الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

قراءة جديدة في علاقة "أبو الفنون" بمتفرجيه

قراءة جديدة في علاقة "أبو الفنون" بمتفرجيه
16 أغسطس 2018 00:21

عصام أبو القاسم (الشارقة)

شغل المسرحيون دائماً بقراءة وفهم جمهور عروضهم، وظلت المكتبة المسرحية تستقبل المزيد من الدراسات والأبحاث، التاريخية والإحصائية والاستقصائية، حول أنجع السبل لكسب المزيد من المتفرجين.
في السنوات الأخيرة، وخصوصاً مع تقلبات الأوضاع الاقتصادية وتحت ضغط الحاجة إلى المال لتغطية نفقات الإنتاج أو للتوسع، بدا كما لو أن هاجس الوصول إلى الجمهور، وفهم توجهاته واحتياجاته، بات في صدارة شواغل المؤسسات المسرحية؛ فلقد ضاعفت هذه المؤسسات من جهودها الباحثة عن حلول وحيل تمكنها من شغر مقاعد صالات عروضها وتجنبها الخسارة المادية، فاستعانت بفرق ومجموعات متنوعة للدعاية والترويج ونشر الوعي.. إلخ.
لكن، بالمقابل، عرف المسرح، منذ ستينيات القرن الماضي، توجهات جديدة لإعادة توصيف ورسم علاقته بالجمهور، ويقدم كتاب «المسرح والجمهور» لهيلين فريشواتر [ترجمة إريج إبراهيم، وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، 115 صفحة من القطع المتوسط]، استعراضاً مهماً لمجموعة من أبرز الأبحاث والتجارب المنجزة في هذا الجانب.
تشير فريشواتر إلى أن «الرغبة في إعادة تشكيل العلاقة بين المسرح وجماهيره» في مسرح القرن العشرين، خاصة التجريبي منه، ظلت قائمة ومتكررة على مدى الوقت.
ويبرز الكتاب، الذي صدرت نسخته الانجليزية 2009، العوائق العديدة التي حالت دون الوصول إلى فهم أفضل للعلاقة بين المسرح وجمهوره، مثل الخلط بين «الاستجابة الفردية والجماعية» للمتفرجين؛ فالجمهور في عمومه يخبر استجابات عدة، فهو يضم شرائح مجتمعية متنوعة، ولكل شريحة منظورها المغاير لمنظور سواها، كما أن المتفرج الواحد يتأثر بطرق عدة بما يشاهده، تبعاً لحالته المزاجية والنفسية ومستواه الثقافي.
من هنا، يبدو أن أخذ «التصفيق»، الذي يلي تقديم العروض في الصالات المسرحية، كجزء من دراسة «المسرح والجمهور» كمفارقة غريبة، كما تذكر المؤلفة، إذ ما الذي يجعل الجمهور بأكمله يتفق ويشترك في «التصفيق» لعمل مسرحي ما؟ أهي عادة اجتماعية أم أنها وسيلة للتعبير عن الشكر.. فيما الشكر طالما أنك، كمتفرج، حصلت على تذكرة لحضور العرض نظير ما دفعته من مال؟
كان الجمهور جزءاً من العرض في التجربة الإغريقية بيد أن الفصل بين المسرح والجمهور حصل في القرن التاسع عشر، بحسب مؤلفة الكتاب، بتأثير من تيار «المسرح الطبيعي». وفي القرن الماضي، أخذت علاقة المسرح بجمهوره طابعاً مختلفاً.
وتقول فريشواتر، إن الفنان المسرحي، غالباً، ما شعر بأن المتلقي أقلّ معرفة منه، والمصطلحات التي صاغتها المؤسسة المسرحية، لوصف (الجمهور)، مثل «المتفرجون» و« المشاهدون» و« النظارة» إلخ، تستبطن أحكام قيمة، تحصر دور الجمهور على « المشاهدة» فحسب، في حين يمكن لهذا الجمهور أن يكون «مراقباً» و«ناقداً» و« مشاركاً».
ويوضح الكتاب أن هناك الكثير من الأمور الزائفة والمشوشة وغير المختبرة، في ما انتج من معرفة حول علاقة المسرح بالجمهور. وفي هذا السياق، تستعيد فريشواتر جملة من الآراء والأفكار النقدية، التي صدرت عن ممارسين مسرحيين في العقود الأخيرة، في إطار نقد وتفكيك الفهم السائد لعلاقة المسرح والجمهور؛ وهي تشير، هنا، إلى أن المخرج الروسي ستانسلافسكي، على سبيل المثال، الذي نهض منهجه التمثيلي على فكرة «تجاهل الجمهور» ؛ إذ أن الممثل في «المسرح الواقعي» عليه أن يغفل أو يتغافل وجود المتفرجين في الصالة وعليه أن يركز في تقمص دوره، معزولاً بما يعرف بـ «الجدار الرابع».
أما الفرنسي انطونان آرتو فلقد عمد إلى توريط الجمهور في مسرح جارح وصادم وقاس؛ وطلب سواه من المسرحيين بناء صالة للجمهور لا تسع سوى 12 صفاً ـ في إشارة إلى الطابع النخبوي لمسرحهم ـ فيما تحدث بعضهم عن صالة مسرح في حجم الحجرة، بل إن من بين المسرحيين التجريبين من تكلم عن مسرح لا يسع سواه!
وبلغ الموقف النقدي تجاه علاقة «أبو الفنون» بالجمهور ذروته لدى بعض التيارات المسرحية الحديثة، حين عمدت إلى جعل سلوكيات مثل دلق الماء أو علب الأوساخ على الجمهور أو ضرب مجموعة منه أو تعريضها لمخاطرة ما، كجزء من تجاربها الفنية، وكتعبير متطرف عن رفضها للوعي الشائع الذي يقصر علاقة الجمهور بهذا الفن، على المشاهدة والفرجة والتسلية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©