الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم محمد إبراهيم: الشعر حيلتي.. وحولي!

إبراهيم محمد إبراهيم: الشعر حيلتي.. وحولي!
28 يونيو 2012
لم يتردد الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم (مواليد 1961) ودفع بخمسة مجاميع شعرية للنشر في وقت واحد. لم يخش ألا يجد بعض مجاميعه ما يستحقه من صدى نقدي أو اعلامي، فهو ينشر ليحفظ نصوصه من الضياع، ولا ينتظر اية اصداء نقدية من ساحة ادبية يعوزها الحضور النقدي الحقيقي وتعمل “بالمساهمات الفردية المتفرقة التي لا تؤثر كثيراً”. وصل مجمل انتاج صاحب “مس من شتاء” الآن إلى 15 مجموعة شعرية، تمثل حصاد ثلاثة عقود زمنية امضاها الشاعر الذي حاز “جائزة الإمارات التقديرية” 2009 متنقلاً بين أساليب الشعر المختلفة.. مكرساً صوته الشاب بين العديد من الأصوات الشعرية الجديدة التي رافقته بدءاً من مطالع التسعينيات حيث نشر أول مجموعة شعرية 1990 بعنوان “صحوة ورق”. عن المتابعة النقدية للإصدارات الجديدة، خصوصا الشعرية منها، يتحدث ابراهيم فيقول: ـ في هذه الحياة ثمة ما هو وهم ويبدو حقيقياً وثمة ما هو حقيقي ويبدو وهماً.. ومن الأوهام التي لطالما تعاملنا معها كحقائق مسألة المتابعة النقدية للكتاب الصادر حديثاً.. هذا التقليد سائد في أوروبا فثمة دور نشر تعرف كيف تستقطب الاهتمام الإعلامي والنقدي لاصداراتها وكيف تقدم كتّابها، اما في الوطن العربي فلا فرق بين اصدارك عشر مجموعات شعرية، دفعة واحدة، أو اصدارك مجموعة واحدة.. الصدى هو ذاته.. ولا يبدو صاحب “فساد الملح” 1997 راضياً عن الحراك النقدي؛ بل هو لا يرى أية حركة نقدية فعلية، وفي رأيه إن “ما تنشره الصحف لا يزيد عن كونه مجرد تقارير خبرية لا صلة لها بالمعرفة النقدية الحقيقية.. لكن ثمة ناقد ذاتي لكل شاعر، وهذا الناقد الذاتي يمكن ان يكون رصيناً أو فطيراً؛ فأمره يخص خبرة الشاعر وقراءاته..، لكنه موجود في اية حال، ومتدخل في حالات الشاعر المختلفة، يقول له أفعل ذلك ولا تفعل كذا ويحكم توجهاته”. عناوين “سكر الوقت”، “سلم الكون”، “لن تفهموا”، و”جبل الراهبات”، “وُلدت ضحى”، هذه هي عناوين المجاميع الشعرية التي تمثل، مشتركة، المرحلة الأخيرة من تجربة إبراهيم وهي متنوعة في أساليبها ومناخاتها، ومصنفة على الاختلاف، برغم انها كُتبت في مواقيت متقاربة، وعنها يقول: “كل شيء مر عليّ في الآونة الأخيرة في هذه الحياة حاورته عبر هذه المجاميع.. متابعتي لما يجري سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، احتكاكي المباشر والتلقائي، بأطياف مختلفة من قضايا ووقائع الواقع، التعثرات والنجاحات، كل ذلك ولّد لديّ أسئلة عديدة ووجدتني أتعاطي معه شعرياً”. وفي اسئلة إبراهيم ما يخص الوجود وفيها ما يتعلق بالمرأة أو الوطن وفيها نبض الحياة اليومية، بين انخفاض وارتفاع، وفيها العابر والمستقر؛ وكل سؤال بالنسبة له هو نص بحد ذاته، يستحق شغل على العبارة وانشغال أكثر بالمجاز. جبل.. وميلاد يجمع إبراهيم في عنونته لمجموعتيه “وُلدت ضحى” و”جبل الراهبات” الصادرتين ضمن منشورات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بين ميقات ميلاده: الضحى.. حيث الضوء والسطوع، ومكانه الحميم: الجبل.. حيث العلو والشموخ؛ وأية قراءة عابرة للمجموعتين توقفك على الكثير مما له صلة إما بالمكان أوالزمان؛ وإجمالاً يبدو صاحب “الطريق إلى رأس التل” مهتما دائما بالبعد الدلالي والجمالي للعنونة، كما يولي عناية خاصة للصورة في ضفر نسيجه الشعري، فيقول: “الصورة هي الأهم بالنسبة للشاعر؛ قد تجد ما يشبهك في الموضوعات ولكن على الصعيد الصورة لا أحد يستلف من أحد، لا احد يمكنه مشاركتي صورتي..”