الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محتشدون بالمعنى مغمورون بالانتماء.. كيف يكتبون الوطن؟

محتشدون بالمعنى مغمورون بالانتماء.. كيف يكتبون الوطن؟
28 نوفمبر 2019 03:29

أشرف جمعة

بين جدران الوطن الدافئة تنمو زهور الحب، وتثب الخطوات تحت ظلاله حالمة، وفي الإمارات ثمة نسائم كثيرة تتبعك أينما كنت، ثمة عطر يتضوع في كل الجهات، وطيور وأشجار ووجوه تقنعك بأحلامها، وأنت آمن في سربك فتتسلل إلى قلبك الطمأنينة، وتدرك أن للوطن ألف معنى في روح كل مثقف ينظر إليه وهو مأخوذ بأشرعته المحلقة، ونجومه التي لا تكف عن اللمعان، وأمكنته التي تضج بالأضواء، وحين يطل الليل تكتسي البنايات الشاهقة بأطياف النور، وتزدهي الشوارع بالتفاصيل التي تشدك من سكونك لتلاغيها في صمت وأنت تخاطب الجمال، هكذا الإمارات تبهر الأدباء والفنانين والمثقفين الذين يبحثون عن فضاء يملأ الروح بالخيال والظلال، فكيف يرى كل هؤلاء الوطن؟ وكيف يسكنونه ويسكنهم وهم محتشدون جميعاً بالمعنى الذي لا يغيب؟ المعنى الذي يستفزهم وهم يبتسمون للندى والحياة التي تتدفق في شرايينهم أنهار حب وعطر وموسيقى، وغناء وفرح يدوم في كل وقت.
يحمل الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم أطياف الوطن في قلبه كلما ارتحل وغاب في ظلال بلاد أخرى، فتتجلى المعاني الصداحة في قلبه، فيستسلم للكتابة حنيناً إليه، وشغفاً بأمكنته، وجرياً للحاق بذكرى سكنته في زواياه، مشيراً إلى أنه يتضوع بعطر الوطن كلما طاف ببصره في فضائه الرحب، وكلم طيوره الواقفة على الأشجار، وحين يغلبه النعاس يحلم ببساتينه وأغصانه وفراشاته، فهو مثل كل هؤلاء الذين احتضنهم الوطن ورأى من نوافذه الضياء الذي غمر كل شيء، فهو، على حد قوله، يتغذى برحيق الوطن في كل معنى يتراءى له، وينسجه بحروفه ويضمه في آخر الليل حلماً لا يغيب عن الروح، وعندما يعود بعد رحلة طويلة يرى الوطن بحلم جديد، فتتألق خطواته على رماله وهو ينشد صحاريه ويجوس ديار واحاته، ويذوب في أحضان البر، ويغوص في أبهاء البحر وحكاياته القديمة.

البلد الطيب
ويفتش دائماً الشاعر أحمد العسم في ذاكرته عن معان كثيرة يرددها قلبه، معان تعلق بها منذ أن تفتحت عيناه على قمم تروض في قلبه الحنين، وتسكنه في المنازل التي يردد في زواياها أناشيده المسكونة بملامح الوطن، مبيناً أنه حين قال: «فوق بيتنا علم» في إحدى قصائده كان يشعر بأنه يردد أجمل العبارات التي تغويه بمحبة الوطن، ورائحة ترابه في البلد الطيب الذي لا يفارقه الربيع، لافتاً إلى أن الوطن في وجدان كل أديب حكايات من البهجة تُروى على مر الزمن، وخيطاً من النور، وبشارة ساقها الأجداد إلى الأجيال اللاحقة التي تشبعت بالمعاني الخفية لقيمة الوطن في حدائقه وأسواره، وذرات رماله، وأنه ينظر إلى الإمارات المحلقة بأجنحة السعادة نظرة حب أبدية، فتكتسي ملامحه بعطر المعنى وهو ينشد خارج السرب، ويغرد كطائر يحفظ عن ظهر قلب تفاصيل الأحلام الأولى، وكيف جرى به الزمن ليرى أفواج النور تسكن كل الزوايا فتزداد روحه بالمحبة وتزدان بعطر المكان.
وأينما ولى الإعلامي عارف عمر وجهه فسماوات الوطن تلاحقه فتتلمس روحة السكينة، ويقفز إلى غده وهو في حاجة إلى استحضار معاني الوطن في قلبه، ليرى الحياة من زاويته المضيئة، مشيراً إلى أنه يرى الكمال في وطنه الذي بصورته الحالية يطل من نافذة الفخر، فالوطن يمنحه الحياة، ويصعد به وبكل صوت وظل إلى القمم، ويذكر عارف أن الحياة بزخمها في الإمارات تجعل كل محب للجمال يتخيل المعاني التي يخاطب بها الوطن، ويتأمل بها وثوبه إلى المستقبل، وأنه من جهته يحلم بالمعنى ويصوغه بروحه فتتكاثر الكلمات على أصابعه، وتزدحم تحية للوطن وسكانه، فهو يتحسس عطر المعنى في كل زواياه وهو مطمئن للنماء الذي يورق في قلبه، وللحب الذي يكبر في فؤاده.

