السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

معركة التكنولوجيا الحديثة تستنزف موارد البنوك الكبرى

معركة التكنولوجيا الحديثة تستنزف موارد البنوك الكبرى
19 سبتمبر 2019 03:11

تلهث البنوك الأوروبية حالياً، للحاق بمنافسيها على الجانب الغربي من الأطلنطي في تطوير المعاملات إلكترونياً. وتتركز المنافسة بين الطرفين على حيازة أحدث صيحات التكنولوجيا المتقدمة في هذا الميدان، ألا وهي الذكاء الاصطناعي. وإحقاقاً للحق، فإن بنوك أوروبا تنفق بسخاء من أجل البقاء في ساحة المعركة، إلا أنها تعجز عن مجاراة البنوك الأميركية الضخمة شديدة الثراء التي تنافس على الدوام، من أجل انتزاع مزيد من العملاء.
وتهيمن البنوك الأميركية بالفعل على نشاط المصارف الاستثمارية في أوروبا. وتتركز المخاوف حالياً على تآكل الميزة النسبية للبنوك الأوروبية في قطاع إقراض الشركات، وهو المعقل التقليدي لنشاطها في عموم القارة. ويرجع هذا إلى التكنولوجيا، فإذا حصلت البنوك الأميركية على تكنولوجيا أفضل ولو بقدر محدود، سيكون لها قصب السبق، فتنتزع مزيداً من الأعمال. وتعتزم بنوك أوروبا إنفاق ما قيمته 77 مليار دولار على التطوير التكنولوجي في العام الجاري. وذكرت شركة سيلينت الاستشارية في هذا الصدد، أن البنوك الأميركية المنافسة خصصت 105 مليارات دولار للغرض ذاته، والفارق بين الرقمين كبير. وتركز الاهتمام على تركيب نظم معاملات إلكترونية أسرع وأقل تعقيداً منذ وقت بعيد، إلا أن أوجه الإنفاق وأولوياته تبدلت عبر قطاعات النشاط، وانتقلت من المكاتب الخلفية إلى الأمامية. وباتت خطط التطوير تغطي الآن كل شيء تقريباً، بدءاً من صيانة نظم الحواسب العتيقة، إلى تشغيل أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي، صيحة العصر.
وما يثير الأسى أن المقرضين الأوروبيين يركزون اهتمامهم بشكل أكبر على إصلاح النظم الإلكترونية القديمة، فأقل من ربع موازنات التطوير فقط سيخصص للتكنولوجيا الحديثة في العام الجاري. وكانت البنوك الأميركية المنافسة عند هذا المستوى قبل خمسة أعوام كاملة تقريباً، وتنفق حالياً نحو ثلث موازنات التطوير على الابتكار. وحتى تتضح الصورة بشكل أفضل، فإن بنك «جي. بي. مورجان» سيخصص نحو نصف موازنة التطوير التكنولوجي للعام الجاري وقدرها 11 مليار دولار على مجال الابتكار فقط. ويعد هذا البنك من رواد التطوير في القطاع المصرفي الأميركي منذ أعوام.
وتتعين الإشارة في هذا السياق إلى أن «جي. بي. مورجان»، و«جولدمان ساكس»، وغيرهما من البنوك الأميركية الكبرى، كانت أسرع في تنفيذ خطط التطوير، بمجرد انتهاء عاصفة الأزمة المالية العالمية. ومنحتها سرعة التحرك ميزة واضحة على البنوك الأوروبية المنافسة. وفضلاً عن هذا، تركزت استثمارات التطوير على تحديث النظم العتيقة، وبناء منصات إلكترونية تتماهى مع لوائح العمل المستحدثة، مع توفير مزيد من الخدمات المصرفية التقليدية آلياً للعملاء باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وحيل التعرف الآلي. ويستخدم بنك «جي. بي. مورجان» منذ عام 2017 برنامجاً لمراجعة القروض التجارية آلياً. ووفر هذا 360 ألف ساعة عمل سنوياً على المحامين ومسؤولي الائتمان في البنك، منذ ذلك التاريخ.

