الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

زايد المُلهم الأول لنهضة المتاحف في الدولة من العين إلى «اللوفر أبوظبي»

زايد المُلهم الأول لنهضة المتاحف في الدولة من العين إلى «اللوفر أبوظبي»
17 أكتوبر 2018 02:45

علمنا زايد:

«من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل».. مقولة ذكرها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل عشرات السنين ليخلدها التاريخ، وتصبح نبراساً يضيء درب الكثيرين في حفظ تاريخ وتراث الأجداد عبر أساليب ووسائل متنوعة، لعلّ من أبرزها المتاحف.

أحمد السعداوي (أبوظبي)

تعتبر المتاحف هي الحاضنة الأكثر أهمية في حفظ تاريخ وتراث الأقدمين وعرضه على الجميع بأساليب جاذبة تجعلهم أكثر اقتراباً من التاريخ ممتد الجذور لأبناء الإمارات على هذه الأرض منذ مئات السنين، وتجلى ذلك في عديد من المتاحف المنتشرة في ربوع الدولة، ومنها متحف العين، ومتحف الاتحاد، وقلعة الجاهلي في العين، ومتحف زايد الوطني في جزيرة السعديات، وغيرها من المتاحف والمعالم التراثية الذي أمر بإنشائها، أو أقيمت لاحقاً سيراً على نهجه ورؤيته البعيدة في حفظ تاريخ الآباء والأجداد، وجعله حاضراً في الأذهان عبر الزمن.

حامي التراث
يقول الباحث التاريخي الدكتور أحمد خوري: إن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في مقدمة من اهتموا بتراث وتاريخ الدولة، ولذلك من الطبيعي أن يقوم بإنشاء المتاحف بمختلف أشكالها لأنها الحامي الحقيقي للتراث وأفضل وسيلة لحفظه عبر الزمن، ويرجع بداية هذا الاهتمام إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كان طيب الله ثراه، مهتماً بالتنقيب عن الآثار مع فريق دنماركي في جزيرة أم النار، ورافقهم في جولات تنقيبية في أماكن أخرى عديدة بمدينة العين وضواحيها، حيث امتلك زايد رؤية بعيدة في هذا المجال عمل على تطبيقها حين تولى الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، وعمل على إظهار جذور الإنسان الإماراتي الممتدة على هذه الأرض منذ قرون بعيدة.
وأضاف خوري: حتى يشجع الشيخ زايد الناس على حب التراث، قال كلمته المعروفة «من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل»، فكانت خير دليل سار عليه الجميع في جهود حفظ التراث عبر المتاحف وغيرها من الأساليب، وبدأ هذا الاهتمام يتبلور بشكل لافت حين بدأ تحويل عديد من المواقع التاريخية والحصون والقلاع إلى متاحف، ومنها متحف العين، وقصر العين، وقلعة الجاهلي.
كما زار متحف اللوفر في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، وارتأى ضرورة وجود مثل هذا المتحف في أبوظبي، وهو ما تم بعد رحيله مصداقاً لرؤيته البعيدة، طيب الله ثراه. ولأنه كان بدوياً أصيلاً كان محبوباً من الجميع، حيث كان يعيش حياته مثلهم تماماً في هواياته وتعاملاته اليومية كافة، وهذا يعكس ارتباطه الوثيق بالبيئة التي نشأ فيها وحرص على توثيقها وحفظها عبر إقامة المتاحف لها، كما أن المتاحف اللاحقة له تمضي على النهج ذاته، ومنها متحف زايد الوطني في جزيرة السعديات.
وسيشكل المتحف معلماً بارزاً في المنطقة الثقافية في السعديات إلى جانب كل من متحف «جوجنهايم أبوظبي» ومتحف «اللوفر أبوظبي»، وسيضم صالة عرض دائمة تحكي قصة الشيخ زايد وتأثير إصلاحاته. بالإضافة إلى برنامج عرض ديناميكي خاص. كما يعكس المتحف انتقال دولة الإمارات إلى الحداثة والنمو المتسارع الذي حققته في غضون أربعين عاماً، واستلهم تصميم المتحف من طائر الصقر، وهو أقرب الطيور إلى قلب زايد لكونه من أهم مفردات التراث الإماراتي، ويعتبر جزءاً من الموروث الثقافي للشعب الإماراتي وطريقة حياته.
وكذلك متحف «جوجنهايم أبوظبي» الذي يعكس مدى الالتزام برؤية زايد في حفظ إرث وتاريخ الدولة، وربطه بالتراث الإنساني عبر عرض هذه المقتنيات الفريدة القادمة من أنحاء العالم بما فيها من مقتنيات أثرية تحمل رسوماً وأشكالاً ترتبط بشكل أو بآخر بألوان الفنون الحديثة التي صار يطالعها أهل الإمارات عبر جوجنهايم أبوظبي وغيره من المتاحف المقامة بالمنطقة الثقافية بجزيرة السعديات بأبوظبي.

