأن زوج أمي أراد أن يجعل منها خادمة ومن أختي جارية ومني غلاماً نخدمه ونتفرغ لمطالبه، وقد جن جنوني عندما طلب من أختي أن تعد له الشيشة وتشعل الفحم، وتطاول على أمي بالضرب لأنها تأخرت مرة في الرد عليه، ويخرج قاموس ألفاظه النابية التي تخالف كل القيم وتتعارض مع الدين والأخلاق، وقد ظهرت صفاته وتصرفاته في زيجاته السابقة ولم يحاول إخفاءها ولم يتجمَّل إنما زاد عليها. لو كان الأمر بيدي وستعود تبعاته عليَّ وحدي، لأعلنت التمرد والعصيان ولرفضت كل ما يحدث وأنا كفيل بتحمل النتائج مهما كانت وأعتقد أنني قادر على ذلك، ولكن ستتأثر أمي أولاً ثم أختي، ولذلك كنت مغلول اليدين في التصرف وعاجزاً عن اتخاذ أي موقف أو رد فعل، وذلك زاد من تماديه في تصرفاته مستغلاً نقطة الضعف هذه، وهو يعتمد على أن أمي لن تفرط فيه ولن تتنازل عنه بسهولة لأن فرص زواجها بعد ذلك ستكون معدومة. أخوالي وأقاربي انسحبوا بلا أي أثر أو تدخل باعتبار أن ذلك كله شأناً أسرياً لا يجوز التدخل فيه، ويمكن حل مشاكله داخلياً، والأهم أنهم غير مضارين مما يحدث ومن حق كل شخص أن يدير شؤون منزله كما يحلو له، وخاصة أن أمي لم تشك منه ولم يخرج كثير مما يحدث خارج جدران البيت، إذ نحرص جميعاً على ألا نتحوَّل إلى مادة للحكايات والشماتة، ومن حولنا يترقبون هذه النوعية من الأحداث المنزلية. بلغت الأزمة منتهاها عندما ظهرت حقيقة لم نكن نعرفها فزوج أمي مدمن مخدرات، وازدادت ضغوطه على أمي ومطالبه المالية، ولم تكن قادرة على تلبية ذلك، لأنه فوق طاقتها وإمكاناتها، وعندما تعجز عن تدبير المال ينهال عليها بالضرب والشتائم، ويحاول أن يقتنص أي شيء يمكن أن يُباع لتدبير المال، ويكاد يصل إلى حالة فقدان العقل ولا توجد حدود لتصرفاته، وذلك يتكرَّر كل يوم تقريباً، وأصبح من الطقوس الأساسية التي لا تتغير حتى اعتدناها، ولكن لم نتأقلم معها ولم نقبلها. أما القشة التي قصمت ظهر البعير فإنه حاول أن يبيع البيت الذي نقيم فيه وهو كل ما تركه أبونا وورثناه عنه ولا نملك غيره، وبالطبع فإن النتيجة بعد ذلك أصبحت واضحة مثل الشمس إذ أنه سوف يترك أمي ويجعلها هي التي تجري خلفه وتطلب منه الطلاق، ولأول مرة نتفق جميعاً على موقف واحد وهو الرفض التام بلا نقاش أو تفاوض مهما كانت النتائج، فتصاعدت الأحداث وخرجت إلى الجميع، وما زلنا نعيش في أثار القرار الخاطئ، لأن زوج أمي أظهر نذالته وبدأ المساومة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©