الأربعاء 29 مارس 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدولار الأسترالي... وطفرة الارتفاع المعاكس

29 أكتوبر 2010 21:48
هل يعتبر اللحاق بأميركا أمراً سيئاً؟ في حال رجل الأعمال "نك هورتل" الجواب هو بالتأكيد نعم، فبعدما كان قادراً إلى وقت قريب على تسيير رحلات سياحية للزوار الأميركيين للاستمتاع بما تقدمه مدينة سيدني الأسترالية، من مباهج عديدة للسائح، أصبح ذلك صعباً اليوم بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأسترالي وتساويه مع نظيره الأميركي، ولذا يعتقد "هورتل" أن الأيام المقبلة ستكون أصعب بالنسبة لقطاع السياحة الذي يعمل فيه. فمع تراجع القوة الشرائية للأميركيين من غير المرجح أن يستمر السياح الأميركيون في الإنفاق السخي على جولاتهم التي كانوا يقومون بها في السواحل الأسترالية، فيما يفضل السياح الأستراليون، من جهتهم، استغلال عملتهم المرتفعة وقضاء إجازاتهم في الخارج. والمفارقة التي تلفت الانتباه هنا أن مصاعب القطاع السياحي بالإضافة إلى قطاعات الأخرى هي في الحقيقة نتاج الأداء الجيد للاقتصاد الأسترالي الذي حقق نجاحاً تحسده عليه العديد من دول العالم المتقدم، تلك الدول التي ما زالت تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية. فبفضل الاحتياطيات الهائلة للموارد الطبيعية التي تزخر بها أستراليا -وهي الموارد نفسها التي لا تكف دول العالم عن استهلاكها بشهية مفتوحة، مثل الصين- استطاعت أستراليا الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية دون تأثر يذكر، بل إنها كانت البلد المتقدم الوحيد الذي تفادى الانزلاق أساساً إلى الأزمة. ولكن من جهة أخرى عزز النمو القوي للاقتصاد قيمة الدولار الأسترالي الذي لم يكن يتجاوز خلال أزمة ألمت بالاقتصاد في عام 2001 قيمة 50 سنتاً أميركيّاً ليصل اليوم إلى مستويات غير مسبوقة، بل إن الدولار الأسترالي تفوق قبل أسبوعين تقريباً على نظيره الأميركي في سعر الصرف، قبل أن ينزل قليلاً ليتساوى معه في القيمة، وهو ما دفع المعلقين في التلفزيون إلى الإعلان بأن أستراليا تعيش "مرحلة المساواة مع الدولار الأميركي". ولكن ليس جميع الأستراليين فرحين لهذا الارتفاع الكبير في سعر دولارهم، فوسط توقعات باستمرار ارتفاع الدولار الأسترالي على وقع الأداء الجيد للاقتصاد يتخوف المصنعون والمزارعون والإداريون في الجامعات ومسيرو الرحلات السياحية من تبعات ذلك على قطاعاتهم التي تقدم خدماتها للأجانب، أو توجه منتجاتها للتصدير. وهذا الواقع الجديد رفع من سعر الصادرات الأسترالية في الأسواق الدولية وجعلها أقل تنافسية مع نظيراتها، كما أن الجامعات الأسترالية التي كانت تجذب الطلاب الأجانب، لمستواها الأكاديمي المتميز وتدريسها باللغة الإنجليزية، باتت صعبة المنال بسبب ارتفاع قيمة الرسوم، ما جعل المشرفين عليها يتوجسون من خسارة سباق التنافس لصالح الجامعات الغربية الأخرى التي تقدم تعليماً جيداً بسعر أرخص. هذا بالإضافة إلى قطاع المتاحف والمطاعم والمتنزهات الكبرى والمطارات والشركات المختلفة التي تقدم خدمات سياحية مثل الغوص وغيرها التي تُعد نفسها لتراجع إيراداتها بسبب تقلص أعداد السياح الأجانب. وفيما يشعر الأستراليون عموماً بالارتياح من الأداء الجيد للاقتصاد على الساحة الدولية، إلا أنهم أيضاً قلقون من الاعتماد المتزايد لبلدهم على قطاع واحد هو الثروة المعدنية، فمع أن الاحتياطيات الكبرى من الحديد والفحم وباقي المعادن النفيسة التي تضمها الأراضي الأسترالية في باطنها كانت على الدوام قاطرة النمو الأسترالي، إلا أن تزايد الطلب العالمي على تلك السلع، لاسيما في العالم النامي غذى "أكبر الاستثمارات التي يشهدها قطاع المعادن في أستراليا منذ الانتعاش الكبير الذي عاشه القطاع في 1850" حسب إفادة وزير المالية الأسترالي "واين سوان" في خطاب ألقاه بسوق الأسهم بنيويورك. وهذا التركيز على قطاع المناجم يصرف الانتباه عن قطاعات أخرى مهمة في الاقتصاد الأسترالي، فضلاً عن اجتذابه للعمالة الماهرة، ليؤدي في النهاية إلى رفع الأجور وخلق نقص في المهارات التي تحتاجها قطاعات أخرى من الاقتصاد. وعن هذه المخاوف قال "هيثر ريداوت"، وهو مدير مجموعة من الشركات المتخصصة في القطاع الصناعي: "في لحظة من اللحظات علينا أن نطرح سؤالا مهمّاً: ماذا نجني من هذا الانتعاش الكبير في القطاع المنجمي؟ وما هي التكلفة؟ لقد مررنا في السابق بتجربة كان يُنظر فيها إلى أستراليا على أنها مجرد منجم للحفر والتنقيب، ولا نريد أن نعود إلى ذلك مجدداً". وفي هذا السياق أيضاً حذرت رئيسة الوزراء "جوليا جيلارد" من أن أستراليا تواجه خطر التحول إلى "اقتصاد مرقع... حيث بعض مناطق البلاد تعيش الازدهار فيما البعض الآخر يتراجع بسبب نقص في العمالة الماهرة". ولمعالجة هذا الوضع تسعى حكومتها العمالية إلى فرض ضرائب أعلى على الحديد والفحم، وهو مقترح مثير للجدل يهدف، على حد قول وزير المالية، إلى "ضمان حصول الأستراليين جميعاً على حصة عادلة من الثروة المعدنية". ولمساعدة الاقتصاد على تنويع مصادر الدخل تعمل الحكومة على خفض الضرائب على الشركات والاستثمار في البنية التحتية، ولكن على رغم هذه الإجراءات مازال العمال في القطاعات غير المنجمية متخوفين من تداعيات ارتفاع الدولار الأسترالي على نشاطهم الاقتصادي، ومن بينهم المزارعون الذين كانوا ينتظرون موسم حصاد جيداً يعوضهم عن فترة الجفاف الطويلة ليصطدموا الآن بسعر صرف الدولار الأسترالي الذي لا يساعد صادراتهم الزراعية على المنافسة في الساحة العالمية. هينري تشو - سيدني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©