الأربعاء 1 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

كيف يختفي المال القذر في الثقب الأسود؟

كيف يختفي المال القذر في الثقب الأسود؟
5 أكتوبر 2018 00:48

عميل كوري شمالي، وبائع متجول لبطاقة ائتمان مسروقة، والعقل المدبر لعملية الاحتيال «بونزي 80»، كلهم لديهم مشكلة مشتركة، فجميعهم في حاجة لغسل أموالهم القذرة. وقد وجد هؤلاء حلاً مشتركاً في «شيب شيفت إيه جي»، وهي عبارة عن بورصة عبر الإنترنت تدعمها شركات أميركية راسخة في مجال رأس المال المغامر، تسمح لمثل هؤلاء الناس بالمتاجرة دون الكشف عن هويتهم في الـ«بيتكوين»، العملة الرقمية التي يمكن للشرطة أن تتبعها، ومبادلتها بعملات رقمية أخرى لا يمكن تتبعها.
ومنذ أن بدأ التعامل في الـ«بيتكوين» منذ ما يقرب من 10 سنوات، كانت السلطات الرقابية والأمنية قلقة من أن التكنولوجيا يمكن أن تخفف قبضتها على عمليات غسل الأموال. والآن، هناك سلالة جديدة من العملات الرقمية تعطي أساساً قوياً وملحاً لتلك المخاوف، وتعمل بشكل واضح عبر وسطاء دون مراقبة دقيقة، وغالباً ما تسمح للمستخدمين بالانخراط في معاملات مجهولة. ورصد تحقيق أجرته «وول ستريت جورنال» ما يقرب من 90 مليون دولار من العائدات الإجرامية المشبوهة التي تدفقت من خلال مثل هؤلاء الوسطاء على مدار عامين.
ويعمل معظم من يملكون ويديرون هذه الأموال خارج نطاق السلطات الأميركية، من عناوين غير معروفة في أماكن مثل أوروبا الشرقية والصين، وليس من خلال شركة «شيب شيفت إيه جي»، أكبر متلق لمثل هذا الأموال في الولايات المتحدة. فالشركة تم تسجيلها رسمياً في سويسرا لتخضع للتنظيم الأقل وطأة، مقارنة بالشركات التي يتم تسجيلها في الولايات المتحدة، إلا أن «شيب شيفت إيه جي» يتم تشغيلها من مبنى مكاتب شُيد خلال حقبة الثمانينيات في حي دنفر المليء بشركات التكنولوجيا ورجال أعمال الماريوانا.
ومن بين الداعمين الماليين للشركة، «بانتيرا كابيتال»، و«فاندرز كلوب» في كاليفورنيا وشركة «أكسيس فينتشر بارتنرز» في ولاية كولورادو. وقال شركاء مع «بانتيرا» و«أكسيس»، إن تدقيقهم ومراجعاتهم القانونية أثبتت أن نظام «شيب شيفت ريه جي» يعمل في إطار القانون. ولم يستجب «فاندرز كلوب» وشركاؤه لطلب التعليق.
وقد استفاد العديد من المجرمين المشتبه بهم من خدمات «شيب شيفت إيه جي» منذ أن بدأت العمل في عام 2014، وفقاً لمسؤولين مكلفين بإنفاذ القوانين، وباحثين مستقلين، وتحقيقات «وول ستريت جورنال».
وبعد أن سرق المتسللون الذين يعتقد أنهم من كوريا الشمالية ما قيمته ملايين الدولارات من العملات المشفرة فيما أطلق عليه اسم هجوم «وانا كراي رانسوم وير» على الشركات والحكومات في العالم، استخدم المجرمون «شيب شيفت إيه جي» لتحويل عملات «بيتكوين» إلى عملة مشفرة لا يمكن تعقبها تسمى «مونيرو»، حسب ما اكتشف باحثون في أمن المعلومات والشبكات.
وفي السنة التالية، لم تجرِ «شيب شيفت إيه جي» أي تغييرات على سياستها في عدم تحديد عملائها، واستمرت في معالجة ملايين الدولارات من العائدات الإجرامية، وفقاً لتحقيقات «وول ستريت جورنال».
وتقول العديد من البورصات المبنية على تبادل العملات المشفر إنها تتبع القواعد الاتحادية التي تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال، رغم أن مسألة ما إذا كانوا خاضعين لها لم يتم اختبارها. إلا أنه هذه البورصات تحتفظ بسجلات عن هوية عملائهم وتراقب المعاملات لاجتثاث الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها. يذكر أن إريك فورهيس مؤسس «شيب شيفت إيه جي»، لطالما سخر من مثل هذه القيود. وقال في مقابلة أجريت معه في مايو الماضي «لا أعتقد أن الناس يجب أن تسجل هويتهم للقبض على مجرم بالصدفة».
