الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مرئيات النص اللامرئي

مرئيات النص اللامرئي
17 أكتوبر 2019 00:03

تسحرك منطقة قلب الشارقة الأثرية، بلوحاتها الواقعية البنائية وأسلوب حكايات جدرانها وبراجيلها ونوافذها وأبوابها الخشبية، وإطلالاتها المتنوعة بين أغاني النخيل والموجات، فتبدو هذه المنطقة مجمعاً ثقافياً متجذراً برائحة المكان ومباخرهِ، متنامياً مع إيقاعات الحداثة المنتشرة في كل مكان، من خلال المباني المخصصة للثقافة والفنون والتراث، مثل بيت الشعر، جمعية التشكيليين، معهد الشارقة للفنون المسرحية، الأروقة الفنية، والمتاحف المختلفة..

وتحتفي مؤسسة الشارقة للفنون حالياً ولغاية مارس 2020، بموسمها (معارض الخريف)، وهو أقرب إلى مهرجان ثقافي تشكيلي متنوع، يشكّل فسيفساء خاصة، وحواراً حضارياً تسامحياً واضحاً، يعكسه البرنامج المتضمن لمجموعة من المعارض الفردية والجماعية التي تضيء على تجارب مؤثرة في المشهد الفني المعاصر في المنطقة والعالم، إضافة إلى ورشات عمل، وجلسات حوارية، وإقامة فنانين، والاهتمام بالشباب، وبذلك تؤكد المؤسسة التزامها بأهدافها ودعمها للمشاريع الفنية حول العالم، ورفد المشهد الثقافي والإبداعي في الشارقة والإمارات ببرامج ومبادرات فنية نوعية.

«بطلة» آدم حنين
تعكس رحلة التشكيلي المصري العربي العالمي آدم حنين، أعمالاً تعود بذاكرتها إلى خمسينيات القرن الماضي، بتقنيات وفنيات مختلفة، وخامات متنوعة، منها الغرانيت، الحجر، المعدن، والأصباغ الطبيعية التي يصنعها الفنان بذاته ربما على الطريقة الفرعونية أو الفينيقية، وورق البردى.
ومن أسرار هذا الفنان أنه يوظف الخطوط والمنحنيات البسيطة في إنتاج بنية دلالية عميقة للوحاته ومنحوتاته المتسمة بالأشكال التجريدية والإيحائية الحداثية، لكن، بأسلوب شعري، وعالم سردي، له مكوناته المتحاورة من خلال الصمت والبوح والديالوغ المنتثر بين كتلة العمل ومنطوقه، وهذا ما يسرده معرضه (علامات فارقة) الذي تقيمه مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع متحف الشارقة للفنون، (21 سبتمبرـ 16 نوفمبر/‏‏2019)، وهو من تقييم الشيخة نورة المعلا.
تصاحب المعروضات التسعين، شاشة تحكي سيرة الفنان حنين الذي أمضى ربع قرن من حياته البالغة (93) عاماً، في أوروبا، متأثراً بحوار الثقافات والشعوب، ومخلصاً لمحليته وتراثه المصري، سواء على صعيد الخامات، أو مجتمعه النحتي وشخوصه وبيئته وطريقة الحياة، ومن أبطاله شخصية أم كلثوم، بملامحها الوجهية الممحوة، والتي تدل عليها علاماتها الأخرى، مثل المنديل، تسريحة الشعر، الثوب، وحركة اليدين التعبيريتين، وللمتأمل أن يستعيد من ذاكرته ما يشاء من أغانيها وموسيقاها عندما يقف أمام منحوتتها.
تبرز المرأة كبطلة رئيسة في نصوص حنين النحتية واللونية، بحالات مختلفة، منها الأم، والفتاة، والأنثى، العاكسة بصمتها لما بدواخلها من أصوات مجتمعية وذاتية، ناظرة إلى المتلقي الذي تنتظر منه أن يفك «الشيفرة»، ويكتب حكاية زينب الفلاحة الفقيرة بدرامية، ويستمع إلى نبضات أم الشهيد، وأحلام الصبايا وهن يحدقن في المتلقي والقاعة والمنحوتات واللوحات الأخرى.