! لكن، ما الذي يميز هذه المجاميع الشعرية الجديدة قياساً إلى ما سبق؟ يجيب إبراهيم: “في بداياتي كنتُ متخوفاً من بعض المسائل الاجتماعية والابداعية والفلسفية وهذه الاصدارات الجديدة هي بمثابة انعتاق من تلك المخاوف. بات بمقدوري الآن ان أسخر مما كان يخيفني في الماضي وأتحداه. كأني ملكت مفتاح الجرأة ورحت افتح كل تلك الأبواب التي استعصت عليّ.. على الأقل على الصعيد النفسي، أو هي محاولة للتغلب على ما كان مستحيلاً..”. لا يميل إبراهيم إلى القطع والحسم ويقول مجيباً على سؤال حول ما يطبع نصوص مجموعته “جبل الراهبات”: “اتنّقل في منطقة رمادية واسعة؛ فلقد توصلت إلى ان ما يريح المرء هو ان يعيش اما على الأبيض أو على الأسود، أي ان يتفاءل أو يتشائم. بالنسبة لي الحياة الحقيقية هي اللعب في المنطقة الرمادية، المنطقة الرمادية هي منطقة الفعل والحياة”. نسأله: تبدو وسطياً؟ يجيب: الحياة ذاتها قائمة على الوسطية.. رؤية كان إبراهيم يكتب الشعر النبطي “الشعبي” في المرحلة الأولية، وبدأ بكتابة الشعر الفصيح في المرحلة الثانوية، وفي المرحلة الجامعية توجه إلى شعر التفعيلة، ولكنه الآن لا يتخذ موقفاً ضدياً أو متجاوزاً عند سؤاله حول الجدل الدائر حول قصيدة النثر إذ يقول: “أنا مع النص الجميل والمختلف؛ فالإبداع هو أن تأتي بما لم يسبقك إليه أحد ليس على مستوى الكلمة أو الموضوعات ولكن على صعيد الصورة، يمكن ان نتشابه في أمور كثيرة لكن هناك بعض الفروق الشخصية ايضا، التي تدل على إبداعيتك بمقابل إبداعية الآخر. اذاً، ما يحكم اختياري هو الإبداع إن وجدته في قصيدة عمودية أعجبني وإن وجدته في قصيدة نثر أعجبني أيضا”. ..ونسأله ما الذي اعطاك أياه الشعر وانت كتبته بالعامية ثم بالفصيح وتنقلت بين اساليبه وتياراته لعقود؟ يجيب: “اعطيت الشعر كل شيء فأعاده إلىّ بأفضل مما اعطيته له؛ منحته وقتي وحصة بيتي وعملي فمنحني رؤية أوسع، تفاؤلاً، وحيلة لمغالبة الحياة ومقاومة منغصاتها.. ومكنني من ابتكار مدينتي الخاصة التي ألجأ اليها كلما ضاقت بي هذه الحياة”. نسأله: الا تعجبك المدينة الواقعية؟ يرد: هذه الأبراج العملاقة تحجر النفس وتضيّق الأفق، تقمع بصرك وتحرمك من التفاعل مع العالم حولك؛ لذلك تجد البدويّ الذي يعيش في الريف أكثر ذكاء وفراسة وصحة وفكرا وحساً.. فمن يعيش في الريف يتنفس خضرة وماء ويمد بصره في الأنحاء.. يثري روحه وقلبه ويعيش.. أما هذه “الآبار المقلوبة” فهي لا تروي العاشق”. إذاً، بين الأودية والجبال، يفضل إبراهيم ان يقضي وقته الخاص فهناك يصفو الذهن وتخضر الخاطرة وتتداعى الصور والذكريات والتأملات.. زاد الشاعر وزيادته! بدايات كان ابراهيم بدأ في نشر شعره 1980م، وخلال فترة وجيزة أحرز مكانة منظورة في المشهد الشعري وصحب حضوره الشعري بالعمل، متطوعاً، في إدارة مؤسسات ولجان ثقافية عدة مثل رئاسته اللجنة الثقافية باتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات لدورتين متتاليتين، ورئاسته اللجنة الثقافية بنادي الشباب الرياضي بدبي، ورئاسته اللجنة الثقافية واللجنة الأدبية بالنادي الثقافي العربي، وهو عضو باتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات واتّحاد الأدباء العرب، وقد شارك في العديد من اللجان المحكمة في المسابقات الثقافية، وعند سؤاله عن دور هذه المؤسسات