الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة المقاهي والاختناق المروري

مدينة المقاهي والاختناق المروري
27 أكتوبر 2010 20:58
رغم كثرة الدراسات عن القاهرة فإن فترة القرن السادس عشر لم يتم دراستها بتأن، ولم يتم تناول حال المدينة عقب دخول العثمانيين مصر، وهذا ما تناولته د.هدى جابر في دراستها “البشر والحجر” وكانت في الاصل رسالة لنيل الدكتوراه من جامعة الازهر عام 2006، اعتمدت فيها على وثائق المحاكم الشرعية والفرمانات العثمانية وكتب الرحالة فضلا عن الدراسات الاخرى. وترصد د.هدى وجود عدة دراسات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة حول اوضاع مصر في القرن السادس عشر، تتناول النظم الادارية والقضاء والامور المالية والعسكرية بصفة عامة، لكن لم تتناول أي منها القاهرة. صحيح ان المدينة فقدت قدرا من اهميتها مع العصر العثماني حيث كانت في زمن المماليك واحدة من اكبر واهم المدن في العالم حتى قدر البعض ان عدد سكانها بلغ حوالي 3 ملايين نسمة، وبعد الغزو العثماني لم تعد عاصمة للسلطنة المملوكية، فقد تهاوت تلك السلطنة لكنها كانت المدينة الثانية في الامبراطورية العثمانية بعد استانبول. وتثبت الخرائط حدوث توسع عمراني في المدينة تأسيسا على قاعدة “من أحيا أرضا ميتة فهي له” خلال تلك الفترة حيث تم تعمير الأماكن الخربة، وكان هناك تشجيع على ذلك بوعد ان من يعمر مكانا يصير ملكا له، لذا ازدحمت المباني، واتسعت المنشآت خارج أسوار القاهرة، وكان التوسع في شمال المدينة اكثر كما كانت هناك حركة ترميم وصيانة واسعة للمنشآت التي تعود الى عصور سابقة، لكن بتتبع هذه المنشآت تبين ارتفاع عدد الزوايا والتكايا والكتاتيب وانخفاض حاد في نسبة المدارس، وربما يرجع ذلك الى اهتمام الدولة العثمانية بتشجيع التصوف والصوفية، وتمثل ذلك في ازدياد الاوقاف للمنشآت الصوفية وإعفاء أراضيها من الضرائب، وتوافق ذلك مع رغبة كثير من الناس في الانخراط بالطرق الصوفية هربا من قسوة الحياة وشظف العيش. انتشار المقاهي والملاحظ ان معظم الزوايا والتكايا تركزت بصفة أساسية في المنطقتين الشمالية والجنوبية، لان هذه المناطق تمثل محورا للاتصال بين القاهرة وكافة انحاء مصر، من مختلف المحافظات فضلا عن ان انفتاح مصر على الولايات العثمانية الاخرى، خاصة المجاورة لها، مما يضمن للمتصوفة ان يستمع الى افكارهم ويراهم مختلف القادمين الى مصر من خارجها. وبمتابعة اسماء المتصوفة في تلك التكايا تبين انهم ينتمون الى الصعيد وبعض مدن الدلتا، فضلا عن بعض المتصوفة من بلاد المغرب العربي، وبعضهم من “البلاد الاعجمية” اي ليست عربية، بعضها فارسي وبعضها تركي “رومي”. وهناك نوع من المنشآت ظهر في القاهرة بداية القرن السادس عشر هو المقاهي. واشتهرت القاهرة بمقاهيها ويعود ذلك الى انتشار استعمال البن واستهلاكه وفي فترة سابقة كان البن من المحرمات، وكان المقهى يتكون من مكان لاعداد القهوة ومصاطب داخل المقهى وخارجه يجلس عليها رواد المقهى، ويبدو ان المقاهي كانت تجد اقبالا من الجمهور وتدر ربحا على اصحابها، ذلك ان هناك عددا من المنشآت الاخرى تحولت الى مقاه مثل بعض الطواحين والافران والزرائب، حتى الخرائب صارت مقاهي، وبين عام 