وتنعكس حالة الصمت وشيفراته القابلة للكلام، على أعمال حنين الأخرى، مثل كائناته الطبيعية من نباتات، وقطط، وكلاب، وصقور، وطيور هادئة متسمة بضم أجنحتها إلى جسدها، وكأنها طيور لا ترغب بالتحليق، لكنها تشير، بإيحاءات ما، إلى دواخل نحاتها الذي يحكي من خلالها عن صمته بطريقة فنية، وبالمقابل التناظري، يحكي بأصوات ضمائره الأخرى المجسدة بلوحاته التجريدية المبنية على تشاكلات بين الزخرفة والنقوش الموروثة والحديثة والرموز المسمارية والفرعونية والإنسانية الأخرى، وهذه ثيمة فنية للوحاته القابلة للقراءات المختلفة.
وتستوقفنا منحوتة (القارئ) بلباسه الفلكلوري، وصمته الجليل، وهو يمسك كتابه، متأملاً لدرجة الاستغراق، والانفصال النسبي عن وجوده الاجتماعي الذي يبدو بهيئة أشخاص أمامه تصغي لتأمله، أو تتعلم منه، بينما هو منسجم مع الكلمات المتطايرة في أرجاء المنحوتة البرونزية، الواشية بأنها لشخصية قارئة، معلمة، أو ربما لشخصية (الحكواتي) الشعبية، المنسجمة مع ما تفعله في الحياة.
ومن منظور آخر، تشتبك الذاكرة الفرعونية ورموزها مع الأسلوب التجريدي في أعمال حنين، لتحكي بتشكلاتها الهندسية، والانسيابية، والدائرية، والمنحنية كيف يضاء الوعي واللاوعي، وكيف تطفو ذاكرة التشكلات من بنيتها العميقة إلى بنيتها السطحية، المرسومة بتدرجات الأسود والبني مع خلفية لونية مناسبة، وتلك الملونة بتدرجات الأخضر الزيتي، والأزرق الضبابي، والأحمر الأرجواني، والعنّابي، والأصفر المشع، والمتدرج، والبرتقالي، والترابي، والأبيض.
وتتناظر بعض لوحات آدم حنين تجريدياً، فلسفياً، ونفسياً، لتخبرنا عن الذات ومحيطها، بإشارات برقيّة، تتناغم متضاداتها، لتتداخل، أخيراً، مع الحياة، ومن تلك الأعمال (كتكوت) و(تحول)، وهما من مقتنيات مؤسسة آدم حنين بالقاهرة، ومن خلالهما نتبين كيفية التباس الحسي بالروحي، وكيفية تشكلات الغائب في الحاضر، واستمرارية هذا التحول للكائن الطبيعي سواء كان كائناً طبيعياً، أو عنصراً رمزياً من فكرة ولون وحلم ووجود.
ومن زاوية قرائية أخرى، نجد كيف يجسد الفنان حنين الحياة اليومية في لوحات أخرى أكثر فلكلورية يرافقها سيناريو كلامي بمضمون كتابي له دلالاته الرمزية العميقة، مثل لوحة الشاعر، ونصها المكتوب بأسلوب شعري ساخر وتأملي.
ولا يمزج حنين البعد النحتي بتقليدية في لوحاته اللونية، لأنه يريد لرموزه أن تكون نقطة غير منظورة لالتقاء موسيقاه الداخلية مع موسيقا العناصر الفنية، ليظهر هذا التمازج الغائب بشكل كلاسيكي حداثي، وبإمكاننا العثور على هذا التداخل بين النحت والرسم في عدة أعمال، تنفر ألوانها وكتلتها بشكل شفيف، فتبدو على هيئة جدار محفوف بأشكال عمرانية بلا ملامح محددة، وبأشكال تبرز فيها الذاكرة قريباً من الحلم، بينما تنساب المخيلة لترصد كائنات أخرى سابحة بين الرومانسية، والواقعية، والرمزية، والتجريدية، والسوريالية.

الظل ضوء الصورة
يحتفي معرض (في مقابل التصوير) بتاريخ تفصيلي للمؤسسة العربية للصورة، ومقتنياتها من خلال أعمال ومساهمات مؤسسها المشارك الفنان الفوتوغرافي أكرم زعتري، (27 سبتمبرـ 10 يناير القادم)، في الرواقين (3/‏‏4) ساحة المريجة، وهو من تقييم هيواوي تشو وبارتوميو ماري.