في الوقت الراهن وصفه بالمهم ولكنه استدرك: “لا يمكن الاعتماد عليه كليةً لخدمة الأدب الإماراتي فهذه المؤسسات محدودة الإمكانيات ولا بد ان تتضافر الجهود بين المؤسسات كافة للتعريف بالمبدع الإماراتي”. وعن أثر معارض الكتب وحفلات التوقيع والأمسيات الشعرية والمهرجانات التي تنظم في الإمارات، يقول: “يبقى أثرها محدوداً ومرتبطاً بمواعيدها ونحن نحتاج إلى ان نقدم ابداعنا ومبدعينا بصفة مستمرة.. ما نحتاجه هو ان تقوم المؤسسات والفعاليات بما لا نستطيع نحن كمبدعين تنفيذه”. شارك إبراهيم في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية العربية، ويعد من الأسماء الشعرية الإماراتية المعروفة على نطاق واسع عربياً، وهو يرد السبب في شهرته إلى حرصه على الاستجابة للدعوات التي تصله من مهرجانات شعرية عربية سواء بصفة شخصية أو عبر اتحاد ادباء وكتّاب الإمارات، وحول فائدة هذه المهرجانات يقول: “أفادتني كثيراً ولقد تعرفت عبر هذه المهرجانات على شعراء وعلى شعر مختلف كما عرّفت بتجربتي وخبرت الكثير من الأمور”. ولكن صاحب “هذا من أنباء الطير” 2000م، يأخذ على المؤسسات الثقافية المحلية ضعف آلياتها وأساليبها في تقديم المبدع المحلي، فيقول: “الساحة المحلية مليئة بالتجارب الإبداعية المهمة في القصة والشعر والرواية، ولكن لا أحد يعرف تقديمها، ولا أتكلم عن تقديمها للجمهور هنا فقط ولكن على مستوى الوطن العربي..”. لم يسبق لإبراهيم ان نشر اصداراته الشعرية في بلدان أخرى فكل نتاجه صدر عن دور نشر محلية، وعند سؤاله عن السبب وراء ذلك أشار إلى انه حاول ولكنه تراجع للطبيعة المتعسفة لتعاقدات دور النشر العربية مع المبدع. على الانترنت يعتمد إبراهيم في الوصول بشعره إلى القارئ العربي، ولقد عُرف في الوسط الثقافي الإماراتي باهتمامه الملحوظ بالمواقع الإلكترونية، وقد انشئ اخيراً موقعاً خاصاً به ونشر عليه كل مجاميعه الشعرية ibrahimmibrahim.com إضافة إلى العديد من الصور واللقاءات والتقارير والقراءات الصحفية. بيت الشعر نسأله: هل يمكن لمجلة “بيت الشعر” التي تشغل رئاسة تحريرها ان تعالج مشكلة الحضور الشعري الإماراتي في الوطن العربي على الأقل؟ ويجيب: “لقد طرقت أبواب كل الشعراء الإماراتيين ودعوتهم إلى تقديم مساهماتهم للمجلة ولكن الاستجابة لا زالت ضعيفة، وآمل ان تزيد مع الأعداد المقبلة، ونحن عملنا منذ الانطلاق على ان تصل “بيت الشعر” بالصوت الشعري الإماراتي والعربي إلى أبعد مدى من خلال قنواتها التوزيعية”. لكن، هل ان ثمة حاجة لاصدار مجلة شعرية بصفة شهرية؟ يجيب: “هناك مئات الشعراء وعشرات الفعاليات الشعرية في الإمارات والوطن العربي، ونحن على ثقة من ان المجلة تستجيب لاحتياج حقيقي في الساحة الأدبية سواء المحلية أو العربية. وللمناسبة نتذكر إننا عندما دخلت الوسائط الاعلامية الحديثة لم نتعاط معها مباشرة، ولكن مع الوقت صارت جزءا أصيلاً من حياتنا.. الشيء نفسه سيحصل مع مجلة “بيت الشعر” وهي لن تقتصر على النتاج المحلي أو العربي ولكنها ستنفتح على كل العالم عبر الترجمة والتقارير والتغطيات وسواها من اشكال الأداء الصحفي”. ويؤكد إبراهيم على ريادة التجربة وعلى اهمية المحافظة عليها، ملحاً على انها مفتوحة للجميع. ولد الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم في دبي واكمل مراحل دراسته الأولية بها، وحاز ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة بيروت العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©