الأحد 2 ابريل 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ثقافة

40 لوحة تعيد تدوير الخامة الفنية وتنتج جدلاً بالشكل والمضمون

40 لوحة تعيد تدوير الخامة الفنية وتنتج جدلاً بالشكل والمضمون
14 يوليو 2011 23:19
(الشارقة) - افتتح مساء أمس الأول في مقر جمعية الإمارات للفنون التشكيلية بمنطقة الشويهين بالشارقة القديمة معرض “التواصل – الموسم الثاني” لفئة المشاريع. ويشارك في المعرض الذي افتتحه بلال البدور المدير التنفيذي لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، الفنانون: خالد البنا وراشد الملا وهدى سعيد سيف ومنى عبد القادر العلي وناصر نصر الله وعلي العبدان وابتسام عبد العزيز وليلى جمعة راشد. وتم خلال افتتاح المعرض توزيع الشهادات على المشاركين، ليكون المعرض تتويجاً لمشروع “التواصل” الذي تقيمه وتشرف عليه سنوياً جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ضمن الفئتين: إنتاج المشاريع والشباب. وقد تمّ اختيار عدد من الأعمال لكل فنان من بين الأعمال التي أنتجها خلال المشروع الذي انطلق في مايو الماضي، حيث ستعرض في معارض فردية خاصة لكل منهم تفتتح تباعاً في مقر الجمعية خلال رمضان المقبل. وقد جاء الاختيار ليعبّر عن هذه التجربة الخاصة في كيفية إنتاج الأعمال الفنية ضمن مشروع مشترك لجهة الكشف عن أسلوبية كل فنان في التعامل مع الشكل والمضمون وفكرة كل عمل وكذلك علاقة اللون بها وعلاقة الألوان بعضها ببعض بما يشير إلى امتياز كل فنان واختلاف صنيعه عن الفنانين الآخرين في سياق من خلق التواصل بين الجمهور والفن بإعادة إنتاج الشكل والمضمون على مستوى الخطاب الفني ككل. وعلى هذا الصعيد، فإن الجامع المشترك بين الأعمال الفنية التي بلغت الأربعين يتمثل بنزوعها إلى ما بعد الحداثة من جهة ومقدرتها على مخاطبة الجمهور أو التفاعل معه بوصفه جمهوراً يتشكل من أفراد وليس من كتلة واحدة لجهة طريقة التلقي والمقدرة على التأويل من جهة أخرى، وذلك فضلاً عن إنتاجها ضمن مشروع “التواصل” بما هو فضاء مشترك لإنتاج العمل الفني الذي اعتاد كل فنان على إنتاجه في فضائه الخاص ودون أن يتمكن أحد من أن يراه إلا مكتملاً أو معلّقاً على جدار. خامات مستهلكة وكلٌ بحسب طريقته ورؤيته للفن ودوره، اختار الفنانون: ابتسام عبد العزيز وراشد الملا وخالد البنا وناصر نصر الله استخدام أنواع من الخامات العادية والمستهلكة، بحيث جرى إعادة تدويرها فنياً لتصبح مادة خاماً قابلة للرسم عليها، كما لدى البنا والملا أو إعادة إنتاجها شكلاً فنياً معبراً، كما في أعمال ابتسام عبد العزيز. في هذا السياق، استخدم راشد الملا ورق الكرتون المقوّى عوضاً عن قماشة “الكانفس” ليضعها موضع اختبار لطاقتها الفنية وقدراتها التعبيرية والتجريبية، فتركزت أعماله المعروضة على “البورتريهات” والوجوه التي، كما لو أنها قد خرجت من ذاكرة قديمة، حيث تتقاطع فيها ملامح الشباب بملامح الكهولة، فبدت وجوها صلبة وقاسية في تعبيريتها بمنحنى تجريبي أقرب إلى تقنية “الكولاج”، حيث قام الفنان بقصّ الكرتون المقوّى بما يكشف عن طبيعة تكوينه فيضيف خشونة لملمس العمل التي يمكن للناظر إليه لمسها بالعين. غير أن هذه النزعة “الكولاجية” تبدو أكثر وضوحاً في أعمال خالد البنا، ورق أقرب في لونه وطبيعة ملمسه كما بدا في الأعمال إلى الورق الخاص بأكياس الإسمنت المستخدم في البناء، إذ على هذا الورق هناك صورة وضعت بطريقة فنية موحية لجهة اللون والعناصر المكونة لها لعمال يعملون في إحدى ورشات البناء في زمن سابق قد