الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كبار المواطنين».. نهر العطاء وخزائن التقاليد

«كبار المواطنين».. نهر العطاء وخزائن التقاليد
11 أكتوبر 2019 03:07

أحمد السعداوي، وأشرف جمعة (أبوظبي)

عرفت المجالس الإماراتية قديماً وحديثاً دور كبار المواطنين، باعتبارهم محطات لها أجنحة، وخطواتهم خرائط حية، وذاكرتهم واحات خضراء تستظل بها الأجيال، فكبار المواطنين هم الحكمة النابضة، إليهم ترجع أمور العائلة الممتدة، وفي حضورهم تعظم الكلمة، حين يفتحون لنا خزائن الأيام بأصواتهم التي تختزل الحكمة، وأرواحهم التي طوفت في الزمان والمكان، ومن هذا المنطلق حقق «مجلس الحكماء» بمؤسسة التنمية الأسرية نقلة نوعية لخدمة بركة الدار، من خلال إشراك كبار المواطنين في اقتراح ما يناسب كل منطقة، وإبداء آرائهم بما يخدم هذه الفئة، وقد تم تأهيل 16 مدرباً من كوادر المؤسسة لتنفيذ الخدمة ورفع كفاءتها بنسبة 100%.
ووصل إجمالي المشاركين في برامج المؤسسة، من كبار المواطنين والمقبلين 2561 فرداً، خلال النصف الأول 2019، إلى ذلك قالت خولة الكعبي، رئيسة قسم المسنين بمؤسسة التنمية الأسرية، إنه تم اعتماد منهجية مجلس الحكماء، بهدف مشاركة كبار المواطنين في تصميم الفعاليات السنوية في كل مركز وفق احتياجاتهم، وبما يضمن مشاركة فاعلة لهم مستقبلاً.

مكانة كبيرة
يقول الباحث التراثي، الدكتور راشد المزروعي: كبار المواطنين، سواء في الماضي أو الحاضر، يجلسون في مقدمة المجالس، وتقدم إليهم القهوة أيضاً، حيث يأخذون «رأس الدلة» كما هو دارج في الثقافة الشعبية، لافتاً إلى أن هذه العادات المرتبطة بهم لا تزال موصولة في هذا العصر، وهذا دليل على مكانتهم، وعلى الرغم مما يتمتع به جميع كبار المواطنين من احترام ومحبة، لكن بعضهم من يقال عنه حكيماً، خاصة هؤلاء الذين إذا تكلموا صمت الجميع، لما عرف عنهم من فضل وقدرة على الفصل في الكثير من الأمور التي يصعب حلها، وتتشاكل على الكبار والصغار، لافتاً إلى أنهم في كل زمان ومكان هم درر المجالس، حيث تفيض صدورهم بحكايات الماضي، وينقلون العادات والتقاليد، ويمتلكون قدراً كبيراً من الأمثال التي جرت على ألسنتهم، وأصبحت في هذا العصر من الموروث الذي يدون خوفاً عليه من الضياع، حيث تشكل الأمثال حياتهم، وتعبر عن حكمتهم النافذة، ومعالجتهم للكثير من القضايا بما يتناسب مع طريقة تفكيرهم وقدرتهم على فهم الأمور وتقييمها، مشيراً إلى أن هذه الأمثال تعد كنوزاً تاريخية، حيث إن كل مثل يعبر عن قيمة، ويظهر بجلاء مدى التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة، ويرى أن مروياتهم الشفهية في هذا العصر هي القيمة التي تعطي لأجيال المستقبل خلاصة التجارب.