1517 حين دخل سليم الاول القاهرة وحتى عام 1600 تم بناء 51 مقهى بما يساوي 45.5 في المئة من حجم المنشآت بالمدينة كلها، وتم وضع اسماء على المقاهي في تلك الفترة مثل قهوة “قرمز” في بين القصرين و”الشيخ مايا” في الدرب الاحمر و”الشوام” بالغورية وغيرها، وكان يبلغ ايجار المقهى 106 انصاف والنصف هو العملة السائدة وقتها، ولندرك قيمة هذا المبلغ فإن ايجار المنزل من بابه كان حوالي ثلث هذا المبلغ 36.25 نصف، والحانوت 13.5 نصف والوكالات 238.5 نصف. وفي القرن السادس عشر نجد قلة الاقبال على بناء المدارس، وهذا يعكس عدم اهتمام بالتعليم، والقاهرة المملوكية كان بها مئة مدرسة وكانت هناك اوقاف ضخمة خاصة بها للانفاق عليها وترميمها ولكن في القرن السادس عشر بنيت 51 منشأة جديدة من الزوايا والتكايا 30 و21 مسجدا وعشرة أسبلة و11 حماما عاما و12 وكالة، بينما بنيت 7 مدارس فقط تركزت في المنطقة الشمالية 4 مدارس، والغربية مدرستان، والاخيرة في بولاق، بينما القاهرة الفاطمية لم يتم بناء اي مدرسة بها ولا في مصر القديمة، فضلا عن شرق المدينة وجنوبها وتحتاج هذه القضية لمزيد من البحث والاستقصاء لمعرفة اسبابها، غير ان النتيجة النهائية رأيناها حين غزا نابليون مصر فقد كان التعليم شبه منحدر بها. زحمة “مواصلات” واذا كانت القاهرة تشهد اختناقات مرورية الآن، فقد كانت كذلك في القرن السادس عشر، كانت الحيوانات هي وسيلة المواصلات آنذاك، الحمير والبغال والجمال، وكانت الحمير هي السائدة وكان الحمار يحمل راكبين أو ثلاثة، وبسبب الزحام كان يحدث كثيرا ان تعتدي الحيوانات على المارة، لذا اتخذت السلطات الادارية عدة اجراءات منها منع التعدي على الطريق بالبناء وخلافه، وعدم التجمهر في الطرق أو الوقوف بها، ومنع الباعة الجائلين من التمركز بالطرقات، وقد تعرض بعض المكارية، خاصة اصحاب الجمال لعديد من المضايقات مثل ان تؤخذ جمالهم لأداء بعض المنافع العامة للدولة، ولذا كثيرا ما كانوا يهربون بحيواناتهم فيتكدس الجمهور، وصدرت العديد من المنشورات تطالبهم بالظهور وتعد بتأمينهم وعدم مضايقتهم. كانت الحمير تستعمل للعوام، اما البغال فكانت للخواص والخيول كذلك، وقليل من الجمال كان يستعمل للركوب لكن معظمها كان يستغل لنقل المياه وحملها الى مختلف مناطق القاهرة حيث يمر السقاؤون بها على المنازل ويقدر بعض الرحالة ان القاهرة كان بها 18 الف جمل وقتها تستعمل للسقاية. ومن الخدمات العامة كانت هناك البيمارستانات للعلاج وبالرجوع الى الوثائق يثبت كذب ما ادعاه بعض الرحالة من ان الطب في مصر وقتها كان حكرا على اليهود فقط لكن كان هناك اطباء مسلمون في مختلف التخصصات وتثبت الوثائق وقوع بعض حالات الفساد في عدد من البيمارستانات فقد تبين ان مدير احدها كان يقوم بالسطو على نصف اغذية المرضى ويبيع اغطيتهم وكان يطرد المرضى احيانا بلا شفاء ليستولي على الادوية والاغذية، ولجأ المرضى الى القاضي الشرعي، وعزله وكان العلاج مجانيا غالبا حيث كانت هناك اوقاف كثيرة مخصصة لدور العلاج والمرضى. وانتظم اصحاب المهن والحرف في طوائف لكل منها شيخ يعمل على التزام ابناء الطائفة بالاخلاق العامة والسلوك الصحيح
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©