السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحت الدفء

تحت الدفء
15 يونيو 2011 19:55
1 ما أزال نائما في سريري حتى وقت الظهر، أحرك أصابع قدمي، أمرنها قليلا، أسحب اللحاف على وجهي، أسحبه أكثر، تظهر قدمي، أشعر بالبرودة، أتكور كجنين في بطن أمه فأصغر أنا ويكبر اللحاف، إنه أول يوم في إجازتي، سوف أرتاح من معلمنا الثرثار، الذي يتحدث طيلة الوقت في أمور روتينية، تذكرني بنشرة الأخبار، والتي تتابعها والدتي بنهم، استغرب منها حقا، فهي تهتم بها أكثر من والدي. وأبي عند عودته من عمله مساءً وبلا سبب مفهوم، يلقي وابلا من الشتائم واللعنات عليها، يلعن والدها وجدها، وكل عائلتها، فتكتفي هي بالبكاء، وتسارع لغرفتها، وتغلقها على نفسها، ونظل نحن من بعيد كأصنام هجرها عبدتها، لا نستطيع عمل أي شيء، سوى الصمت والتفرس في لا شيء فقط..، لأنها ما تزال تحبل منه وتأتي لنا بأخوة وأخوات. ثوان وينسحب جميع أخوتي إلى غرفهم دون همسة، وأظل واقفا، أنظر لوالدي بنظرة جافة، فيها شيء من التحدي، ويبدو أن هذه النظرة تستفزه كثيرا، فيقترب مني ويصرخ، ثم يجذبني إليه، وأرى في عينيه شذرات غضب متوهجة: “اللعنة عليك أيها الصغير، لمَ تنظر إلي بهذه النظرة الوقحة؟ .. كنتُ صغيرا لا أصل بقامتي لمنتصف جسده، يظل طيلة الوقت يشتمني ويتلفظ بألفاظ قذرة، وكنتُ أتحجر بوقفتي أمامه، فيضربني بالعصا، وكالعادة تسارع والدتي دوما لحمايتي.. 2 الآن أنا في الفراش، ممدد تحت اللحاف الدافئ، وما تزال في عيني بقايا نوم ثقيل، فليلة البارحة لم أنم جيدا، لقد ذهبت لزيارة بيت عمي، وفجأة طردونا جميعاً خارج البيت، وزوجته تصرخ في عصبية: “لا مكان للأولاد هنا، هيا اذهبوا للشارع والعبوا هناك بعيدا”. خرجت من المنزل مع أبناء عمي، ولكن ما لفت انتباهي أثناء وجودي في المنزل، وجود الكثير من النسوة والبنات الصغيرات.. وابنة عمي ترضع صغيرها ذا الفم الكبير. ضحكت من نفسي، ومن تصوراتي التي ركبتها عليه. يذكرني ذلك بزهرة ابنة عمي.. إنها تكبرنا بستة أعوام، وجه مدور، وصدر صغير، فجأة صارت لا تلعب معنا لعبة الغميضة، ولا أي لعبة أخرى، سجنوها في المنزل، ثم رأيتها بعد فترة، لقد تغيرت وأصبحت كبيرة، نظراتها الخجلى، الغطاء الذي ينسدل على شعرها. - “لقد كبرتْ زهرة” هذا ما قاله راشد ابن عمي لي، أخته كبرت ولا بد أن تلزم المنزل، لم أكن أفهم ما يحدث لماذا يعزلوننا عن البنات؟ كنت ألعب معها في طفولتي، تحت لحافي الذي أتغطى به الآن، تتركنا والدتي، نصنع خيمة، أعمدتها رؤوسنا، تحضر معها أدوات طبخها، وتبدأ تعلمني طريقة صنع أكلات ربما سمعتها من والدتها وحفظتها دون أن يعي عقلها الصغير ذلك... أغطي وجهي باللحاف، أحاول أن استمتع بعالمي البعيد عن أي شيء، يتناهى لمسامعي أصوات شجار عالية، مشاهد يومية في الوقت نفسه وبالدقة التمثيلية نفسها مكررة عن ظهر قلب، يتسلل النوم إلى جفني، يتثاقل، وضوء الشمس الذهبي ينسلُ من بين النافذة، يصنع بقعاً مائية مبهرة على الأرضية الرخامية..، أحسه كما أحس الصلة بين عيني “زهرة” وشفتيها...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©