30 يوليو 2011 21:20
كادت صادرات الهند من البضائع أن تبلغ ضعف صادراتها من الخدمات بنمو قدره 37,5% إلى 245,9 مليار دولار خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في مارس الماضي. وفي مقدمة هذه السلع منتجات بالغة القيمة مثل الماكينات الصناعية والسيارات وقطع الغيار والمنتجات النفطية المكررة. وشهدت الهند في الآونة الأخيرة طفرة في صادرات المنتجات الهندسية والسلع المتطورة، بعد أن كانت البلاد تعتمد في صادراتها على الخدمات المهنية الماهرة مثل تعهيد البرمجيات.
وتسلك صادرات الهند الآن طريقاً مغايراً عن ذلك الذي تسير عليه الدول الآسيوية الأخرى، مثل كوريا واليابان والصين. وبدأت هذه الدول بتصدير منتجات مثل الملابس ولعب الأطفال التي يقوم بصنعها عدد كبير من العمال ذوي الدخول المتدنية قبل تحولهم إلى منتجات أكثر تطوراً مثل السيارات والآليات الصناعية.
اختصرت الهند ولحد كبير الخطوة الأولى واتجهت مباشرة نحو إنتاج الأصناف ذات رأس المال المكثف التي تتطلب عمالا مهرة، لكن ليس -بالضرورة- عدداً كبيرا منهم. وبدلاً من تبني نموذج صادرات البلدان النامية التقليدي، أخذت الهند على عاتقها تحقيق شيء شبيه بمزيج الصناعات الألمانية المخصصة للأسواق العالمية حتى وإن كان عليها قطع طريق طويلة قبل الوصول إلى صادرات ألمانيا البالغة 1,3 تريليون دولار في السنة.
وانتشرت مراكز التصدير الصناعية التي أخذت تنمو في مناطق مختلفة من الهند خلال العقد الماضي، بعضها بمساعدة من الحكومة. وفي مدينة بونا التي تبعد 100 ميل شرق مومباي، نشأ مركز للصناعات الهندسية والسيارات يقوم بتصدير منتجاته إلى الأسواق الأميركية والأوروبية. وأصبحت مدينة شيناي في الشمال بمثابة ديترويت الهندية، حيث تعمل المصانع الصغيرة لصناعة السيارات على تصدير موديلات مثل “فورد” و”نيسان” و”هيونداي” إلى أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وتضم ولاية جوجارات في الغرب عدداً من محطات تكرير النفط الكبيرة التي تعمل في تكرير النفط المستورد ومعالجته للحصول على منتجات مختلفة مثل وقود الطائرات والديزل لبيعها في بلدان آسيوية أخرى، وذلك على الرغم من أن حاجة الهند لاستيراد خام النفط للاستهلاك المحلي، احد أسباب العجز التجاري الذي بلغ نحو 104,8 مليار دولار في السنة المالية السابقة.
وفي غضون ذلك، تشكل الصادرات التقليدية من منسوجات ومنتجات زراعية نحو 20% من السلع التي تقوم الهند بتصديرها إلى العالم الخارجي. وتصدر الهند الآن ملبوسات أقل من جارتها بنجلاديش، التي يبلغ عدد سكانها 1 إلى 8 من سكان الهند، واقتصادها 1 إلى 15.
ويقول روحيني مالكاني، المحلل في بنك “سيتي جروب”: “لقد تركت الهند الاعتماد على المنسوجات في صادراتها، حيث تصدر الآن المنتجات الكيماوية والهندسية وكذلك الأدوية”. وهذه مزايا ولّدتها الضرورة بعدد من الطرق المختلفة، حيث لم يشجع قطاع المواصلات الفقير وبنية الكهرباء التحتية الضعيفة وقوانين العمالة المقيدة، الشركات على إقامة مصانع تتطلب أعداداً كبيرة من العمال مثل تلك التي تشتهر بها الصين. وبدلاً عن ذلك، تخصصت العديد من شركات التصدير الهندية في السلع والخدمات ذات القيمة العالية التي تتطلب عدداً قليلاً من العمال لكن بخبرة أكثر.
