الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حظر ترامب.. ومكافحة الإرهاب في العراق

4 فبراير 2017 23:05
هناك عدة أسباب وجيهة للاعتراض على القرار الجديد الذي أصدرته إدارة ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول، في الشرق الأوسط، غالبية سكانها مسلمون، إلى الولايات المتحدة، ووقف قبول اللاجئين السوريين. وأنا من بين كثير من الأميركيين الذين يشعرون بالاستياء من أن تتنصل بلادنا العظيمة بهذه السهولة من تاريخها في الاعتناء بمن هم في حاجة ماسة إلى المساعدة عبر العالم. وأنا أيضاً من بين محللي الأمن القومي الذين يرون أن هذا الحظر لا يساعد في تحقيق الوعد بحماية الولايات المتحدة من الإرهاب. وأنا قلقة أيضاً من أن هذا سيفاقم الاستياء والشعور المناهض للأميركيين الذي قد يحفز على استهداف مواطنينا في الداخل والخارج. ولكن الأهم من الناحية العملية والواقعية، أنني من بين ملايين الأميركيين الذين خدموا في الجيش وفي السلك الدبلوماسي أو كعمال مساعدات إنسانية في العراق أو أفغانستان. وهؤلاء يستطيعون أن يروا مدى الصعوبة التي يتسبب فيها حظر الهجرة على سعي وزير الدفاع جيمس ماتيس لوضع خطة للتخلص من «داعش». وفي يوم السبت الماضي، أصدر ترامب مذكرة للأمن القومي تعطي ماتيس والبنتاجون مهلة 30 يوماً «لتطوير خطة شاملة لإلحاق الهزيمة بداعش». ولكن الحظر على الهجرة يزيد بشدة تعقيد هذه المهمة بتعريض التعاون مع العراقيين للخطر. والعراقيون من بين أهم شركائنا في قتال «داعش». ففي حين تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعم الجوي والاستخباراتي واللوجستي في شمال العراق، فإن القوات العراقية، من عرب وأكراد هي التي تطرد قوات «داعش» من الموصل ثاني أكبر مدن البلاد. ونحن نعتمد بكثافة على العراقيين، الذين يعرضون حياتهم وحياة أسرهم للخطر كي يعملوا معنا، وهذا ما تثبته جهود ماتيس للحصول على استثناءات في الهجرة للعراقيين الذين عملوا إلى جانب القوات الأميركية. ومثل هذا الانخراط إلى جانبنا أودى بحياة كثير من العراقيين. والإيحاء بأننا قد نحتاج إليهم أثناء عملنا في العراق، ولكننا نعتبرهم تهديداً أمنياً في الولايات المتحدة، سيكون له تأثير عكسي على الفور. وشعور عدم الثقة هذا لن يقتصر على أولئك العراقيين الذين يريدون الإقامة في الولايات المتحدة أو الحصول على الجنسية الأميركية فحسب، بل سيؤثر سلباً على علاقاتنا مع كل العراقيين. وهذا التأثير لن يقتصر على أرض المعركة. فنحن لا نعرف حتى الآن مقترحات البنتاجون للتصدي لـ«داعش» على أي حال. ولكن مع الأخذ في الاعتبار خبرة ماتيس ومهارته فإنني واثقة من أنه سيقر بأن أميركا إذا أرادت القضاء على «داعش»، فإنه يتعين عليها ألا تقتصر جهودها على المجال العسكري. والماضي القريب يخبرنا بأن العمل لإعادة إعمار المدن التي دمرها القتال، وإعادة الحيوية لاقتصاد راكد، وإصلاح نظم الحكم، هو العماد الأساسي الذي يحول دون الانزلاق إلى جولة أخرى من التطرف الذي يهدد العراق والمنطقة والولايات المتحدة وحلفاءها. وحتى قبل أن يتولى ترامب المنصب كان العراقيون قلقين من ألا تكون للولايات المتحدة قوة مقيمة لمساعدتهم في التعامل مع تحديات ما بعد الحرب. فقد انسحبت القوات الأميركية تماماً من العراق في عام 2011 على رغم ضعف المؤسسات الجديدة للبلاد حينها والتهديدات الأمنية القائمة. وقد ركزت إدارة أوباما في سياستها بشدة على القتال العسكري ضد «داعش» إلى درجة أن العراقيين من جميع الخلفيات شعروا بالقلق من احتمال انتهاء الاهتمام الأميركي ببلادهم بمجرد اقتلاع «داعش» من الموصل. وعلى رغم هذه المخاوف يستطيع العراقيون أيضاً التذكير باتفاق يعرف رسمياً باسم «اتفاق إطار العمل الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية العراق»، الذي وقع عليه مسؤولون أميركيون وعراقيون في عام 2008. واتفاق «إطار العمل الاستراتيجي» هذا يعتبر وثيقة محورية