الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

كيف تخلصت بريطانيا من الإدمان على الفحم؟

كيف تخلصت بريطانيا من الإدمان على الفحم؟
21 نوفمبر 2019 01:22

حسونة الطيب (أبوظبي)

تعتبر الجهود التي بذلتها المملكة المتحدة، في التحول نحو الطاقة النظيفة، بمثابة الانتصار لمناصري البيئة في حربهم ضد الوقود الأحفوري. وعند ذروة إنتاجها في 2013، كانت محطة أبيرتاو العاملة بالفحم على ساحل جنوب ويلز، تولد كهرباء تكفي لإضاءة 3 ملايين منزل سنوياً. لكن اليوم، وبعد نصف قرن من العمل المتواصل، ساد الهدوء أركان هذه المحطة.
توقفت الأفران عن الحرق والمداخن عن بث الدخان، حيث تحاول المحطة استهلاك ما تبقى لها من فحم قبيل إغلاقها نهائياً، مستهل العام المقبل. ومصير أبيرتاو، هو نذير بما هو آتٍ، حيث تستعد المملكة المتحدة، التي كانت في يوم من الأيام، أكبر مستهلك للفحم في العالم، للتخلص من الإدمان على أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً لكوكب الأرض.
هذه المحطة، واحدة من بين 5 محطات عاملة بالفحم في المملكة المتحدة، بعد أن تم إغلاق محطة كوتام نهاية أكتوبر 2019 في منطقة نوتنجهامشير، بعد 50 سنة من العمل. ومن المنتظر، بقاء 3 محطات فقط في الخدمة عند الصيف المقبل.
ربما يكون العاملون، أكثر المتضررين من عملية إغلاق هذه المحطات، إلا أن المدافعين عن البيئة، هم الذين يكسبون الرهان ضد الكهرباء المولدة بالفحم، الذي ما زال يشكل المصدر الأكبر لتوليد الكهرباء في العالم، خاصة في الدول النامية التي زاد فيها استخدامه في السنة الماضية مثل، الصين والهند.
عند بدء تشغيل أبيرتاو في 1971، كانت محطات التوليد العاملة بالفحم والنفط، تشكل 88% من الكهرباء المتوفرة في سوق المملكة المتحدة. وتراجعت حصة الفحم في العام الماضي، لنحو 5%، بينما بلغت في الفترة بين أبريل إلى يونيو هذا العام، أدنى نسبة لها عند 0.6% فقط، مقارنة مع 30% في 2014، بحسب فايننشيال تايمز.
وربما تعود أسباب هذا التراجع، لإعلان الحكومة في 2015، التخلص من المحطات العاملة بالفحم تماماً في غضون عقد من الزمان. وسجلت بريطانيا في وقت سابق من هذا العام، أول أسبوعين لها دون كهرباء مولدة بالفحم منذ العام 1882. ومنذ العام 2008، قلصت المملكة المتحدة، نسبة الكربون في توليد الكهرباء بأسرع وتيرة، متفوقة على 25 من الاقتصادات الكبيرة بينها، الدنمارك والصين وأميركا، وفقاً لـ«إمبريال كوليدج لندن» ومؤسسة «إي4تيك»، لاستشارات الطاقة.
وأصبح تحولها من دولة للفحم حتى وقت قريب في 1960، حيث كانت القوة العاملة في قطاع الفحم تقدر بنحو 600 ألف، إلى الكهرباء الخالية من الفحم واضحاً، في وقت تعاني فيه العديد من الدول للإيفاء بمعايير اتفاقية باريس 2015 الخاصة بخفض الاحتباس الحراري لدون 2 درجة. ولتحقيق ذلك، ينبغي خفض الانبعاثات الكربونية العالمية، بنحو 3 درجات سنوياً، لكنها لا زالت في ارتفاع مستمر، لتبلغ رقماً قياسياً في السنة الماضية.
وبينما يسعى الاتحاد الأوروبي، لخفض الانبعاثات لنحو الصفر بحلول 2050، التزمت المملكة المتحدة، بسن ذلك قانوناً بحلول هذا الصيف. ما زالت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تعتمد بشدة على الفحم، حيث يشكل مثلاً 80% من توليد الكهرباء في بولندا، في حين شكل أكثر من 33% في ألمانيا في السنة الماضية.