ويعود تاريخ ازدهار هذه المراكز الصناعية في الهند إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، عندما أرغمت الأزمة المالية صانعي القرار الهنود على التنصل من السياسات الاشتراكية التي عملت على تنظيم الإنتاج الصناعي بدقة واستبعاد المنافسة الخارجية. وحثت هذه التغييرات الشركات على إنشاء المصانع من منطلق الطلب والسماح للأجانب بالاستثمار في الهند، مما عرّض الشركات المحلية لمنافسة أكبر.
ويقول إسوار براساد الأستاذ في “جامعة كورنيل” في نيويورك “بدأت الهند تضع أقدامها في مواضعها الصحيحة فيما يخص إنتاجية القطاع الصناعي. وجوهرياً، تملك الهند قاعدة إنتاجية قوية، لكن وبالنظر إلى القاعدة الضعيفة التي انطلقت منها، ليس مستغرباً الأداء القوي الذي تحققه الآن”.
والهند لم تحقق ما تصبو إليه بعد. ويتوقع بعض الاقتصاديين نمو اقتصاد البلاد بنحو 7,5% العام الحالي إلى 1,6 تريليون دولار. ومثل هذا النمو من شأنه أن يهز العديد من الدول الأخرى على الرغم من أنه أقل من نمو العام السابق عند 8,5%، ودون 10%، معدل النمو الذي ذكر العديد من الاقتصاديين أن بإمكان الهند تحقيقه في حالة زيادة استثماراتها في البنية التحتية وتخفيف القبضة التي تحكمها على عدد من القطاعات الاقتصادية.
وبطء النمو هو واحد من أكثر الأسباب التي جعلت انتعاش الصادرات الصناعية من النقاط المشرقة في اقتصاد الهند. ومن المتوقع زيادة مبيعات شركة “بيرسيشن أوتوميشن آند روبتيكس” الهندية لصناعة الروبوتات بنسبة قدرها 20% إلى 67 مليون دولار. وتقل منتجات هذه الشركة في تكلفتها بنحو 10 إلى 50% مقارنة بالشركات الغربية.
وواجهت الشركة صعوبات في بداية مشوارها، حيث لم يرغب الكثير من رجال الأعمال الهنود في الاستثمار في الروبوتات نسبة لرخص الأيدي العاملة في الهند. لكن وبتوسع حجم الاقتصاد العالمي، وجدت الهند نفسها مرغمة على تجويد منتجاتها لمقابلة الطلب المتزايد ولمنافسة الشركات الأجنبية. ويقول المحللون إن أداء بعض شركات التصدير مثل “بيرسيشن أوتوميشن آند روبتيكس”، كان رائعاً في التصدي للتحديات التي تواجهها. لكن ولتصبح الهند مركزاً عالمياً للتصدير مثل الصين التي بلغت صادراتها 1,58 تريليون دولار في العام الماضي، ينبغي على صانعي القرار تحسين البنية التحتية بصورة كبيرة، وجعل قوانين العمل أكثر مرونة بالإضافة إلى تحسين التعليم الأساسي.
وذكرت هذه الشركة أن من أكبر التحديات التي تواجهها العثور وتدريب والإبقاء على المهندسين الأكفاء. وتقوم الشركة بإخضاع أي مهندس ينتسب إليها لبرنامج تدريب يستمر لمدة عام مدفوع الأجر، حيث تبلغ تكلفة المهندس الواحد نحو 22,200 دولار. وتمثل البنية التحتية تحد آخر للشركة التي تحصل على التيار الكهربائي لنصف اليوم لتكمل البقية بمولدات الديزل. ومع ذلك، طرأ تحسن ملحوظ على الطرق والتصديقات التنظيمية، حيث كان يستغرق الحصول على تصديق ضريبي وجمركي لشحنة صادر أسبوع كامل الذي انخفض إلى يومين فقط الآن.
نقلاً عن “إنترناشونال هيرالد تريبيون”
ترجمة: حسونة الطيب