السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علماء: الحوار الأسري.. بوابة تفوق الأبناء علمياً وأخلاقياً

علماء: الحوار الأسري.. بوابة تفوق الأبناء علمياً وأخلاقياً
14 سبتمبر 2018 00:04

حسام محمد (القاهرة)

مع بدء عام دراسي جديد يتوق الآباء والأمهات إلى توفير أقصى درجات الرعاية والحماية الأسرية لأبنائهم يحدوهم الأمل والطموح في تحقيق الأبناء لأفضل النتائج الدراسية لكن كثيراً من الآباء يغيب عنهم أهمية الحوار الأسري، حيث تجد الكثير من الأسر تعاني من الصمت الطويل خلال العام الدراسي ظناً منهم أن هذا يوفر للطلبة والتلاميذ أجواء إيجابية تسهل عليهم المذاكرة والتحصيل العلمي الجيد، وعلى الجانب الآخر يسهب البعض في الحوار مع الأبناء وحثهم المستمر على المذاكرة وتعنيفهم في الكثير من الأحيان ظناً منهم أنهم يساعدونهم على تحقيق نتائج متميزة وبين هذا وذاك يثور السؤال.. كيف يتحقق الحوار الأسري السليم دون إفراط أو تفريط ليحقق أبناؤنا أفضل النتائج؟.

الاستقرار الأسري
بداية تقول الدكتورة وجيهة مكاوي الأستاذ بجامعة الأزهر: اعتبر الإسلام الأسرة هي النواة التي يقوم عليها المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، والذي قد لا يعرفه الكثيرون أن كثيراً من المجتمعات الإنسانية تحسد المسلمين على حفاظهم على قيمة مفهوم الأسرة واحترامها، في وقت انهارت تلك المفاهيم في تلك المجتمعات ولم تعد الأسرة هناك مترابطة، كما هو الحال في المجتمعات الإسلامية، والواقع يؤكد أن الشريعة الإسلامية أولت الأسرة أهمية بالغة وحرصت على توفير المبادئ والتعاليم التي تعني بالاستقرار والتوافق بين أطراف الأسرة للخروج بأجيال متماسكة تعمل على ازدهار المجتمعات وتقدمها، ولهذا فقد اعتبرت الشريعة الإسلامية التواصل بين أطراف الأسرة عاملاً أساساً لإحداث ذلك الاستقرار أو تحطمه، فطبيعة أساليب الحوار بين أفراد الأسرة تكون مؤشراً كافياً وواضحاً لمعرفة مدى استقرارها وتتجسد أهمية التواصل بين الزوجين عماد الأسرة في قوله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الروم: الآية 21»، وبعد تحقيق السكن يأتي تحقيق المودة والرحمة، ويطالبنا الإسلام بضرورة أن ننهج مع الأبناء أسلوب الإقناع والتشاور، ولا بد أن يعي كل من الأب والأم أن الاستقرار الأسري مصدر مهم في إكساب الأطفال المهارات والقيم والعادات والتقاليد لأنه يلعب دوراً مهماً في بناء المعرفة العقلية والذهنية السليمة لدى الأطفال، حيث أظهرت الدراسات أن استخدام الطرق الإيجابية في التنمية الأسرية تساعد على الإنتاجية وتسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن وفي بناء وتشكيل الهوية لدى الأبناء.
تضيف د. وجيهة مكاوي: لا بد أن تعي الأسرة أيضا أن الحوار مطلوب وبشدة على مدار العام، فلا يعني أن الدراسة قد بدأت أن يسود الصمت المطبق بين أفراد الأسرة، بالعكس لا بد من توفير وقت مناسب يجتمع فيه كل أفراد الأسرة لأن حميمية العلاقات الأسرية تحتاج إلى نقاشات وحوارات بشكل دائم خاصة في ظل ما نراه الآن من تشنجات وتعصبات سواء في الحوارات التلفزيونية أو الدراما التي يراها الأبناء أو من خلال ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي هو فقدان لقواعد التربية وأساليبها، فإشراك الوالدين للأبناء في صنع القرارات الأسرية تنمي فيهم الثقة في النفس وتسهم في صقل شخصياتهم وفي نفس الوقت يقبل الأبناء على إشراك الوالدين في كل ما يخص حياتهم.

