الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الاستثمار في إدارة الأمراض المزمنة.. ضرورة اقتصادية

الاستثمار في إدارة الأمراض المزمنة.. ضرورة اقتصادية
15 سبتمبر 2019 02:38

سعيد الصوافي (أبوظبي)

تُشكل الأمراض المزمنة أحد أبرز أسباب الإصابة بالعجز والوفيات على مستوى العالم، وتنجم عنها تكاليف اقتصادية هائلة تستنزف جزءاً كبيراً من موارد الرعاية الصحية، حيث نتجت عن الزيادة الحاصلة مؤخراً في معدلات انتشار الأمراض المزمنة وغير السارية في الدولة آثار صحية واقتصادية ملحوظة، وذلك لكونها مسؤولة عن نسبة 76% من الوفيات، بحسب أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
وتمثّل جهود الاستثمار في إدارة الأمراض غير المُعدية والوقاية منها ضرورة حتمية، إذ تساهم في خفض الأعباء الكبيرة المترتبة على الدولة، وتحسين الصحة العامة والاقتصاد، فضلاً عن خفض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار 25% بحلول عام 2025.

وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً على تحديث خطة وطنية للاستثمار في إدارة الأمراض المزمنة تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، وذلك بالتعاون مع المجلس الصحي الخليجي، حيث يتم الإعداد لدراسة جدوى الاستثمار في إدارة الأمراض غير السارية، بالتنسيق مع خبراء اقتصاديين، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة ووقاية المجتمع لـ«الاتحاد».
وأكد مختصون في مجال الرعاية الصحية أنه من الضروري للغاية العمل على استثمار وإدارة الأمراض غير السارية والوقاية منها، عبر الإدارة الشاملة التي تتضمن مجالات الكشف والفحص والعلاج الفعال، وتعزيز النشاط البدني والتثقيف الصحي والحملات التوعوية الناجحة، ورفع الضرائب على المنتجات الضارة بالصحة العامة، ووقف زيادة انتشار السمنة والسكري، وخفض استهلاك الأفراد للملح والدهون المشبعة والسلوكيات الخاطئة كالتدخين، وإطلاق المزيد من المبادرات الطبية الشاملة.

وثيقة «أفضل الخيارات»
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن الاستثمار في الوقاية من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسرطان، يحقق مكاسب مالية هائلة، فضلاً عن تحقيق أعلى مستويات الاستدامة في المنظومة الصحية، مشيرة إلى وثيقة «أفضل الخيارات» الموصى بها من قبل المنظمة للسيطرة والوقاية من الأمراض غير السارية والتي تعد أداة اقتصادية قوية للبلدان حول العالم.
وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد»، إن الفوائد المرجوة من التوصيات المدرجة في وثيقة «أفضل الخيارات» تتعدى المنافع الصحية، إذ يمكن أن تكون أداة اقتصادية قوية لمختلف البلدان حول العالم، مشيراً إلى المكاسب المالية التي يمكن أن تحققها الدول التي تطبق «16 أفضل اختيار» للوقاية والسيطرة من الأمراض غير السارية والتي تقدر بـ350 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030، من خلال زيادة الاستثمار في الوقاية من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسرطان.
وذكر أن جميع الدول الأعضاء قد أيدت «أفضل الخيارات» الموصى بها من قبل المنظمة للوقاية والسيطرة على الأمراض غير السارية، لافتاً أنه في حال تم تنفيذها عالمياً، فإنها ستسهم في إنقاذ حياة 10 ملايين شخص حول العالم بحلول 2025، وستحمي 17 مليوناً من الإصابة بالسكتة الدماغية والأزمة القلبية قبل نهاية 2030.
وتضم الوثيقة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، قائمة «أفضل الخيارات» لبناء خطة عمل عالمية بشأن الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، وتتضمن القائمة معلومات وافية حول عوامل الخطر الرئيسية الأربعة للإصابة بالأمراض غير السارية، وهي تعاطي التبغ وتعاطي الكحول على نحو ضار، والنظام الغذائي غير الصحي والخمول البدني، وحول كل مجال من مجالات الأمراض الأربعة، وهي أمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة.