وبالقرب من أبيرتاو، تؤكد محطة دراكس لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي، أن الفحم لم يعد هو الخيار الأفضل لتوليد الكهرباء في بريطانيا. ومنذ الموافقة على بناء محطة الغاز المركزية في 1991، أصبح للغاز الطبيعي، الحصة الأكبر في توليد الكهرباء في المملكة المتحدة، حيث شكل 40% في 2018.
وفي عام 1991، رفع الاتحاد الأوروبي، الحظر عن استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، حيث جاءت الخطوة بعد 12 شهراً من خصخصة بريطانيا لقطاع الكهرباء، ما أسفر عن إنشاء القطاع الخاص لمحطات أقل تكلفة، بالمقارنة مع تلك العاملة بالفحم.
وتؤكد التشريعات الأوروبية والمحلية المتعلقة بمحاربة الانبعاثات الكربونية، عدم الجدوى الاقتصادية لمحطات الفحم، سواء لتشغيلها أو تسييرها. وليس من الممكن في بريطانيا، إنشاء محطة جديدة للفحم دون الحصول على تقنية عالية التكلفة لحجز الكربون وتخزينه.
وفي عام 2013، حدثت نقطة تحول عندما أصبحت المملكة المتحدة، أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقوم بفرض سعر على الشركات بخصوص انبعاثات الكربون، بواقع 18 جنيهاً إسترلينياً للطن الواحد.
وفي العام الماضي، شكلت الطاقة المتجددة مثل الكتلة، نحو 33% من سعة التوليد في المملكة المتحدة، حيث تخطط الحكومة بحلول 2030، لتوليد نحو 30 جيجاواط، أي نحو ثلث كهرباء البلاد، من طاقة الرياح البحرية وحدها.
وعند الفراغ من إنشاء المحطات التي تعمل بالطاقة المتجددة من شمسية ورياح، تصبح تكلفة تسييرها منخفضة للغاية. وعندما تبدأ هذه المحطات في توليد الكهرباء، يكون الطلب الأكبر، وفقاً للمصدر الأكثر كفاءة. ويعني ذلك، أن الفحم الذي يتسم بتكلفة إنتاج هامشية عالية، يجيء في ذيل قائمة الطلب، خاصة في ظل الأجهزة المنزلية الأكثر كفاءة في استهلاك الكهرباء وانخفاض أسعار الغاز.
تحل الطاقة المتجددة، في المرتبة الثانية في الوقت الحالي في توليد الكهرباء في المملكة المتحدة، بينما تشكل الطاقة النووية 19.5%. ومع أن البلاد تقوم ببناء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في هينكلي بوينت، التي ارتفعت تكلفتها بما يقارب 3 مليارات جنيه إسترليني، فإنه من المنتظر إغلاق جميع هذه المحطات عدا واحدة بحلول 2030.
وفي حين كان قطاع الفحم يستوعب نحو 1.2 مليون من القوة العاملة في بريطانيا قبل قرن، تراجع العدد بنسبة كبيرة، في الوقت الذي تقلص فيه إنتاج الفحم في السنة الماضية بنحو 95% إلى 2.6 مليون طن.
لكن وعندما تتخلى بريطانيا عن استخدام الفحم في توليد الكهرباء، لا تزال البلاد في حاجة للوقود الأحفوري في الصناعات الثقيلة مثل، الحديد والإسمنت. ويتم تلبية معظم ذلك الطلب من خلال عمليات الاستيراد، حيث استوردت المملكة المتحدة خلال الربع الأول من العام الجاري، نحو 2.6 مليون طن من الفحم. وينبغي على قطاع الصناعات الثقيلة على المدى الطويل، البحث عن خيارات أخرى غير الفحم، بيد أن ذلك يتطلب المزيد من الوقت والتمويل والدعم الحكومي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©