متحف العين
وأوضح خوري أن متحف العين، أمر طيب الله ثراه، بتأسيسه، ليعكس ملامح التراث الإماراتي عبر محتوياته المتنوعة وبعض مقتنياته التي تمتد إلى العصر الحجري الجديد، أي قبل نحو 8 آلاف عام، حيث يلعب المتحف دوراً كبيراً مثل سائر المتاحف بالدولة في التعريف بالتاريخ والتراث الإماراتي، وهنا يجب أن نشير إلى متحف مركز زايد العدل، بمنطقة البطين بأبوظبي، والذي يعرض لكثير من المقتنيات الشخصية للمغفور له، وكذا صوراً وسيارات تروي قصة مراحل مهمة في تاريخ دولة الإمارات والمنطقة كان زايد مؤثراً في مجريات أحداثها، وهو ما لم يكن يعرفه الآخرون والأجيال الجديدة، وتتاح لها فرصة الاطلاع عليه عبر هذا المتحف وغيره من المتاحف المنتشرة بالدولة التي نجحت في تحقيق الهدف منها إلى حد بعيد.
وأكد أن هذا الزخم من المتاحف يربطنا بالجذور، خاصة بعد أن تبوأت الإمارات مكانة حضارية عالية بين الدول في القرن الـ21، فكانت هذه المتاحف ضرورة لنعرف تاريخنا وتراثنا، وهذا ما آمن به الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعمل على غرسه حياً، ولا يزال الجميع في إمارات الدولة كافة، يعمل عليه بعد رحيل الشيخ زايد، اعتزازاَ بما غرسه فينا من حب لتاريخنا وتراثنا ومفردات الحياة البسيطة التي عاش عليها أهل الإمارات عبر الزمن قبل الطفرة الكبيرة التي شهدتها الدولة على يد الوالد زايد.
وبدورها، قالت فاطمة عبيد المغني، الباحثة في التراث المحلي: إن الشيخ زايد كان له دور كبير في بناء المتاحف، وكرّس لدى كل إماراتي حب ماضينا الجميل والاعتزاز به، فهو أول من ربط المستقبل بالماضي، وربط الحاضر بالماضي الذي يعتبر ركيزة أساسية في حياة زايد، مشيرة إلى أنها من الأشخاص الذين تأثروا بما كتبه وقاله وتركه زايد لأبناء شعبه في المجالات كافة. فجميع الحصون والقلاع في الدولة حافظ عليها مثل قلاع المويجعي، الجاهلي، الحصن، الفجيرة، مقر الحكم في الشارقة الذي تحول لاحقاً إلى متحف حصن الشارقة، وغيرها الكثير في إمارات الدولة يشهد بإسهامات زايد في حفظ التراث والهوية الإماراتية عبر المتاحف، حيث تم الحفاظ على هذه الجهود والموروث الذي تركه لنا، كونه أول من اهتم بذلك ووجه ببناء المتاحف ليرى شعب الإمارات وأحفاد زايد تاريخهم العريق.
ولفتت إلى أن شعور الأفراد بأن القيادة تدعونا لحفظ التراث والتاريخ، دفع الكثيرين لإنشاء متاحف شخصية وهي ظاهرة قل أن تنتشر بهذا الشكل بين شعوب العالم، حرصاً من أبناء الإمارات على ما تركه الأجداد. كما أن هذه المتاحف ليست فقط مكاناً لحفظ التراث بل واجهة سياحية وحضارية وثقافية وتاريخية للدولة أمام كل من يزورها، فتعددت المتاحف في الدولة، ومنها متحف الاتحاد في دبي، ومتحف الشيخ زايد في أبوظبي، وكذلك متحف اللوفر الذي جلب من خارج الدولة ليعرف الشعب الإماراتي عن فنون العالم وتاريخها، وكذا زيادة التفاعل مع العالم الخارجي ليرى حضارة الإمارات والشيخ زايد الذي حمى هذا التاريخ، ولذا نحرص على الحفاظ عليه كأمانة في أعناقنا، وتوصيل ذلك لأبنائنا والتعريف بدور الدولة التاريخي والحضاري في المنطقة والجهود التي قامت على أكتاف الرجال.