القدوة والنموذج
من جانبه، يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء: حرصت الشريعة الإسلامية في إطار دعوتها للحفاظ على مفهوم الأسرة على الدعوة إلى الحوار الإيجابي المستمر بين الآباء والأبناء ولم تدع الشريعة فقط إلى أن يتلطف الابن في الحوار مع الأب، بل دعت أيضاً الأب إلى التلطف وهو يحاور ابنه بحيث يكون الحوار بكل أدب وحب واحترام ونأخذ مثالاً على ذلك «لقمان»، كيف يقنع ابنه ويوصيه بلين ورأفة قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، «سورة لقمان: الآية 13»، وتكرر كلمة «يا بني» لتؤكد على الرحمة والرفق والحب الذي يستطيع به الأب أن يوصل كلامه لابنه، كذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأمثال في كيفية التحاور مع الصغار فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «أُثي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: «يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟»، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله، فأعطاه إياه»، فالغلام جالس عن يمين النبي، والشيوخ عن يساره، ومن السُّنة البدء باليمين، وأيضاً من المتعارف عليه احترام الكبار، وتقديمهم في كل شيء، فاستأذن النبيُّ الغلامَ أن يبدأ بتقديم الماء للكبار، ولكن الغلام رفض أن يتنازل عن حقه، يريد أن يفوز بشرف الشرب من يد الرسول، وهناك حوار آخر دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غلام كانت يده تطيش في الطعام، فيأكل من كل جهة، وأراد النبي أن يعلّمه بطريقة لا تريق ماءَ وجهه، يقول عمر بن أبي سلمى: «كنت غلاماً في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: «يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد».

الحوار ضرورة
يقول الدكتور إسماعيل عبدالرحمن أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: بلا شك، فإن ثقافة الحوار قائمة بين النّاس منذ الأزل، فالحوار ضرورة حتميّة فرضتها طبيعة البشر وفطرتهم المجبولة على التّحدث مع الآخرين والاستماع إليهم، ولقد استمر الحوار بين الأنبياء وأقوامهم، فقد استلزمت الدعوة في كثير من المراحل إلى ضرورة لجوء النبي إلى محاورة قومه من أجل أن يقنعهم ويقيم عليه الحجة بالبرهان والمنطق السليم، وقد بقي نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم ويحاورهم، لذا فالحوار مطلوب حتى يحقق كل فرد من أفراد الأسرة ما يصبو إليه في حياته، فالطالب ينجح ويحقق طموحه والآباء يرون نجاح الأبناء، فيحققون ما كانوا يصبون إليه.
يضيف د. عبدالرحمن: هناك حاجة ماسة لترسيخ أهمية الحوار الأسري في مجتمعاتنا الإسلامية، بل إننا في حاجة لفقه موجه للأسرة المسلمة خاصة في ظل الاضطراب في منظومة القيم الاجتماعية وهجوم القيم المستوردة على مجتمعاتنا وما تمارسه وسائل الإعلام من ترويج غير مبرر للثقافات الغريبة على قيم وتعاليم الإسلام خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية، حيث راحت الأسرة تدفع ثمناً باهظاً في استقرارها ونمط علاقاتها ولا أدل على هذا من انتشار معدلات الطلاق في عموم مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

حوار إيجابي
يشير د. نصر فريد واصل، قائلاً: في إطار التشجيع على الحوار الأسري الإيجابي خلال العام الدراسي لابد من التأكيد على أهمية أن يكون الحوار بعيداً عن التعنيف المستمر من ناحية أو المجاملات المستمرة من ناحية أخرى، فلا بد أن يكون الحوار إيجابياً دون إفراط أو تفريط ولنا في القرآن الكريم المثل والقدوة، حيث يتسم المنهج القرآني بالرفق واللين مع المخاطبين لاستمالتهم حتى ولو كانوا مشركين، فهو يخاطب العقل والعاطفة معاً، حيث أرشد الله نبيه إلى دعوة قومه بالرفق واللين واعتماد أسلوب الإقناع والترغيب، ولا ننسى أيضاً ما ذكره القرآن الكريم متمثلاً في حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام كنموذج للحوار بين الأب الصالح والابن الصالح، فالخليل يبين أنه مأمور من الله بذبح الابن ويحب أن يكون الامتثال من الابن استجابة لا إكراهاً، فيحاوره في ذلك بأسلوب بليغ لابد أن نتخذه قدوة في حوارنا مع أبنائنا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©