محبة وجمال
ولا يخفي الدكتور شهاب غانم أنه عاش تفاصيل كثيرة وهو يصوغ كل معنى للوطن في ديوانه «يا إمارات» الذي يجسد مسيرته في الكتابة الوطنية، وكيف فاضت حروفه نغماً ورافق المعنى في كل قصيدة تحركت في خياله بأطيافها وجموحها، وهي تنشد الحرية على ضفاف الوطن، مشيراً إلى أن هذه القصائد التي جمعها في هذا السفر في لحظة توافقت فيها الروح على ضرورة أن يصدر بهيئته وحمولته كتجربة خاصة، جعلته يقف أمام السنوات التي مضت لكي يعود إلى المعاني التي استقرت في ضميره أغنيات من المحبة، ودفقات تمتلئ برغبة الحضور وهي تسافر إلى أفق الوطن وسمائه، وتجاري لحظة صعوده للأعالي وهو يفتح نوافذه للغرباء من كل جنس ولون في محبة وجمال، موضحاً أنه يعتز بهذه الكلمات التي نثرها على رمال الوطن، مجسداً فيها المعنى وتشكيلاته التي خايلت روحه، متذكراً الأمكنة التي ضمت تلك الصفحات التي خطها وهو ينظر إلى ما وصل إليه الوطن، وما تحقق من إنجازات غدت في الحاضر قصصاً تتناقلها الألسنة في بهجة وغناء.
وتقول الشاعرة شيخة المطيري التي مثلت صوت الأنثى العربية في مسابقة «أمير الشعراء» في دورتها الماضية، إن حب الوطن والتعاطي معه مسألة تمارس بشكل فطري، منذ انتمائنا الأول لتبر الأرض، ووميض السماء، منذ النخلة الأولى التي نتنفس رطبها، منذ عطاء البحر، حكايات الأجداد، سرد الأيام التي تحمل تاريخ المكان، كل هذه المعطيات يشترك فيها الجميع على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، وعلى اختلاف لغاتهم في التعبير، وإذا أتينا للمثقف وتحديداً في هذا الوقت، فإن الوطن تتجلى مكانته بطرق عدة، المثقف في كل أفعاله وأقواله مسؤول مسؤولية مضاعفة عن المواطن العادي، هذا المثقف هو صوت وصورة عن الوطن على أرضه أو خارج حدوده، فالمثقف الحقيقي عليه أن يلم بمعلومات ثرية عن وطنه عن تاريخه وجغرافيته، وتفاصيل الحياة الاقتصادية والأدبية والاجتماعية فيه، وأن يعرف مؤسساته وأهم الشخصيات فيه، أي أن يكون دليلاً عن هذا الوطن، قادراً على الإجابة عن كل ما يوجه له من أسئلة عنه، إضافة إلى أن حب الوطن يملأ هذا المثقف وعياً بأهمية تمثيله خير تمثيل، ولذلك يجب على المثقف بداية أن يكون متمثلاً بصفات تليق بالمكانة التي تستحقها الأوطان، وأن يشرفها أينما كان، وفيما يخص هذا الوقت تحديداً فإن المثقف عليه أن يظهر الصورة الحسنة، وأعني هنا وجوده في مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أن عليه الترفع عن كل ما من شأنه أن يهز هذه الصورة، وأن يتخذ سبيل زايد سبيلاً للتواصل والتثاقف.

طوفان الذكرى
ويرى الشاعر عبدالله الهدية أن الوطن هو المحرك لكل عاطفة يحن لها القلب، ومعنى لا يدرك وإن ظل يعدو خلفه المثقف، وهو منتش بفلسفة الجمال، ومتكئ على زخرف بديع من الحروف التي ترصد التفاصيل، وتباغت الخيال، مسترسلة دون قلق من ارتجاف الكلام وهو يطوف حول ما بثه الوطن من جمال في كل النفوس، مبيناً أن معنى الوطن في روح المثقف عميق، ويتخطى المدى وحدود الزمان والمكان، وأن كل تجل في الفكرة إنما يصدر بعد غياب حقيقي في التفاصيل، وأنه مرتبط بوطنه لدرجة أنه كتب قصيدة من 170 بيتاً موزونة ومقفاة، وأنه في كل بيت كان يكتبه يدرك معنى جديداً ويلاحق أصداء روحه وهي تغني للصورة التي تتألق في روحه للوطن، ويذكر أنه حين يفكر في الوطن تتجلى أمامه الأفكار، وتتصاعد المعاني في قلبه فيشعر أنه أمام طوفان من الذكرى لا يستطيع أن يصده، فيكتب وهو مستمتع بالتدفق الذي يهديه عطراً جديداً، ويسلمه إلى يقين بأن معنى الوطن في روح المثقف يتمدد ويكبر ليصور الحقيقة بكل ما فيها من جمال وصدق وإحساس مفعم بالبراءة.
ويقول الشاعر د. طلال الجنيبي: الوطن هو الانتماء الذي يسكن كل تفاصل الإنسان، وكما يقول فيكتور هيجو «وعلّم نفسه أن يستعيض عن أمه المتوفاة بحنان أمه التي لا تموت -الوطن-» وإنني أستحضر في ذاكرتي دائماً نسيم بلادي، فأكتب كما شاءت روحي، وأمضى خلف غيماتها، ناسجاً بردة الكلام دون انتظار لشيء، سوى التفكير في معنى يلائم ما أستشعره من حب وصدق وافتخار واستقرار يلمسه كل من حالفه الحظ في العيش تحت ظلال هذا البلد الآمن الذي احتوى الجميع، مبيناً أن الوطن الذي نحتويه ويحتوينا يغمر المثقف بمعاني الولاء والانتماء، وأن نوافذه المفتوحة على كل جمال أمدت الشاعر بكل أسباب الغناء، وأن كل شدو للوطن هو تشبث بالقيمة التي تسمو بها الروح ويفتخر بها القلب.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©