وتستند الـ«بيتكوين»، وغيرها من البروتوكولات إلى برامج تعمل بمثابة دفتر رقمي يُحتفظ به عبر آلاف أجهزة الكمبيوتر. ودفاتر، أو الـ «بلوك تشين»، للمتاجرات في العملات الرقمية متاحة للعرض العام، وتتيح للأفراد متابعة حركة تنقلها من حساب مجهول إلى حساب مجهول آخر، إلا أنه يمكن كشف الهوية، عندما يبادل المجرمون عملات الـ «بيتكوين» مقابل الدولارات، لذا كان على الأشخاص السيئين التوصل إلى طريقة لمحو آثار جرائمهم من المسارات الرقمية وتعطيل عملية تتبع مصير العملات.
ولفحص نطاق غسل الأموال المشفرة، بنت الصحيفة برامج كمبيوتر تتبعت التمويلات في أكثر من 2500 عملية احتيال مشتبه بها، وعمليات اختراق، ومخططات ابتزاز وغيرها من الجرائم المزعومة التي استخدمت «بيتكوين»، و«إيثريوم» من خلال عمليات تحليل برامج العملات الأساسية.
وحدد تحليل الصحيفة، الذي لم يشمل سوى شريحة ضيقة من السلوك الإجرامي المشتبه فيه، عمليات غسل أموال لنحو 88.6 مليون دولار، من خلال 46 عملية تحويل. وكشفت الصحيفة أن كثيرا من الجناة المزعومين غير معروفين أو هاربين، وجزء صغير من الأموال، وهو أقل من مليوني دولار، نجحت السلطات في الاستحواذ عليه.
ووجدت «وول ستريت جورنال» أن شركة «شيب شيفت إيه جي» قامت بالتعامل مع نحو 9 ملايين دولار من الأموال المشبوهة، أكثر من أي شركة مالية في الولايات المتحدة تمارس نشاطا مشابها. وقد زودت الصحيفة «شيب شيفت إيه جي» بقائمة بالعناوين المريبة التي عثرت عليها خلال التدقيق في عمليات تبادل العملات الإلكترونية. ورداً على ذلك، قالت فيرونيكا ماكجريجور التي انضمت إلى الشركة الشهر الماضي كمسؤول قانوني رئيس لها، إن الشركة راجعت تلك العناوين وحظرتها من استخدام معاملات البورصة.
كما قالت ماكجريجور، إن شركة «شيب شيفت إيه جي» تخطط للبدء في مطالبة المستخدمين بتقديم الهوية بداية من الأول من الشهر الجاري. وقالت إن الشركة تقوم بذلك من أجل «التخلص من المخاطر» في مواجهة «اللوائح الجديدة المحتملة وإساءة استخدام المجرمين»، وليس استجابة لأي إجراء من السلطات التنظيمية. وقالت إن الشركة تخطط لبدء الرصد، والإبلاغ عن غسيل الأموال المحتمل.
قالت مكجريجور، إنها تريد فصل وجهات نظر السيد فورهيس عن أسلوب إدارة الشركة. وقالت «إن الفلسفة الشخصية للرئيس التنفيذي لا تعني أنها الطريقة التي ستتم بها العمليات»، وأضافت «إنه ليس مؤيداً لغسل الأموال».
والطريقة التي تتبعت بها «وول ستريت جورنال» أثر الأموال إلى «شيب شيفت إيه جي» في إحدى الحالات، كانت كالتالي، كان هناك كيان على الإنترنت يدعو نفسه «ستارسكيب كابيتال»، جمع 2.2 مليون دولار من مستثمرين، على وعد بتقديم عوائد ضخمة. ودفع المستثمرون إلى «ستار سكيب» عن طريق إيداع عملات «إيثيريوم»، الأكثر انتشاراً بعد الـ«بيتكوين»، في حافظة رقمية صاحبها مجهول. وبعد فترة قليلة اختفى موقع «ستار سكيب» من على الإنترنت، وبدأ المستثمرون يشتكون من ضياع أموالهم.
وقام أصحاب «ستار سكيب» بإعادة تحويل ما قيمته ملايين الدولارات من عملات «إيثيريوم» وإرسالها إلى طريقين، الأول إلى بورصة «كوكوين» الآسيوية، التي توفر أيضا خدمة إخفاء هوية صاحب المحفظة. وكشفت تحقيقات «وول ستريت جورنال» أن «كوكوين» اشتبهت في التحويلات وجمدت الأموال وبدأت تجري تحقيقات، إلا أنها امتنعت عن ذكر اسم «شيب شيفت إيه جي». أما الطريق الثاني الذي ذهبت إليها الأموال، فهو إلى بورصة «شيب شيفت إيه جي» نفسها، بعد تحويل عملات «إيثيريوم» إلى عملات «مونتينيرو»، كانت قيمة ذلك التحويل أكثر من نصف مليون دولار بقليل، وهنا اختفى أثر الأموال.