يرقى إلى السبعينيات في حين ألصقت عليه صور عائلية لا تظهر فيها سوى نسوة آسيويات بالأبيض والأسود وبأناقة تلك الأيام وما كانت تبشر فيه من السيادة المقبلة لعصر الاستهلاك وشيوع قيمه التي بلا جذور ضاربة في عمق المجتمع. بنية فنية هذه الفكرة تحديداً هي ما تدور حوله أعمال ابتسام عبد العزيز التي تحمل أعمالها بنية فنية أكثر تعقيداً، حيث إن عناصر العمل الفني هي خامات متنافرة لا صلة أو جامع بينها جعلت منها الفنانة ما تصفه هي بأنه “ذاكرة شخصية” للفنان بوصفه طرفاً في المعادلة الفنية، وبالتالي المتلقي بوصفه الطرف الآخر في المعادلة ذاتها والذي يعيد إنتاج معنى آخر للعمل وفقاً لتجربته الخاصة. لكن ابتسام عبد العزيز هنا تجعل من أعمالها كلها، أو المعروض من بينها على الأقل، بيضاء تماماً، فلا يدري المرء أهو بياض الذاكرة، أي محوها، أي الذاكرة الاجتماعية وشيوع أنماط أخرى من التعايش مع الاستهلاك، أم أنه بياض قد يتصل بموت ما أو صحراء ما ليست كسائر الصحارى. ذاكرة المجتمع أيضاً لم تخل أغلب أعمال الفنان علي العبدان من فكرة “الكولاج” سواء بإدخاله إلى العمل بالرسم دون لصق أو باللصق، كما هو معتاد، لكنها أقرب إلى “البوستر” ووظيفته الدعائية غير أنها مطعمة برموز “إعلانية” ذات حضور في ذاكرة المجتمع الذي كان يعيش فيه العبدان طفلاً فرسخت في ذاكرته هذه الرموز التي ليست فردية تخصه وحده، بل جمعية تماماً، مثل المرة الأولى التي دخلت فيها مشروبات البرتقال المعروفة بـ “كنندراي” إلى متطلبات المجتمع الإماراتي اليومية، وكذلك شوكولا ذات ماركة “الماكنتوش” الشهيرة، إلى حدّ أن بعض الأعمال لم تكن سوى إعلانات حقاً، لكنها لا تخاطب جمهوراً بل تُحاكي ذاكرة كانت حاضرة يوماً ثم اندثرت. وجوه على الورق وتشغل فكرة الوجوه على الورق أيضاً أغلب أعمال الفنان ناصر نصر الله، لكن ما يجعل أعمال نصر الله مختلفة عن سواه في سياق إعادة التدوير هو الملمس، حيث تمتاز الوجوه بقوة الخط لجهة التشريح وإحداث قدْر ضئيل من الظلال هنا أو هناك بما يمنح الوجه ملامحه الخاصة التي كأنها لوجوه التقطها الفنان للتو من الشارع فتبدو “طازجة” وحاضرة في نسيج اليوم رغم قسوة ملامحها وكأنها صور وجوه لممثلين مسرحيين هم الآن في أوج عطاء في إبراز ما يمكن للوجه أن يبثه للناظر إليه من تعبير إنساني قد جاء مختلفاً باختلاف المشاعر الإنسانية التي يريد الفنان التعبير عنها هنا أو هناك، حيث يلمس المرء القوة التعبيرية الخاصة في هذه الأعمال. مشاعر أنثوية أما أعمال الفنانات الثلاث: هدى سعيد سيف ومنى عبد القادر العلي وليلى جمعة راشد، فإن الألوان بوصفها أكثر من كتلة محكومة لإيقاع خاص بها على السطح التصويري، بحيث يخلق تجاورها معاً في سياق هذا الإيقاع تناغماً معبراً عن دفق من مشاعر أنثوية، حارّة سادت فيها الألوان الحارّة أكثر من الباردة قد كانت هاجساً أساسياً لدى كل فنانة على حدة رغم اختلاف صنيع كل فنانة عن الأخرى. ففي حين ذهبت منى عبد القادر العلي نحو التجريد التعبيري للمشهد الطبيعي، فإن أعمال ليلى جمعة راشد قد جعلت عملها بتجريديته الصافية موحياً بما هو واقعي تماما متخذة من العناصر التراثية في العمارة الإماراتية الكلاسيكية ذريعة لهذا الصنيع اللافت، في حين ذهبت هدى سعيد سيف إلى الرموز والألوان المنتشرة في أوساط البدو لتضفي رمزية عالية على أعمالها التجريدية برموز سائدة في الأوساط ذاتها بما تحمله من مقاربات لحكايا شعبية أو خرافية أو حتى أسطورية.
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©