الجمعة 31 مارس 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السلطة والزوجة وبينهما الرئيس

السلطة والزوجة وبينهما الرئيس
13 يوليو 2011 18:52
في مهرجان “كان” السينمائي في دورته الأخيرة لفت فيلم “الغزو” La Conquête الانتباه عند عرضه أول مرة للجمهور، وهو من إخراج غزافييه دورنجر Xavier Durringer. الفيلم يتناول شذرات من حياة الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، ويكشف الكواليس والدسائس في عالم السياسة، وهو عالم لا أخلاق فيه ولا مبادئ، حتى ان كاتب سيناريو هذا الفيلم ذكر معلقا على احداث هذا الشريط: “في السياسة فان الكراهية هي محرك أساسي”. وفعلا ففي الفيلم يظهر عنف شديد وشراسة في المعارك السياسية بين المتنافسين حتى وان كانوا ينتمون الى عائلة وحزب سياسي واحد، والملفت ان سلاح هذا العنف بين المتنافسين هي “الكلمات” التي غالبا ما تكون أشد وقعا من الرصاص، وهذه الأيام يتم عرض هذا الشريط في القاعات في فرنسا وفي دول أخرى، ويلاقي اهتماما من النقاد واقبالا واسعا من الجمهور بسبب ما يتضمنه من أحداث تكشف عن صفحات من سيرة الرئيس الفرنسي وخاصة استراتيجيته لـ”غزو” قصر الإليزيه عام 2007. قد جسد دور الرئيس الممثل الفرنسي دنيس بوالاداس وهو أحد المع الممثلين في فرنسا حاليا، وقد سبق له أن تقمص بنجاح شخصية الملك ريتشارد الثاني في شريط سينمائي آخر. إسأل عن المرأة يروي فيلم “الغزو” تفاصيل السنوات الخمس التي سبقت فوز نيكولا ساركوزي بالرئاسة، ويتناولها بشكل ساخر ناقد، ويتوقف عند محطات سياسية بها الكثير من الدسائس و”المؤامرات” والتنافس غير النزيه للفوز بكرسي الرئاسة، كما يكشف الشريط جوانب من الحياة الشخصية لنيكولا ساركوزي وخاصة هجر زوجته سيسيليا له قبل فترة قصيرة من بداية حملته الانتخابية بعد أن أصبحت عشيقة لفرنسي يهودي من أصل مغربي تزوجته بعد ذلك وتقيم معه حاليا في دبي. وقد تم في جزء مطول من الفيلم التركيز على هذه القصة حتى إن الموزعين للفيلم ومنتجيه وضعوا له حملات تسويقية مغرية مفادها: “قصة رجل ربح السلطة وخسر زوجته”. وهذا أول فيلم في تاريخ السينما الفرنسية يتم فيه التعرض للحياة الخاصة لرئيس فرنسي، فقد كانت مثل هذه المواضيع من “المحرمات” بحكم العرف والتقاليد الفرنسية، لكن هذا الشريط كسر هذه القاعدة حتى ان احد السياسيين يقول في الفيلم معلقا على ترك سيسيليا زوجها ساركوزي والفرار مع عشيقها: “رجل لم يقدر على مسك زوجته والاحتفاظ بها، كيف يمكن له ان يحافظ على فرنسا اذا أصبح رئيسا لها؟”. وهذه هي المرة الأولى في فرنسا التي يتم فيها إنجاز فيلم سياسي لشخصيات معروفة باسمائها الحقيقية ويكون محورها رئيس الجمهورية. والحقيقة ان السينمائيين الفرنسيين يعانون مما يشبه “العقدة” إزاء السينما الأميركية لعدم جرأتهم بسبب العرف لتناول الحياة الشخصية لرئيس الجمهورية ـ خلافا لما تفعله أفلام هوليوود ـ ويمكن القول إن هذه العقدة قد حلت في هذا الفيلم، وقد اختلفت آراء النقاد بين من رأى ان الفيلم رغم اسلوبه الكاريكاتوري لا الساخر قد خدم ساركوزي وربما سيساعده للفوز بولاية ثانية، وبين من رأى انه فيلم ساخر وناقد ولاذع وأساء لساركوزي، والمخرج يؤكد انه لم ينجز شريطا وثائقيا بل انه فيلم روائي من نوع خاص يبرز تعقد حيوات الاشخاص والأشياء وتشابكها. جمل قاتلة والفيلم يظهر مختلف جوانب شخصية نيكولا ساركوزي فهو محبوب ومكروه، مشاكس وأحيانا مهادن، وأحيانا أخرى يظهر ودودا ولطيفا، وهو يقول في الفيلم: “لم أختر السياسة ولكن السياسة هي التي اختارتني” وهو طبعا كاذب في هذا القول، فقد كان هدفه وطموحه الفوز بمنصب الرئيس، وقد سطر من أجل ذلك استراتيجية تتمثل مثلا في الإكثار من الوعود اثناء حملته الانتخابية وهي وعود لم ينجز منها الا القليل. وقد امضى كاتب السيناريو باتريك روتمان وقتا طويلا في جمع الوثائق والمعلومات وانتقاء بعض الكلمات “القاتلة” والجمل القصيرة المشحونة