الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حالة إنسانية تستدعي التدخل

18 أكتوبر 2010 21:07
الواقع يقفز أحياناً فوق قول الحكم وفوق تعليم أحدهم الصبر وتلقينه دروساً في قوة التحمل، فأمام جبروت المرض يُعلن الصمت والذل والانكسار، ولا نعرف بذلك إلا حين اعتلال الجسد وتهاويه يوماً بعد آخر لحتفه، ولا نعرف قيمة دعاء الأهل حين يتوجهون لله داعين بالصحة والعافية للأولاد إلا بعد حين، فيما يرفض البعض هذا الدعاء لأن الحياة بالنسبة لهم فوق هذه البديهية، بذلك لا يعرف قيمة الصحة إلا من خر جسمه هاوياً في قاع المرض. حين سألتها وعمرها لا يتجاوز ثلاثة وعشرين سنة قالت «أشعر بأن صلاحية جسدي انتهت»، ربما يقول البعض إن هذا حديث يائس، لكن شعورها بذلك لم يأت من فراغ فهي تعاني من مرض لازمها سنين غير قليلة منذ أن كان عمرها لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وبذلك لم تعد تخشى الموت ورهبته، بل تخشاه على من هن بعدها وتآكلت أجسادهن وتعرضت للتلف، نتيجة فشل في الكلي انسحبت مضاعفاته إلى بقية الأعضاء، فأصيبت إحداهن في تلف في الكبد وحالتها تستدعي زراعة كبد وزراعة كلي، هن أربع أخوات من أسرة إماراتية يجرين عملية تصفية «غسيل» الكلى ثلاث مرات في الأسبوع أصغرهن عمرها 7سنوات. ربما حالة واحدة في بيت ما تستدعي الكثير من الجهد والتعب والمشاحنات النفسية والقلق، نظراً لما يحدث من مضاعفات وطوارئ يتأهب لها الأهل والمريض، فكيف بأربع حالات لبنات في صباهن الأول في بيت واحد؟ كم جميل أن تشعر أن هناك من يتابع خطواتك ويخاف عليك من عتراتك ويؤويك إليه في أزماتك، فأهلهن في حالة استنفار دائم، لا يعرفن العطل ولا الفسح وألغوا كلمة علاقات اجتماعية من قواميس العائلة، وقطعت مسافات طويلة بينهن وبين الجيران، وفي آخر نقطة في مدينة العين وبالتحديد في منطقة «أم غافة» يقبع بيتهن الذي يؤويهن مع أهلهن، ويقطعن كيلومترات غير قليلة كل يوم غسيل، يذهبن نهاراً ويرجعن ليلاً ووالدهن ووالدتهن لا تفارق أعينهم عيون بناتهن، حيث يزداد الخوف والشوق للمريض، لم أستطع كفكفة دموعي التي انسابت وفضحت دواخلي، بكيت على بكاء والدتهن، كتمت صوت بكائي حتى لا يصير نحيباً مهولاً، تعثرت كلماتي واعتلى الشجن صوتي حين سألت أمهن عن أمنياتها في الحياة، لم أتمالك نفسي حين قالت بصوتها المرتجف وبكثير من الخشوع: «أتمنى أن أستحق كلمة أم، أتمنى أن أكون علي قدر المسؤولية» وهي التي تضيع سنون حياتها بين المستشفيات حيث تقطع المسافات بين الصحة والمرض وبين الألم والحزن بعيداً عن لحظات السعادة التي لا تكاد تسرقها من الحياة، حتى تسرقها الحياة وتضعها على ناصية الطريق تنتظر مع بناتها سيارة أجرة تنقلها للمستشفى في سالف الأيام، أو ينقلهن والدهن عند وجوده متحرراً من أعباء الوالد اليومية. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©