ويشكّل هذا المعرض خطاً بيانياً لكيفية تطور المؤسسة العربية للصورة خلال 20 عاماً، وكيفية انطلاقة الصورة وحياتها ومجتمعها كونها تشكل ذاكرة للكاميرا كآلة حديثة غيرت الحياة، ومن زاوية لافتة أخرى، كيفية تحويل هذا النص المرئي إلى لوحات فنية فوتوغرافية أيضاً، مما يجعل المعرض في حيز (تصوير مقابل التصوير)، أو (نص متوالد من نص)، ولذلك يبرز شريط التصوير (النيغاتيف) كأحد أبطال المعرض، الذي يروي تفاصيل المجتمع بعاداته وحياته ومعاناته، في عناوين مختلفة، منها (أطلال عراقية، أساس الطبقية، الثورة، الرجوع عن تقسيم التاريخ، حمى الأرشيف، خريطة مجموعات الصور، عن الصورة والفقدان وزمن النضال، عن الصورة والناس والزمن الحديث، بريق).
ونلاحظ كيف يحدثنا عنوان (جسم الفيلم) عن الدمار والحرب والتشرد والحزن والخراب الذي أصاب حتى شريط الفيلم السالب (النيغاتيف)، وتبرز في هذه الصور السالبة حالة المكان المنهارة بدءاً من منزل المصور أنترانيك باكردجيان الذي التقطها عام 1948 في منطقة الحي الأرمني في القدس، بينما يختار زعتري لعمله (وجوه في وجوه) أزواجاً من الصفائح الزجاجية تُظهر، تبعاً لما جاء في الكتيب المرافق للمعرض، جنوداً فرنسيين مدموجين مع غيرهم من الأناس العاديين من مواطني طرابلس اللبنانية، وهي عبارة عن لقطات للمصور المقيم في طرابلس أنترانيك أنونشيان في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي.
ويشدنا (النحت مع الزمن) إلى تلك الآثار المترسبة مع مرور الوقت على أرواحنا والمكان وأجسادنا ونفوسنا، فتبدو الفقاعات والتجاعيد على شخوص (النيغاتيف) وشريطه وصوره السالبة، التي يقول عنها الزعتري في الكتيب المرافق: «المجموعة الأولى تصور تفصيلاً واحداً تم التقاطه بثلاثة إعدادات ضوئية مختلفة للإلمام بتجاعيد المادة، ولتمييز الفقاعات الهوائية عن الصورة المسجلة على النيغاتيف، أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن لقطات مقربة لسيدتين تظهر التجاعيد أيضا»ً.
وتعيدنا سلسلة الصور (رجال يتصورون أثناء عبورهم جسر عين الحلوة)، المشكّلة كجدارية للذاكرة، إلى صياغة مشروع للزعتري كانت بعنوان «المركبة: تصوير لحظات الانتقال والتحول في مجتمع الحداثة 1999»، ويشرح لنا حكايات هذه الصور في كتيبه: «في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، تم بناء جسر خرساني صغير في وسط الحقول الزراعية، بالقرب من عين الحلوة بصيدا، جنوب لبنان، وفر الجسر الجديد للمشاة امتداداً لمتنزهاتهم، بعيداً عن المسارات الموحلة المعتادة، وكان المصور هاشم المدني يتردد على هذا الموقع ويعرض على المتنزهين خدماته بتصويرهم مقابل أجر صغير، فكان المشاة يتخذون وضعيات مع أصدقائهم ودراجاتهم النارية والسيارات أو الشاحنات العابرة، وقد وفر لهم الجسر الخلفية الحديثة المطلوبة».
ويلمع (ظل المصور) في فنيات سلسلة اللقطات كشخصية رئيسة، تبرز في المشهد الذي يصوره، والوضعية التي يتخذها أثناء التصوير، وبذلك يكون الظل محوراً لسردية اللقطات النيغاتيفية، وهي تفك خيوطها الحوارية بين المكونات والعناصر الحاضرة في المشهد من أشياء وطبيعة وناس، تاركة لهذه الثيمة أن تعيد الذاكرة إلى لحظة التصوير بالأبيض والأسود، ثم ظهور التصوير الملون وهذا ما يفرد له الزعتري عنواناً آخر (كيتي في «سي إم يو كي»).
