الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الصامت

الصامت
3 فبراير 2020 02:37

بدأ المغيب يتهادى رويداً رويداً في الأفق السماوي، شرعت الشمس في الرحيل بلا عودة. امتزج الشفق الأحمر بالسماء فلاحت حمرته الملتهبة كأنه فؤاد متزاحم بالأحزان يعانق كبد السماء. يروقني منظر الغروب بروعته وحمرته الملتهبة، تستشف من لونه الحزين نهايه لشيء مجهول. أصوات الطيور وهي مشدودة إلى بعضها بعضاً بلا افتراق.
قطعان الأغنام، وهي تعود أدراجها الأخيرة مستسلمة لصيحات الراعي وعصاه التي يهش بها يميناً ويساراً. الشعور المفعم بالطمأنينة على وجوه أحد المزارعين، وهو ينحني على أحد شقوق الحقل ليصل الماء.
تسوقني قدماي كل يوم إلى تلك الطرق بين الحقول الخضراء لتشهد عيناي ذلك المغيب الرائع. أشعر كأنني طفل صغير يداعب قرص الشمس الأحمر كلما همّ بالرحيل، يرغب ببراءة أن يمسكه بأيد عجال فيلوذ بالفرار.
أتابع بعيني ذلك المزارع الحالم في كوخه الريفي البسيط مع أغنامه، أجده كل يوم مستقراً في مكانه محلقاً بعينيه صامتاً مع أغنامه. ثم كل شيء يبدأ الرحيل إلا هو، لا يتحرك إلا بعد وقت طويل.
أراه كل يوم ولا أعرف إن كان ينتبه إليَّ ولو برهة، أود أن أجلس معه، أحاكيه، ولكن لا أرغب أن أقطع صمته.
قررت أن أغامر وأقحم نفسي معه. توجهت إليه مقترباً من كوخه الصغير، ملقياً التحية فأجاب في صوت خافت. جلست بجواره فلم ينطق، مرّت الدقائق في صمت ولم ينبس كلانا بكلمة. لم أرغب أن أحادثه فقد كان محلقاً في عالم خاص.
مرت دقائق كثيرة والصمت يضرب بقوة في المكان، قام لجمع بعض الحطب، استوقد ناراً ليعدَّ الشاي الريفي الساخن في صمت مذهل.
إعداده الشاي كان بغرابة وصمت، رشف بعضاً منه سريعاً، ثم ما لبث أن توقف. أهدى إليَّ كوباً منه، وبعد قليل وجّه الكبش الذي يقود أغنامه، ورحل صامتاً دون أن يتكلم.
تسير أغنامه في بطء أمامه، وهو يتوقف فجأه بإشارة أو دون إشارة، لتغيير مسارها، كأنما ثمة تفاهم عميق بينه وبينها.
رحل بعيداً مع قطيعه، بينما ظللت جالساً في مكاني، أفكر هل قال لي شيئاً؟.
لا أتذكر، لكنني منذ ذلك الحين أزوره كل يوم، فيستقبلني من بعيد ببسمة عينيه، ونصمت معاً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©