ذات يوم اصطف 20 رجلاً وسيدة وراء الجرار التي حوت لبناً منزلي الصنع في نادي تران للمتقاعدين في بلغاريا، ينتظرون بفارغ الصبر حكم اللجنة على ما صنعت أيديهم.
ففي منتصف يوليو من كل عام، تحتفل بلدة تران الواقعة عند أسفل جبال البلقان قرب الحدود البلغارية مع صربيا، بفن إعداد اللبن كما تحتفي بالعالم المحلي الذي اكتشف الجرثومة التي تحول الحليب إلى شكله الحمضي الكثيف، وهو غذاء يعتبر جوهرة إرث المطبخ البلغاري.
غير آبهة بالخطابات والرقصات الفلكلورية التي تدور في الساحة الرئيسية للبلدة، تفضل الأستاذة المتقاعدة أوجينيا ديميتروفا ورفاقها التنافس حول أفضل معد للبن، سواء كان لبن ماعز أو غنم أو بقر أو جواميس.
وقالت ديميتروفا، التي حضرت من قرية لومنيكا المجاورة "أحافظ على الطريقة التي اكتسبتها من والدتي لصنع اللبن، والتي اكتسبتها هي من والدتها. لا أنسى قط أن أترك ملء معلقة من اللبن لاستخدامها لتخمير حليب اليوم التالي". وفازت وصفة ديميتروفا الأصلية لصنع اللبن من حليب الماعز بالحبق والصعتر، بالجائزة الأولى في فئتها. والجائزة عبارة عن سلة من منتجات الألبان والأجبان.
وتتباهى بلغاريا في كونها هي من اكتشف اللبن، ومنحت اسمها للجرثومة التي هي تستخدم لتصنيعه: "لاكتوباسيلوس بولغاريكوس" أو الملبنة البلغارية. وشرح ستامن تسفيتكوف الذي فازت عائلته بجائزة أفضل لبن غنم في تران، كيفية إعداد اللبن. فقال "أغلي الحليب لقتل الجراثيم المضرة. عندما يصبح فاتراً، أضف ملء معلقة من اللبن وأحركه وأغلق الجرة ومن ثم أغلفها. خلال ثلاث ساعات يصبح اللبن جاهزاً".
وتعتمد كثافة اللبن على الحيوانات التي درت بالحليب والعشب الذي تتناوله: العشب اليابس يجعل اللبن أكثر كثافة من اللبن المصنوع من حليب الحيوانات التي رعت العشب الأخضر، في حين أن الأغنام والجواميس تعطي حليباً أغنى من الأبقار والماعز، على ما أوضح تسفيتكوف.
وفيما يقوم القرويون عادة ببيع كميات صغيرة من الألبان المصنوعة منزلياً للأصدقاء والجيران، فإن العديد من الأديرة البلغارية بدأت في إنتاج اللبن التقليدي وبيعه. يعد دير زابلينو غرب بلغاريا 750 كيلوجراماً من لبن حليب البقر الشهير أسبوعياً ويبيعه في صوفيا أيضاً.
وقال الأب كليمنت المسؤول عن إنتاج اللبن في الدير "كل من يتذوق اللبن المصنوع يدوياً يعجز عن اعتياد المنتج الصناعي الغني بمواد مكثفة وملونة". وأضاف "اللبن الحقيقي لا يمكن أن يصنع إلا في بلغاريا لأن الجراثيم الضرورية لتخميره (ترويبه) ليست موجودة إلا هنا"، مكرراً بذلك الأسطورة الشعبية.
وكان ستامين غريغوروف وهو طالب طب من منطقة تران، قد اكتشف جرثومة الملبنة البلغارية المستخدمة في صنع اللبن في معرض دراسته العادات الغذائية في جبال رودوب الجنوبية في بلغاريا. وأكدت حفيدة العالم، يوليا غريغوروفا، أن الملبنة البلغارية وجرثومة أخرى تدعى "ستريبتوكوكوس تيرموفيلوس" أو العقدية الحرية ضروريتان لصنع اللبن.
لكن السؤال المتعلق بأول من صنع اللبن وعرف الآخر عليه خلال الحقبة العثمانية لا يزال يثير الجدل بين بلغاريا وتركيا اللتين تستهلكان بكثرة لبن عيران الممزوج بالماء البارد.
والجواب واضح بالنسبة إلى زدرافكو نيكولوف المسؤول عن المختبرات في معهد اللبن في بلغاريا.
فقال "بلغاريا هي موطن اللبن، فهنا فقط تتعايش الملبنة البلغارية والعقدية الحرية في الطبيعة". وأضاف "في سائر أنحاء أوروبا، يتم تعايش هذين الكائنين المجهريين اصطناعياً".
يستهلك البلغاريون 135 ألف طن من اللبن سنوياً ويدخل هذا المنتج في الكثير من الأطباق التقليدية مثل "الطراطور" البارد المؤلف من اللبن والخيار وصلصة "بياض الثلج" المؤلفة من اللبن المجفف والخيار المخلل والثوم والجوز.
عدد اليوم