بمعاني الكره والعنف بين الشخصيات السياسية المتنافسة، كما انتقى كاتب السيناريو بعض الأسرار من الكتب التي ألفها مقربون من ساركوزي واختار منها أحداثا وجملا قصيرة طرز بها الحوار، مما أكسب الفيلم حيوية وصدقية خاصة وان الممثل جسد شخصية الرئيس بكل نجاح. ويروي الممثل الذي جسد شخصية الرئيس خلفيات قبوله الدور، فقد أمضى وقتا طويلا في التمرن استعدادا لتقمص الدور مقارنا نفسه بالطالب الذي اجتهد ليجتاز الامتحان بنجاح، فقضى الساعات في الاستماع في نبرات صوت الرئيس ومشاهدة أشرطة وثائقية ونشرات الأخبار ومطالعة الوثائق للاقتراب من الشخصية الهامة التي جسدها بنجاح في الشريط دون أن يفقد طبعا حريته، كممثل محترف، في التصرف في جزئيات الشخصية. والطريف أن هذا الممثل يولي أهمية كبرى لنبرات الصوت ويدرس مواقع التوقف وكيفية التصرف أثناء إلقاء خطاب بالتركيز على قول أو كلمة للتأثير على الجمهور المستمع أو المشاهد له، ومن الملاحظات الطريفة التي انتهى إليها الممثل بعد دراسته العميقة لطريقة ساركوزي في إلقاء خطبه أنه يمر بسرعة مذهلة من الغضب إلى الحماسة فالضحك حتى القهقهة، وجسد كل ذلك أثناء تقمصه للدور، فدنيس بوالاداس denis poalalydes الذي جسد شخصية الرئيس ليس ممثلا عاديا فهو كاتب وقد ألف كتابا عن “الصوت” وآخر عنوانه “مشاهد من حياة الممثل” Scènes de la vie d’acteur وهو أيضا مخرج مسرحي مشهود له بالكفاءة ويظهر حاليا في فيلم آخر أثار ضجة وعنوانه: “لقد قتلني عمر” Omar m’a tuer عن قصة حقيقة أقامت الدنيا ولم تقعدها لموت امرأة ثرية في بيتها، وهي حادثة شهيرة في فرنسا تم فيها اتهام البستاني المغربي عمر الردادي الذي كان يعمل عندها بقتلها في حين أنه أعلن دائما براءته وتم سجنه سنوات طويلة قبل أن يتم الإفراج عنه بعفو رئاسي. خطب الرئيس وشخصية الرئيس كما تظهر في هذا الشريط هي شخصية سياسي يرغب ويسعى دائما أن يكون محبوبا، ويظهر في فيلم “الغزو” شخصيات أخرى مثل فيليب دي فيلبان (وزير خارجية فرنسا ورئيس الحكومة الفرنسية في عهد جاك شيراك)، وغم أن شيراك ودي فيلبان وساركوزي ينتمون ثلاثتهم إلى نفس الحزب اليميني إلا أن حربا ضروسا كانت مشتعلة بين ساركوزي من جهة وبين الشخصيتن السياسيتين الأخريين، ويقول المخرج غرافييه دورنجر انهم لا يكرهون بعضهم بعضا لأسباب إديولوجية بل لأسباب ذاتية وشخصية. كما يبرز الفيلم العلاقة العميقة بين ساركوزي ومستشاره هنري غينو Henri Guaino الذي يكتب له خطبه التي غالبا ما يطرزها بجمل شاعرية وصور بلاغية لكي تؤثر على الناس المستمعين له، بل إن هذا المستشار ـ مثلما يظهر في الفيلم ـ يتمرن مع الرئيس بشكل يكاد يكون مسرحيا على كيفية إلقاء النص وأسلوب الوقوف مما دفع البعض إلى تشبيه ذلك بالمخرج المسرحي والممثل. وقبل خروج هذا الفيلم للناس طلب الممثل الذي جسد شخصية ساركوزي في رسالة وجهها للرئيس الفرنسي مقابلته، وهو ما تم فعلا وقد استقبله الرئيس منذ قرابة الشهرين وأكد له أنه لن يشاهد هذا الفيلم كما أكد له انه لا يطالع أبدا كل الكتب التي كتبت عنه. وبعيدا عن الفيلم فقد دار الحديث بين الممثل والرئيس ـ حسب ما افاد به الممثل ـ حول “بروست” وأدباء آخرين وعن قليل من السياسة، علما بأن الممثل لا يخفي أبدا انتماءه السياسي إلى “اليسار” في حين أن ساركوزي هو طبعا من “اليمين”، وقد علق الرئيس على ذلك قائلا اثناء استقباله للممثل: “أنه لم يعد هناك اليوم في فرنسا فرق كبير بين اليمين واليسار”، علما بأن الممثل يعترف بأنه عام 2007 صوت لصالح “سيغولين روايال” المنافسة غير المحظوظة لساركوزي في الانتخابات الرئاسية آنذاك. ومن باب الحيطة فان مخرج الفيلم قد استشار عددا من المحامين المتمرسين، وأطلعهم على السيناريو خشية ان يشتكيه بعض الساسة الذين يظهرون في الشريط، بدعوى الثلب او نشر اخبار زائفة او المس بحياتهم الشخصية?.?0?……..?0
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©