تعريف الأمراض المزمنة
وتُعرف الأمراض المزمنة وغير السارية، بصورة عامة، على أنها حالات مرضية تستمر لسنة واحدة أو أكثر، وتتطلب عناية طبية مستمرة، وعادةً ما تنشأ هذه الأمراض غير المُعدية عن مجموعة من العوامل الوراثية والفزيولوجية والبيئية والسلوكية. ويمكن تقسيم الأنماط الرئيسية للأمراض المزمنة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع الضغط، والأمراض التنفسية مثل الربو، بالإضافة إلى مرض السكري.
وتتنوع أعراض هذه الأمراض بصورة واسعة للغاية بين المرضى، وترتبط بعض أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً مع عوامل خطورة بيولوجية شائعة ويمكن الوقاية منها، وبشكل خاص في حالات ارتفاع الضغط وارتفاع كولسترول الدم والبدانة.

جهود حكومية
وعن الجهود الرسمية لدولة الإمارات في هذا الصدد، يقول الدكتور حسين الرند الوكيل المساعد لقطاع المراكز الصحية والعيادات في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، إنه تم تشكيل لجنة وطنية للأمراض غير السارية تتكون من 33 عضواً من مختلف القطاعات الصحية وغير الصحية، وتم الإعداد لخطة عمل وطنية لمكافحة الأمراض غير السارية تتماشى مع الخطة الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي، ومنظمة الصحة العالمية، والأجندة الوطنية لدولة الإمارات، تعتمد على أربعة محاور وهي القيادة والحوكمة، الوقاية وتقليص عوامل الاختطار، الرصد والمراقبة والتقييم والبحوث، وتعزيز مجال الرعاية الصحية.

مستهدفات الخطة
وأوضح الدكتور الرند أن لكل محور أهدافاً رئيسةً وآليات تطبيق ومؤشرات تهدف جميعها إلى تقليل نسبة الوفيات المبكرة من الأمراض غير السارية لسن 30-70 سنة، بنسبة 25% بحلول عام 2025، مشيراً إلى أن الغايات والمؤشرات الوطنية استمدت من مؤشرات منظمة الصحة العالمية والتي تتمثل بوقف الزيادة بمعدل انتشار السمنة وداء السكري، وخفض معدل قلة ممارسة النشاط البدني بنسبة 10%، وخفض نسبة الزيادة بمعدل ارتفاع ضغط الدم 25%، بالإضافة إلى خفض نسبة استهلاك الأفراد للملح والدهون المشبعة 30%، ونسبة التدخين للأفراد 15 سنة فما فوق بنسبة 30%، بجانب توفير الخدمات التشخيصية والمخبرية بنسبة 90% وتوفير الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة بالنسبة ذاتها وهي 90% في جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية.
وأضاف: لمواجهة التحديات ولتحقيق أهداف منظمة الصحة العالمية والأجندة الوطنية، تم دمج خدمات لعلاج ومكافحة الأمراض غير السارية وعوامل الاختطار ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية، ويتم تقييم حالة المريض النفسية من خلال استبيانات خاصة بالقلق والاكتئاب، وتقديم خدمات متميزة بفريق عمل مدرب وفقاً لدليل خاص بالأمراض المزمنة، مشيراً إلى افتتاح 53 عيادة على مستوى وزارة الصحة ووقاية المجتمع، يتم خلالها دمج خدمات الفحص الدوري للكشف المبكر عن عوامل الاختطار المسببة للأمراض غير السارية ووضع خطة عمل لمكافحتها.