ويأخذنا الفنان في (أركيولوجيا) إلى أربعينيات القرن الماضي، من خلال العثور على لوحة زجاجية في استوديو غمرته المياه في طرابلس، بطلها رياضي عارٍ، لكن الزعتري يغطيه بالتراب والأوساخ والمعادن والزجاج المكسور، لتبدو هذه الصورة قطعة أثرية حديثة الاكتشاف.
بينما ترحل بنا عبْر الزمن والوسائط مجموعته التي حملت عنوان المعرض (في مقابل التصوير)، المؤلفة من 12 صفيحة من الألمنيوم المحفور رقمياً، و12 نقشاً أبيض، و12 رقاقة ألمنيوم، و12 نقشاً أسود، و12 طبعة نقش غائر، صنّعت لتظهر مسحاً ثلاثي الأبعاد لصور سالبة جيلاتينية متعددة تفاعلت مع الظروف البيئية فأنتجت أشكالاً مختلفة.
وتضعنا صورة (النافذة الثالثة) في حالة من التساؤل والتأمل والإجابات المتعددة، لأنها صورة لإطار لوحة، واللوحة بلا عناصر ولا شخوص، بل فراغ لانهائي يتسع داخل فضاء لا نهائي يتسع، وهذا يدفعنا لاكتشاف هذه الصورة من كتيب المعرض، الذي يشرح لنا كيف يحتفل الفن بروح الشهيدة نهلة هيدوس، قانا عام 1996، والتي أطّرت صورتها بثلاثة إجراءات، أولها صورة هوية وضعت على قبرها مع ورود غطت شعرها، وثانيها إعادة نسخ هذه الصورة مع الورود البلاستيكية، وثالثها إعادة إنتاج الصورة المؤطرة لبورتريه نهلة الأصلي على مسطح شفاف.

الموسيقا.. دبلوماسية ناعمة
تحتفي مؤسسة الشارقة للفنون بالشراكة مع العربية للطيران، (27 سبتمبر 2019 ـ 10 يناير 2020/‏‏ رواق6ـ ساحة المريجة)، بـالنسخة الثانية من (معرض ومشروع 32: إعادة تسجيل)، من برنامج العربية للطيران لإقامة القيمين، وهو معرض بحثي تنظمه القيمة بهافيشا بانتشيا، أسهم فيه كل من حسن الحجيري، جو نعمة، جوليا تيكي، جمانة مناع، ومحوره الموسيقا ووسائطها بصفتها بطلاً عالمياً في الدبلوماسية الثقافية الناعمة، ومن المعروضات أسطوانات الفينيل، الأعمال الصوتية، عروض الأداء، الأعمال التركيبية، إضافة إلى لقطات مشهدية صورية لبعض الأفلام، وصور لأغلفة بعض الأسطوانات الموسيقية.
وتبدأ ذاكرة المعروضات من المؤتمر الأول للموسيقا العربية الذي استضافته القاهرة عام 1932، لتخبرنا عن متغيرات الهوية والتاريخ والثقافة المتجسدة في الظواهر الموسيقية، وكيف تُستخدم الآلات الموسيقية والتدوين والسلم الموسيقي كمنصات للاستقصاء ودراسة الانقسامات الإيديولوجية والمعرفية، والتي توحدها، رغم اختلاف العوالم والأفكار الإنسانية، الموسيقا بأشكالها المختلفة: الرومانسية، الوجدانية، الغنائية، التمثيلية، التصويرية، المسرحية.

فلسفة شظايا الضوء
ويحضر المعرض الاستعادي للفنانة الإيرانية الراحلة منير شهرودي فارمنفرمايان (شروق.. غروب)، في استوديوهات الحمرية (12أكتوبرـ 28 ديسمبر2019)، والذي تقيمه مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع المتحف الإيرلندي للفن الحديث، وهو من تقييم الشيخة حور بنت سلطان القاسمي وريتشل توماس، ليضيء عوالم الفنانة الإيرانية العالمية الراحلة عام 2019، التي قضت أكثر من 60 عاماً مع الفن، بين إيران ونيويورك، مناغِـمةً أبعاد الثقافتين الشرقية والغربية وتجريداتهما وتحولاتهما المنطلقة من محور الفنيات الجمالية المحلية الفارسية.