التخلف عن الحداثة
وبالعودة إلى أوروبا، سنتعجب للمفارقة، فبنوك القارة متأخرة عن ركب الحداثة السريع. ويرجع هذا إلى أسعار الفائدة المتدنية التي تقدمها منذ وقت لا بأس به وانخفاض أرباحها، ما يغل أيديها عن الإنفاق. إضافة إلى هذا، فإنها تركن إلى الراحة في ظل لوائح التشغيل التقليدية السائدة ولعل أحدثها، اللوائح الجديدة لخصوصية البيانات في الاتحاد الأوروبي، وقواعد العمل المصرفي الحر.
في المقابل، فإن ريادة البنوك الأميركية في التطوير، جعل كلفة معاملاتها أقل حالياً في ظل نظم إلكترونية أكثر مرونة. وزاد هذا حجم التحدي الذي تواجهه البنوك الأوروبية، مع الأخذ في الحسبان بدء دورة اقتصادية جديدة يخيم عليها شبح تباطؤ النمو، ومزيداً من الخفض في أسعار الفائدة. ويترجم هذا إلى تراجع أكبر في الأرباح بطبيعة الحال.
من جهة أخرى، فإن رقمنة الخدمات المالية عموماً تخلق منافسين جدداً للبنوك في كل مكان.
ولننظر إلى «أمازون»، و«جوجل» و«آبل» على سبيل المثال لا الحصر، فهي توفر خدمات مالية منتقاة لعملائها ومنها بطاقات الائتمان، والدفع الإلكتروني. كما تنفرد «أمازون» بتقديم خدمة «قروض الجرد السلعي» لمسوقي بضائعها. رغم هذا، فإن عمالقة التكنولوجيا المشاهير لا يرحبون بفكرة التحول إلى بنوك بشكل كامل، ما قد يعرض هذه المؤسسات لمخاطر الخضوع الكامل للوائح التنظيمية، وليس هذا بالأمر الهين على الإطلاق.
ولا تقتصر ساحة المنافسة على هذه المؤسسات، إذ تطور بعض شركات التكنولوجيا المالية الصغيرة حالياً مزيداً من المنتجات لعملائها، وليس عليها التخوف من سيف اللوائح التنظيمية الذي يواجه جهات الإقراض التقليدية. ولهذا، تعكف البنوك على ضفتي الأطلنطي على تطبيق برامج المعجلات وغيرها من صور المشاركة، بغرض ابتكار مزيد من المنتجات المالية. وقد يصادفها النجاح بابتكار منتج جديد، إلا أن أدنى ميزة تنافسية يمكنها وأد هذا المنتج بسرعة، إذ سيترقب العملاء على الدوام إضافة هذا المنتج إلى باقة الخدمات المصرفية المعتادة المقدمة لهم بالمجان. فما الذي يدفعهم للدفع الآن؟
وفي كثير من الأحيان، نجد البنوك الأوروبية مهيأة للصمود في سباق التسلح التكنولوجي الدائر حالياً، عن طريق تركيز استثماراتها على القدرات المصرفية المحورية وتقديم منتجات وخدمات جديدة فقط للعملاء عندما تثبت شعبيتها بينهم. ويساعد هذا في تحقيق أفضل قيمة حدية للمخصصات المالية المحدودة المتاحة لها، وإن بقوا متأخرين عن منافسيهم الأميركيين.
رغم هذا كله، مازال أمام البنوك الأوروبية جهد كبير لتبذله على صعيد الحفاظ على تفوقها في نشاط تقديم القروض للشركات، وهو ميدانها ومرتكز خبراتها. وتشير شركة «بن وشركاه للاستشارات» في هذا المجال، إلى أن البنوك الأميركية نجحت في الفوز بحصة نسبتها 3% من سوق الإقراض التجاري في أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا خلال الفترة من 2015 و2017. بمعنى آخر، خسرت البنوك الأوروبية هذه الحصة.
وختاماً، فإن البنوك الأوروبية قد تكون مضطرة للإنفاق أكثر مما ترغب على التكنولوجيا، لكن يتعين على المستثمرين ألا يتعجبوا إذا ما طلب منهم أن يظهروا بعض الكرم.

بقلم: روشيل توبلينسكي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©