ثروة بشرية
يقول سعيد المناعي، مدير إدارة الأنشطة في نادي تراث الإمارات، إن النادي يولي اهتماماً كبيراً بكبار المواطنين، باعتبارهم ثروة بشرية وكنوزاً تراثية موجودة وتعيش معنا، ولذلك لا بد من الاحتفاء بهم، ويترجم هذا الاحتفاء بشكل عملي، عبر إتاحة فرص عمل بالنادي والمراكز التابعة له، فهناك العديد منهم يعتبرون مستشارين تراثيين، وكذلك الوالدات يتم الاستعانة بهم في تدريب الزهرات الصغيرات على الحرف التراثية، وتعليمهن العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، ويمتد هذا الاحتفاء والتكريم بكبار المواطنين إلى مؤسسات وهيئات عديدة بالدولة، وعلى سبيل المثال، التكريم الذي حصل عليه الوالد حثبور بن كداس الرميثي، من معهد الشارقة للتراث، خلال الاحتفال بيوم الراوي، نهاية الشهر الماضي، وكذا تكريم الوالدة سعيدة الواحدي في الاحتفالية ذاتها، وهذا أنموذج بسيط للاحتفاء بهذه الشريحة المهمة في الدولة.

بركة الدار
ولفت المناعي، إلى أن كبار المواطنين يعدون المصدر الرئيس للتراث، بحكم أنهم عايشوا مراحل مهمة في تاريخ الدولة، كما أن لهم أسلوباً تربوياً جذاباً وبسيطاً في توصيل الحكاوي والأفكار والعادات القديمة للصغار، ما يحببهم في التراث خاصة في ظل الرفق، وأخلاقيات أهل الإمارات التي يغرسونها في الأجيال الجديدة، عبر الورش والمحاضرات المختلفة التي ينظمها النادي على مدار العام.
وأكد أن كبار المواطنين، يمثلون مصدراً للطاقة الإيجابية في المجتمع، وهم بركة الدار، بما لهم من حضور آسر في كافة المحافل التي يتواجدون بها، وهو ما يلاحظه الجميع في الفعاليات التراثية، حين تمتلأ الأجنحة التي يتواجد فيها خبراء التراث من كبار المواطنين بأعداد كبيرة من الجمهور من كافة الجنسيات، وهنا نشير إلى الدور الكبير الذي تقوم به الدولة في الاهتمام بهذه الفئة الغالية من المجتمع، وأكبر مثال على ذلك تغيير المسمى إلى كبار المواطنين بدلاً من كبار السن، إجلالاً لقيمتهم ودورهم في المجتمع.

مبادرات هادفة
ومن كبار المواطنين أشاد الوالد راشد محمد القبيسي، الذي يعمل خبيراً تراثياً بنادي تراث الإمارات، بالقدر الكبير من الاهتمام الذي يلقاه كبار المواطنين من قبل كافة مؤسسات الدولة، وهذا ليس بغريب على المجتمع الإماراتي، الذي يمتد عطاؤه للجميع صغاراً وكباراً، ولا تتوقف هذه المبادرات الهادفة لإسعاد كبار المواطنين على مدار العام.
في حين أشاد جمعة سالم جمعة الرميثي، بإتاحة الفرصة له ولغيره من كبار المواطنين، بتقديم ما لديهم من عادات وتقاليد ومهن، توارثوها من الأجداد إلى الأجيال الجديدة، وهذا يجعلهم يشعرون بأنهم يقدمون شيئاً مهماً في المجتمع، خاصة في ظل وجود عديد من الجنسيات والثقافات على أرض الإمارات، فيقوم كبار السن بدورهم في حفظ الهوية الوطنية، عبر هذه المجهودات، وفي الوقت ذاته تعويد الصغار على احترام الآخرين، والتعامل معهم وفق السنع والمواجيب الإماراتية. مؤكداً أن تواصل كبار المواطنين مع الأجيال الجديدة يعد من التجارب المهمة في هذه المرحلة العمرية المتقدمة، التي تتراكم فيها الخبرات بشكل كبير، وينبغي أن يستفيد منها الجميع، وهو ما يحرص عليه هو وأقرانه من خبراء التراث، سواء في النادي أو خارجه.