وهذا ما تلفتهُ مجموعة أعمالها المتجاوزة لسبعين عملاً معروضاً، بين النحت والرسم وتصاميم المجوهرات والكولاج والأعمال الورقية والموتيفات الملونة وفنون العمارة الإسلامية والشرقية، والسرد التشكيلي المتوازن بين الأشكال الهندسية، والضوء والظل، والكتلة والفراغ، والزخرفة والمنمنمات، والألوان الحادة والهادئة واللطيفة والحارة والباردة، إضافة إلى الخامات المتنوعة، ومنها المرايا والمعدن والزجاج.
وتتضح الجماليات في أعمال منير شهروردي من خلال تشكيلية الضوء ومراياهُ المتشظية، وما تنتجه من حركية لونية معشقة متجددة، متعددة الزوايا البصرية والإبصارية، متداخلة مع حركية الفراغ، والفلسفة الصوفية، وإشاريات علم الكون، والأشكال الهندسية من دائرة ومثلث ومربع، وجزئيات الكائنات الطبيعية من فراشة ونبتة وهلال وتويجات، وأجنحة، وهذه الفنيات المشتبكة تنتج حالةً مختلفة لدوران الظلال ومنطوقها المتداخل مع دلالات الخطوط وأشكالها وأشعتها وصمتها الخيالي المتأمل الملون بالأحمر والأزرق والترابي والزمردي والأصفر والفضي والبنفسجي والأسود والأبيض.

رفاهية الروح والطموح
تظهر (أرض المرح) في معرض استضافه بيت السركال ـ ساحة الفنون، (12 أكتوبر2019 ـ 12 يناير2020)، للفنانة الباكستانية باني عبيدي، وهو من تقييم الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيس المؤسسة، وناتاشا غينوالا، ويتضمن فيديوهات وصوراً فوتوغرافية وأعمالاً صوتية وتركيبية، إلى جانب عملين جديدين أنتجتهما الفنانة بتكليف من المؤسسة، وجميع الأعمال تعكس تجربة عبيدي التي أمضتها متسائلة مع المتلقي عن الذاكرة الشخصية والوطنية وعلم السياسة الطبيعية، مرتكزة على عدة عوامل فنية وحياتية، منها حس الدعابة الساخر، والشخصيات الواقعية والافتراضية والمتخيلة، راصدة الحياة بيومياتها المتكررة والاستثنائية، وكيف يحلم الإنسان بالفرح والسعادة عبْر مراحل عمره المختلفة، فالطفل يفضل اللعب والتعلم، والشاب يفضل المرح والعمل، والبالغ 45 سنة يحلم بالراحة والكرامة والوقار، بينما تحلم المرأة أن تحيا برفاهية إنسانية روحية لا مادية، أمّا السؤال الأهم، فهو كيف يمكن للإنسان أن يواصل فرحه إذا لم يكن وفياً لأرضه وللمحبة والتسامح والسلام؟

هجرة زرقاء هائلة
تبرز عمليات البناء كفضاء فني في المعرض الفردي للفنان اللبناني مروان رشماوي الفائز بجائزة بونيفانتن للفنون المعاصرة 2019، في الرواقين (1/‏‏2) ساحة المريجة، (2 نوفمبر 2019ـ 2 فبراير2020)، وهو من تقييم زينب أوز، وتنظيم متحف بونيفانتن وماستريخت ومؤسسة الشارقة للفنون.
