الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوحات رافع الناصري تجمع جماليات الحداثة بروحانية الأصالة

لوحات رافع الناصري تجمع جماليات الحداثة بروحانية الأصالة
8 يوليو 2014 00:22
مجدي عثمان (القاهرة) ارتبط الفنان التشكيلي رافع الناصري بالحرف العربي من جهة الغرب، حيث سافر إلى البرتغال في عام 1967 ليدرس الحفر على النحاس في لشبونة، فاكتشف جماليات الحرف العربي، وأدخله في تكوينات تجريدية، وبعد عودته إلى بغداد في العام 1969، أسس مع ضياء العزّاوي وإسماعيل فتّاح الترك جماعة «الرؤية الجديدة»، وأصدروا بياناً التزموا فيه بالتراث، مع رفضهم اعتباره قيداً، متطلعين نحو المعاصرة وكسر القيود التي كبّلتها الهزيمة، موضحين أنهم أرادوا إعادة الاعتبار إلى الإنسان والمثقف العربي، كما شارك في العام 1971 في تأسيس تجمّع «البعد الواحد» مع شاكر حسن آل سعيد صاحب التأملات الخاصة في الحرف العربي. قال الناصري: إن تجربته في أوروبا قد وضعته أمام مادية العلاقات وميكانيكية الحياة وهندسية المعالم في كل شيء، فجاء التفاعل بطيئاً، ومن خلال الممارسات والتفتح، تمكن من خوض تجربة وفّق فيها ما بين المعاصرة والحداثة، وبين الروحانية والأصالة الشرقية، وإن تجربته الصينية ظلت تحتفظ بوقع خاص، وإنها صاحبة فضل كبير في تطوير أدواته الفنية وبلورتها في وقت مبكر، إلا أنها لم تكن قادرة على منحه ما يريد فرفض كل ما عمل، وظل المسافر المتعب الذي تمزقه رؤية الاكتشاف للأرض الجديدة. الفنون الجميلة وأوضح أن الرغبات الشخصية العميقة تُصقل حتى تتحقّق، لذلك التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، منتقلاً إليها من مسقط رأسه تكريت، وتخرج في المعهد في التاسعة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الصين لمواصلة البحث والدراسة، وهناك شعر بتلاقٍ روحي عجيب، حيث فتن بالفنون الصينية في الرسم والخط، مقارنا، أننا كنا متأثرين بالرسم والتصوير في الغرب، بينما الصينيون يستخدمون الحبر، ويستغلون حيز أو فراغ مسطح الرسم بشكل مغاير تماماً، حيث للحيز الخالي من الرسم دلالته، وأنه استفاد كثيراً من تلك المرحلة لبناء شخصيته بالتوافق مع بنائه الفني. وأضاف أنه كان مهيئاً للتجريد، لكن التجريد وحده أسلوب إشاري وخطي هندسي، اختزال ورمز، وإنه يريد أن يكون فناناً بتقنيات غربية حديثة من خلال التجريد، وأن يكون عربياً وإسلامياً «عراقياً» من خلال المواد المستعملة وعمق اللوحة، فاهتدى للحرف العربي، وإنه استخدم الحروف ذات الامتدادات والانحناءات المنسابة، كالواو والهاء والميم والسين، مؤكداً أن الفن هو الشيء الجديد، الإضافة، وأن العمل الفني إذا افتقد الجديد من الشكل والمضمون، فهو ليس فنا أبداً، وإنما يصير حرفة فقط، كما أن تقليد الفنانين ونسخ أساليبهم ليست فن على الإطلاق، بل تطفل وسرقة. أشكال مجردة وقالت زوجته الشاعرة والقاصة مي مظفر الخالدي: حين شرع الناصري بالبحث عمَّا يمكن أن يميز أشكاله المجردة، لجأ إلى الحرف العربي لما وجد فيه من خصائص ثقافية وشكلية ذات طابع شرقي، وجاء استخدامه لهذا الحرف ضمن تصويره سطوحا متجاورة، أو متداخلة ذات ألوان صافية، وقد ظل الحرف العربي واحداً من الرموز الأثيرة إلى نفس الفنان، يتجلى لديه في حالات مختلفة، فهو وإن لم يعد يشكل العنصر الرئيس في اللوحة، إلا أن ظهوره ظل يتكرر بين حين وآخر في ثنايا التكوين من بين إشارات أخرى ذات دلالة على الوجود الإنساني. وتابعت: إن خصائص الحرف العربي تجعله قابلاً لتمثيل لوحة يكون الحرف فيها ذا طابع تعبيري مرن ومتنوع، لا مجرّد عنصر تزيينيّ مضاف، حيث جعله الناصري عنصراً مركزياً بقوة تعبيرية أخاذة، تنجذب إليه كل عناصر العمل الفني الأخرى، وهذا ما خلَّص الحرف العربي من أن يكون مجرد قيمة زخرفية جمالية، بل جعله عنصراً قادراً على تحقيق مزاج متنوع، يؤدي فيه اللون دوراً أساسياً، وتلاحظ طريقة عمله الذي كان يقتصر على ساعات المساء، حيث يفترش الأرض وينحني على سطح لوحته لا يرفع رأسه إلا بعد أن يبلغ به التعب مبلغه، وإن الناصري لا يرسم ما يرى من مشاهد، ولكن من الذاكرة، وهو ما اكتسبه من دروسه الأولى في الصين، فعيناه دائمتا البحث عما يحيط به من تفاصيل. وقال عن أعماله الفنان والناقد الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا، والذي ذكر الناصري إنه لم ينجز مجموعة فنية إلا وسأله رأيه فيها: هو واحد من هؤلاء الفنانين يمتاز بقدرته الخاصة على الدمج بين إمكانيات الحرف الشكلية وإمكانيات الجرافيك والتلوين على نحو لا نخطئ فيه نظرته الصوفية، ولكن لابد من القول إن تجربة رافع الناصري الأساسية هي تجربة المطلق، إنها محاولة الإمساك بما هو بعيد ومتغلغل في المجاهل الذهنية. معادلة ثنائية عن رؤيته الفنية، قال الناصري إن للرسام معادلة ثنائية، طرفها الأول ذاكرته البصرية والثاني وسيلة التعبير، فكلاهما يكمل الآخر، وعلى الرسام أن يطور كلا الطرفين في آن معا، فكل العناصر تساعد على بلورة وتكثيف الرؤية الفنية لدى الرسام، وأهمها تنشيط بصرياته وأفكاره، ثم وسائل الأداء من مواد وتقنيات، وصولاً إلى أسلوبية ستميزه عن بقية الرسامين على امتداد ومختلف مراحله. ومن جانبه، قال الفنان الدكتور كاظم شمهود: إن الناصري بعد خوض تجربته الغربية تحول إلى التجريد، وأدخل الحرف العربي إلى أعماله كونه ذا طاقة جمالية كبيرة، ويحمل في طياته حساً روحياً، وهي ظاهرة نجدها عند الفن الصيني، حيث يتميز بكتابة الشعر والعبارات على الرسوم وبالتالي أصبح الشعر والرسم والخط كتلة فنية واحدة تسر الناظر إليها، وامتازت أعماله بالمساحات الواسعة والسكون والهدوء الذي يحملنا أحياناً إلى عالم مجهول يصعب قراءته، وأنه قد وظف الشعر العربي في الرسم والتشكيل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©