فعاليات وأحداث
هلال محمد المهيري، أحد كبار الموطنين، أوضح أن تهيئة فرصة التقاء كبار المواطنين معاً، عبر عديد من الفعاليات والأحداث المهمة في الدولة، والتي ترعاها المؤسسات والهيئات المختلفة، ومنها نادي تراث الإمارات، يعتبر وسيلة مهمة لقضاء أوقاتهم، بما يعود عليهم بالطاقة الإيجابية وتبادل الحكايات مع الأصدقاء والأقران، ممن مروا بتجارب وعاشوا في ظروف مشابهة من فترات زمنية بعيدة، وهذا بحد ذاته يعود بالإيجاب على الصحة النفسية والبدنية لكبار المواطنين، الذين لم تقصر الدولة وشيوخها، حفظهم الله، في توفير كل سبل الراحة لهم من علاج بأرقى المستويات، وغيرها من أساليب الحياة، التي جعلت من الإمارات نموذجاً رائعاً في التعامل مع كبار المواطنين.

أصحاب الخبرة
لفت المدرب التراثي، فلاح بن بشر العامري، إلى أن كبار المواطنين قدموا للحياة الاجتماعية الكثير، بفضل حكمة النابغين منهم، مشيراً إلى أنهم يمثلون الرصيد الكبير في الحياة الإماراتية، وأن الأحياء منهم يضعون لبنات مهمة في الموروث الشعبي، بفضل إسهاماتهم في نقل قيم الماضي، لافتاً إلى أن من كان يملك الفصل بين الناس في الماضي هم أصحاب الخبرة.

«من دلائل الحكمة»
أوضحت مستشارة البحوث في الأرشيف الوطني، الدكتورة عائشة بالخير، أنه جرت العادة أن يكون كبار المواطنين هم حلقة وصل بين ماضٍ عريق وحاضر مشرق، وأنهم مارسوا دورهم الإنساني والحضاري والاستثنائي بوعي، من خلال الجلوس مع الأحفاد، ومن ثم سرد حكايات العادات والتقاليد، وتعليمهم أشياء كثيرة بوعي وحكمة، وأنه من دلائل الحكمة عند الكثيرين منهم أنهم كانوا ولا يزالون يجلسون مع الأجيال الجديدة، ويطلبون منهم أن يحدثوهم عما استوعبوه من حكاياتهم، وما ألمحوا إليه بخصوص بعض العادات والتقاليد، ليتأكدوا من أنهم تشربوا ما باحوا به لهم.
وأشارت، إلى أنهم من تمام حكمة العديد منهم، أنهم كانوا يفصلون في المجالس بين الناس، أي أنهم كانوا قضاة ينطقون بالحكمة، وأن من يصل إلى هذه المنزلة هو من يقال عنه حكيماً، بخاصة ذلك الذي يستشير بعض الحضور من ذوي العقل والرجاحة، قبل أن ينطق بحكم هو ما يسمى في الموروث الشعبي «ديمقراطية الصحراء».

بر وبحر
يذكر الباحث التراثي عبدالله عبدالرحمن، أن كبار المواطنين في الماضي حققوا الأمان في المجتمع، من خلال مشورتهم وقدرتهم على التفاعل مع قضايا المجتمع، وأن من امتلك الحكمة منهم، فإنه يكون الملاذ للآخرين، من أجل الاستنارة من فكرة واللجوء إليه في الملمات، لافتاً إلى أنه كان هناك العديد من المجالس سواء بين الأحياء أو في الأسواق، وكانت تمثل برلمانات شعبية، يجتمع فيها كل طبقات المجتمع، وفيها كان يعلم أصحاب الخبرة الصغار العادات والتقاليد، فهي كانت بمثابة معارف، فضلاً عن أنه كان يفصل فيها في بعض القضايا بين الناس، وأن أبوابها مشرعة للجميع، وفيها كل أنواع الكرم، وأنها جزء من التعبير عن حكمة الكبار، وهو ما كان يساعد الطفل على أن ينشأ في بيئة تفاعلية، وأنها لا تزال تمارس دورها بفضل كبار المواطنين الذين يتحلون بالحكمة، والذين لا يزالون يروون حكاياتهم في البر والبحر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©