مكتشفات أثرية
وبينت المغني، أن هناك متاحف تعرض لمكتشفات أثرية تعود إلى آلاف السنين، مثل حضارة أم النار، مليحة، ساروق الحديد وغيرها من المكتشفات التي تؤرخ لعمر الدولة الممتد آلاف السنين قبل قيام الاتحاد، وما كان كل ذلك ليتم لولا الرؤية الثاقبة لزايد التي أثبتت نجاحها وفاعليتها عبر هذا العدد الكبير من المتاحف الذي يزين أرجاء الدولة. مشيرة إلى أن كثيراً من القلاع والحصون تحولت لاحقاً إلى متاحف تحكي عن تاريخ الدولة بشكل حي وواقعي، كما أن هناك متاحف أخرى تعرض لأشياء خاصة بالشيخ زايد من أوسمة ودروع وذكريات ومنجزات تروي المراحل التاريخية للمغفور له ودوره في قيام الاتحاد، ليعرف الجميع عن هذا الراحل العظيم سواء الزائرين أو الأجيال الجديدة.
وقال علي محمد المطروشي، مستشار التراث والتاريخ المحلي، والمدير السابق لمتحف عجمان: بحكم أسفار الشيخ زايد في فترة ما قبل الاتحاد إلى كثير من الدول، زار متاحف متعددة وأدرك دورها في حفظ التراث والهوية الوطنية والموروث الشعبي والآثار، ولذلك نجد أن إمارة أبوظبي شهدت إقامة أول متحف في الدولة في العام 1969، وهو متحف العين الذي يستعرض تقاليد وثقافة سكان المنطقة بدايةً من العصور القديمة مروراً بفترة ما قبل اكتشاف النفط، حيث افتُتح المتحف في بادئ الأمر في قلعة الشيخ سلطان بن زايد، ثم نُقل بعد ذلك إلى موقعه الحالي عام 1971، حيث يضم قلعة الشيخ سلطان (الحصن الشرقي) التاريخية التي تُعتبر من معالم الجذب الرئيسة للمتحف، وقد تميز هذا المتحف بجمال أسلوب العرض للآثار والتراث، ما جعل كثيراً من المتاحف التي أقيمت لاحقاً في الدولة، تتبنى نفس طريقة العرض المتبعة فيه.

توثيق التاريخ
وتابع المطروشي: افتتح زايد، رحمه الله، متحف عجمان بتاريخ 20 مايو 1991، فكان هذا المتحف الوحيد في الإمارات الذي افتتحه رئيس الدولة شخصياً، فكان وجود قامة كبيرة مثل الشيخ زايد، رحمه الله، في هذا الحدث، أكبر دافع لإنشاء متاحف عديدة في الدولة، وهو ما حرصت عليه كل إمارة لاحقاً لتوثيق تراث وتاريخ الإمارات، وبعض هذه المتاحف يجمع بين الآثار والتراث، والبعض الآخر يختص بأحد الجوانب فقط كأن يهتم بالآثار فقط أو الفلكلور الشعبي بحسب رؤية المتحف والهدف من إنشائه.
وبالنسبة لمتحف زايد في جزيرة السعديات، فاسم الشيخ زايد وتاريخه يستحقان مثل هذا الصرح الحضاري الكبير، كونه باني هذه الدولة، وكذلك متحف الاتحاد في دبي يولي أهمية خاصة للشيخ زايد ودوره الكبير في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة التي نعيش في ظلها الآن. كما أقيمت متاحف متعددة بعد وفاته، طيب الله ثراه، فكانت خير تأكيد على رؤيته البعيدة واستلهام توجهاته في الحفاظ على التراث والانفتاح على تراث العالم وحضارته والاستفادة من تجارب وأفكار الآخرين، بما يؤدي لتعزيز التسامح بين الحضارات والأمم.

زايد والتراث

أولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، اهتماماً خاصاً بالتراث والتاريخ، فكان حريصاً أشد الحرص على صون التراث وحفظ العادات والتقاليد والقيم المنبثقة منها، وإيصالها إلى الأجيال الجديدة، باعتبار التراث مكوناً رئيساً من مكونات الهوية الوطنية.
فقد نشأ وترعرع في كنف التراث وعلى هدى قيمه وأعرافه وتقاليده، وصاغ معانيه أبياتاً من الشعر وأقوالاً مأثورة، فلقد درس وتخرج في مدرسة التراث، وجعل التراث نبراساً لسلوكه، وهادياً لأفراد أسرته ومعاونيه، وأبناء مجتمعه، وحرص المغفور له الشيخ زايد على إنشاء المتاحف والمراكز لحفظ الآثار، وحفظ الوثائق التاريخية وما يندرج تحتها. لقد كانت للشيخ زايد، رحمه الله، نظرة فريدة وإيجابية إلى التراث في مجتمع الإمارات، وتلك النظرة لم تهمل التاريخ ولم تجعل من التراث ركاماً لآثار الماضي أو موروثاً يشيح بوجهه عن الحاضر ويتجه كلياً إلى الماضي، بل جعلت منه مشروعاً حضارياً يتصف بالموضوعية، ويهتم بالحاضر والمستقبل قدر اهتمامه بالماضي، ويسعى لتفعيل الماضي بوسائل وأساليب الحاضر، وفقاً لرؤية الحياة العصرية، خدمة لأجيال المستقبل.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©