وتكشف المعاملات التي حللتها «وول ستريت جورنال»، وتقدر بأكثر من 12 مليون تحويل، حالات عديدة من السلوك المشبوه. فقد جمع ماركو فيكي المستورد أكثر من مليوني دولار لإنشاء حافظة «بيتكوين» واختفى. كما حصل ماكوتو تاكاهاشي، وهو أيضاً اسم مستعار، على نحو 600 ألف دولار لتطوير منصة مراهنات على الإنترنت لم يتم إطلاقها، حتى الذين سرقوا عملاء «شيب شيفت ريه جي» من خلال إعداد موقع «شيب شيفت إيه جي» مقلد، استخدموا «شيب شيفت إيه جي» الحقيقية لغسل أموالهم، وفقاً لبيانات مرئية على الإنترنت تمكنت الصحيفة من تتبعها.
في الوقت نفسه، يشير فورهيس إلى أن نظام «شيب شيفت إيه جي» يقدم مقياسًا للشفافية، يشبه إلى حد كبير الـ«بيتكوين» نفسه، فهو يسمح للأشخاص برؤية حركة العملات المشفرة، لكن ليس بهدف تحديد المالك. ويسمح نظام بورصة «شيب شيفت إيه جي» للأشخاص بمعرفة المحافظ المجهولة التي تتسلم عملات مشفرة، لكن تظل عناوين المتسلم ومبالغ المعاملة مجهولة، أما في حالة عملات «مونتينرو» يظل المبلغ والمتسلم مجهولين. وجادل فورهيس بأن نظام «تشيب شيفت إيه جي» وتبادل العملات المماثلة لا ينبغي أن يخضع لقوانين مكافحة غسيل الأموال. وقال «هذه الرواية التي خرجت بها الحكومة لحماية الناس هي هراء كامل».
لكن يبدو أن وزارة الخزانة الأميركية لا توافق على هذا الرأي. وبسؤال كيفين أوكونور، الموظف تنفيذ في شبكة إنفاذ قوانين الجرائم المالية، عن «شيب شيفت»، قال إن العملاء في أي تبادل للعملات مشفرة بالولايات المتحدة يجب أن يخضع لقواعد إرسال الأموال، إلا أن المتحدث باسم السيد أوكونور قال إنه كان يتحدث على نطاق واسع وليس فقط فيما يتعلق «شيب شيف إيه جي».
وتقول الشركات الأخرى، بما فيها شركة «بيتريكس» التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، إنها تتبع التوجيهات الفيدرالية. رغم ذلك، وجدت «وول ستريت جورنال» أن مبلغ 6.3 مليون دولار من الأموال من نشاط إجرامي ظاهر تدفقت إلى «بيتريكس». وصادرت أجهزة إنفاذ القانون بعض تلك الأموال بعد اعتراف أحد الأشخاص بأنه مذنب في بيع المخدرات وغسل الأموال.
كما قامت «يوروبول»، وكالة الشرطة الأوروبية، بالتحقيق في حالات عديدة استخدم فيها المجرمون «شيب شيفت إيه جي». ويقول أحد المقربين من تلك التحقيقات إن السلطات الأميركية على دراية تامة بالدور الذي تلعبه «شيب شيفت» في تبادل الأموال المشبوهة، ولكن يجب عليك ارتكاب مخالفات عديدة قبل إيقافك عن العمل.
وعلى أحد مواقع الإنترنت في عام 2013، كان فورهيس يرى أن التعامل بالعملات الرقمية يمكن أن يقوض ضريبة الميراث، مشيرا إلى أن الأشخاص يمكن أن يخفوا ثرواتهم بشكل عملات رقمية لمنع الحكومة من تحصيل ضريبة الميراث. وأضاف أنه ليس من الجيد انك تريد أن تترك لعائلتك أموالاً تقوم الحكومة بمشاركتهم فيها. وكان فورهيس دفع غرامة 50 ألف دولار في معاملات استثمار غير مسجلة في مواقع إلكترونية، وأرسل الأموال التي ربحها إلى بنما كملاذ آمن من دفع الضرائب.
في عام 2016، بلغ حجم الدخل الشهري ل «شيب شيفت إيه جي» 11.7 مليون دولار، حسبما تقول الشركة. ثم استثمرت شركة «بانتيرا» ومجموعة من الممولين الآخرين في الموقع 10.4 مليون دولار، في ربيع عام 2017.
وبعد وقت قصير من ظهور «وانا كراي»، أصبح مستخدمو غرف الدردشة على الإنترنت، التي تقدم مشورة بشأن غسل الأموال، توصي باستخدام «شيب شيفت إيه جي» لمسح أثر العملات الرقمية القذرة، وعثرت «وول ستريت جورنال» على هذه الغرف من خلال الخدمات التي تراقب مثل هذه المواقع.

بقلم: جوستين سكوت وشين شيفليت

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©