في العراق على رغم أن معظم الأميركيين لا يعرفونه. فقد أرسلني الرئيس جورج بوش الابن إلى العراق، في عام 2007، في الأيام الأولى لما أُطلق عليه «تعزيز القوات»، كي أدشن مناقشات هادئة مع مسؤولين عراقيين بشأن العلاقات الأميركية- العراقية المحتملة على المدى الطويل. وعلى رغم محورية البنود القانونية في هذه المناقشات بشأن الوجود العسكري الأميركي على المدى الطويل، وهو ما عُرف باسم «اتفاق وضع القوات»، فقد اهتم العراقيون أيضاً بشكل العلاقات غير العسكرية وكيفية تطويرها. وحين أصبحت المحادثات المبكرة صعبة ومعقدة نصحني مسؤول بارز في واشنطن بحذف فكرة «إطار العمل الاستراتيجي»، ولكن العراقيين اعترضوا تماماً. وأصبح «اتفاق إطار العمل الاستراتيجي» عنصراً محورياً في «اتفاق وضع القوات»، ووافق البرلمان العراقي على الاتفاقين في نوفمبر عام 2008. وانتهى بنا الحال إلى وثيقة من ثماني صفحات ترسم رؤية عامة وتضع تفاصيل العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة. وتناقش الوثيقة بالتفصيل التعاون في مجالات السياسة والدبلوماسية والثقافة والاقتصاد والصحة والطاقة والبيئة والقضاء وغيرها. والجزء المتعلق بالتعاون الثقافي يؤكد أن «الروابط بين المواطنين من الجانبين، التي يشكلها التبادل الثقافي والروابط العلمية واكتشاف الميراث الأركيولوجي المشترك بينهما، سيشكل روابط قوية طويلة الأمد من الصداقة والاحترام المتبادل». والوثيقة تلزم أميركا تحديداً بأن «تعزز وتيسر معالجة طلبات التأشيرة للولايات المتحدة وفقاً للقوانين والإجراءات الأميركية، وأن تعزز مشاركة العراقيين الأفراد أصحاب الكفاءات في الأنشطة العلمية والتعليمية والثقافية». وهذا مجرد بند من أكثر من 40 بنداً. صحيح أن التعاون الأميركي العراقي غير العسكري أقل مما كان متوقعاً، ولكن الحكومتين العراقية والأميركية عملتا على الوفاء ببنود الاتفاق واعتمدتا عليه كإطار عمل للتعاون. وقد أشار ستيوارت جونز السفير الأميركي في بغداد، في الوقت الذي أعيدت فيه القوات الأميركية سريعاً إلى العراق في عام 2014 للمساعدة في قتال «داعش»، إلى «إطار العمل الاستراتيجي» لتخفيف المخاوف بشأن الأساس القانوني لوجود القوات الأميركية في العراق، مع الأخذ في الاعتبار انتهاء العمل باتفاق وضع القوات في عام 2011. وصرح جونز بأن: «لدينا الضمانات التي نحتاجها من حكومة العراق بشأن الامتيازات والحصانة... وهذا على أساس اتصالاتنا الرسمية المكتوبة بين حكومتينا وعلى أساس اتفاق إطار العمل الاستراتيجي الذي يمثل الأساس القانوني للشراكة بيننا». وفي الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أنه يشكل لجنة عراقية جديدة رفيعة المستوى للتركيز على تنفيذ الاتفاق. وأشارت تقارير إلى أنه كان يأمل أن تكون إدارة ترامب أكثر حماساً لتحقيق تعاون أكبر مع العراقيين أكثر من الإدارة السابقة. ولكن هذه الآمال عصف بها سريعاً قرار ترامب التنفيذي. والحظر الجديد لا يعرض الوضع القانوني للقوات الأميركية في العراق للخطر، ولكنه يبعث برسالة للعراقيين مفادها أن واشنطن لم تعد مهتمة على وجه الخصوص بعلاقة واسعة النطاق وطويلة الأمد مع العراق. وبعض الأميركيين قد يقولون إن هذه الرسالة تعكس ببساطة واقعاً جديداً، وإن تكن رسالة قاسية، على كل حال، ولكن عليهم إعادة النظر، فحتى لو نحّينا جانباً المسائل العاطفية أو الأدبية، لا يمكننا أن نتوقع إلحاق الهزيمة بـ«داعش» أو أي جماعة متطرفة أخرى في الشرق الأوسط، ما لم يكن لدينا شركاء حقيقيون هناك. ولا يمكننا توقع كسب ود هؤلاء الشركاء أو المحافظة على هذا الود قوياً حين نوحي بأننا لا نلتزم باتفاقاتنا إلا حين تكون مريحة لنا. ومن ثمّ فعلينا ألا نتوقع التعاون حين نقول لزعمائهم وشعبهم إننا نحتاجهم للقتال والموت في العراق، ولكنهم ليسوا محل ترحيب إذا أرادوا زيارتنا في أميركا. * أستاذة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©