والملفت، في تجربة رشماوي، أن الفضاء الجمالي ناتج عن استعارات المكان ومحاولته التوثيقية عبر مواقع بناء حقيقية وهياكل أساسية، وظفها الفنان كحالة لعلم الآثار في الفن، وجعلها في المجال النشط من خلال أعمال الحفريات والتنقيب وتثبيت التربة وإعادة البناء، إضافة لتوظيفه للمواد الواقعية كالإسمنت والمطاط والقطران والزجاج، وهذا ما يمنح سلاسل أعماله المعنونة بـ(المباني، الدعائم، التطريز)، وحالياً (مربعات مائلة)، حالة ديناميكية لمشاهد الحياة وحركياتها بين انقطاع وسكوت، وتواصُل وكلام، وتوزيعات تركيبية لإيقاعاتها اللونية والخطية بطريقة متشاكلة مع البعد السكاني لبيروت، وتحولاتها العمرانية بين الإنشاء والاستكمال والهجرة والإقامة والاستمرار، وربما تبدو هذه الشبكة من العلائق ثيمة لوحاته وتشكيلاته ومجسماته، وتحولات ألوانها الحياتية اليومية، لتحكي عن ما وراء الجدران من آلام ومعاناة لشخصيات لامرئية تسكن المربعات، لكنها تظل في نصوص التحدي من أجل الحياة، وهذا ما يجسده رشماوي بإحساسه الفني بجغرافية المكان وديموغرافيته وروحه ومكوناته، ويدفعه إلى تشكيل كائنات رمزية من الطحالب والتراب والأسلاك؛ وإلى تشييد (المدن) المعاصرة وتأويلاتها البرجية، كما يمزج بين الحجر والورق لينتج كتباً، ويناغم بين التراب والضوء لينتج خبزاً، وبذلك يحكي عن إنسان مضمخ بالتعب اللا نهائي، والطموح اللا نهائي، وهذا ما يجعل أعماله حاضرة في كل من المجموعات الفنية لجوجنهايم أبو ظبي، تيت مودرن ـ لندن، مركز بومبيدو ـ باريس، ومؤسسة الشارقة للفنون.

منصة الأفلام.. النصّ الغائب
تختتم المؤسسة برنامجها لعام 2019، بالدورة الثانية من (منصة الشارقة للأفلام) في ديسمبر، في كل من سينما سراب المدينة وسينما الحمراء بالشارقة، إضافة إلى العديد من ورش العمل والجلسات الحوارية التي تتطرق لأهم القضايا والعوائق التي تشغل أوساط صناعة السينما، كما تقدم منحة إنتاج الأفلام القصيرة التي يقدم الفائزون بها أفلامهم لتعرض ضمن برنامج المنصة.
ويعتبر (نقطة لقاء) عرضَ كتاب سنوي متخصص بمختلف إصدارات الناشرين والمنتجات الفنية محلياً وإقليمياً وعالمياً، بين (14 و16 نوفمبر 2019)، وعن هذا المعرض، أخبرنا الفنان إسماعيل الرفاعي مستشار مؤسسة الشارقة للفنون: هو لقاء بالكتب الفنية، الصادرة عن مؤسسة الشارقة للفنون، والتي تقدم منحاً لدور النشر المعنية في الفنون عربياً وعالمياً، ويتضمن المعرض ورشاً فنية، ومحاضرات وجلسات، وكل ما يتعلق بالكتاب الفني، إضافة إلى عرض الإصدارات الجديدة في هذا المجال، واستضافة دُور نشر معروفة. وعندما سألنا الرفاعي عن النص الغائب من معارض الخريف؟ أجابنا: هو تلك الفعاليات والأحداث واللقاءات الحوارية الفنية والثقافية الإنسانية من خلال ما تجسده هذه المعارض، مثل معرض آدم حنين وتجربته الممثلة لمقاربة بصرية متفردة لإرثه الفرعوني والإرث العالمي، كونه عاصر أهم الحركات التشكيلية في أوروبا مع محافظته على هويته البصرية وموضوعاته المحلية اليومية، وأعماله إضافة حقيقية للنحت العربي، خصوصاً وأنه يميل إلى البعد الرمزي للفن المصري تلخيصاً وتبسيطاً في الكتلة النحتية، مجسداً (نحت الأنوار)، أي أنه ينحت النور الداخلي الذي يشع من خاماته المتنوعة، وصروحه التي يشيدها بالشاعرية، وموسيقا طيفية الأشكال. وأضاف: و(في مقابل التصوير) يقدم الزعتري معرضاً فوتوغرافياً يعيد فيه تعريف الصورة من خلال أبعادها ودلالاتها الثقافية ومفاهيمها الاجتماعية، أي تحويل الصورة من خطاب توثيقي إلى خطاب فني.
وعن حضور المتلقي، أجابنا الرفاعي: هناك حضور حقيقي ومهم، خصوصاً في الافتتاحات، أما بقية الأيام فالحضور غير متناسب مع هذه المعارض القوية والعالية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©