مؤشر قياس الأمراض المزمنة
كما تم تطبيق قياس مؤشر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، حسب منظمة الصحة العالمية، وتطبيقه حالياً على معظم المرضى، 40 سنة فما فوق، بجانب وضع خطة علاجية ووقائية للمرضى ذوي المؤشرات العالية، ويتم التدقيق ومتابعة العمل دورياً وتحديث الأدلة العلمية الخاصة بالأمراض غير السارية (ضغط الدم، السكري، ارتفاع الدهون، الربو) وفق المعايير العالمية، فضلاً عن تنظيم ورش عمل لتوعية الكادر الطبي بالمستجدات ورفع الكفاءة المهنية.
وبين أنه يتم متابعة تطبيق الخطة في كافة الجهات من خلال تقارير دورية بالإنجازات حسب اختصاص الجهة، لافتاً إلى تشكيل فريق متعدد الأطراف بكل مركز صحي يُعنى بالحالات الصعبة وإيجاد الحلول الممكنة بمشاركة المريض ومن يقوم بعنايته بالمنزل، كما يتم التعاون مع إدارة التثقيف الصحي وتعزيز الصحة حول توعية المرضى والمجتمع بالأمراض غير السارية وعوامل الاختطار، فضلاً عن إطلاق حملة سنوية على مستوى الدولة لمدة شهر، بمشاركة القطاعات الصحية المختلفة، حيث تم خلال عام 2018 فحص 30.300 شخص، واحتلت الدولة المركز التاسع بين 89 دولة عالمياً من حيث نجاح الحملة، كما تم خلال عام 2019 الكشف على 31.819 شخص خلال شهر مايو، ونحن بصدد إعلان نتائج الدولة من قبل جمعية القلب العالمية.

تدابيــر توعويــة
لتعزيز الوعي بأنماط الحياة الصحية بدأت دولة الإمارات باتخاذ كافة التدابير التي تسهم في بناء مجتمع صحي، وذلك عبر حملات التوعية والتثقيف الصحي وتوسيع الضريبة الانتقائية على السلع الضارة بصحة الإنسان، لتقليل استهلاك هذه المنتجات وصولاً إلى تعزيز الأنماط الصحية في المجتمع، والحد من معدلات السمنة والأمراض المزمنة بشكل عام.. إذ تم مؤخراً إضافة المشروبات المحلاة بالسكر المضاف ومنتجات التدخين إلى قائمة الضريبة الانتقائية بدءاً من يناير 2020، وذلك للتشجيع على خفض نسب استهلاك هذه السلع الضارة صحياً واقتصادياً.
كما أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع حملة تستهدف تشجيع أفراد المجتمع على اتباع أنماط حياة صحية وتناول الغذاء الصحي، وممارسة النشاط البدني، والامتناع عن التدخين، وبناء مجتمع صحي عن طريق تمكين الأفراد من تبني أنماط حياة صحية.
واعتمد مجلس الوزراء سياسة «توسيم القيم الغذائية للمنتجات» التي توفر معلومات عن المكونات الغذائية للعناصر الأربعة ذات التأثير الكبير على الصحة العامة وهي: السكر والأملاح والدهون والسعرات الحرارية بطريقة مبسطة على الوجه الأمامي لعبوة المنتج تعتمد على الألوان الأحمر والأصفر والأخضر، كعلامات مميزة لنسب المكونات الغذائية.
وسيتم تطبيقها بشكل اختياري في المرحلة الأولى لتصبح إلزامية في يناير 2022، وتشمل منتجات الأغذية المعلبة الصلبة والسائلة، وتستثنى منها الأطعمة الطازجة كالفواكه والخضراوات واللحوم والأسماك، وذلك لتوعية أفراد المجتمع وتثقيفهم على أهمية اتخاذ خيارات صحية يومية بسهولة وسرعة تعزز نمط الحياة الصحي في المجتمع، وتسهم في تحسين نظم التغذية وتقليل استهلاك المواد الغذائية الضارة بنسبة 30% والتي تؤدي بدورها إلى تقليل نسب الإصابة بالأمراض غير السارية.

إدارة أعراض الأمراض المزمنة
تقول الدكتورة زينب صبري، اختصاصية الطب الداخلي لدى مستشفى «ميدكير»: «عادةً ما تنشأ الأمراض غير المُعدية عن مجموعة من العوامل الوراثية والفسيولوجية والبيئية والسلوكية، ويمكن تقسيم الأنماط الرئيسة للأمراض المزمنة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع الضغط، والأمراض التنفسية مثل الربو، بالإضافة إلى مرض السكري».
وتتنوع أعراض هذه الأمراض بصورة واسعة للغاية بين المرضى، وترتبط بعض أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً مع عوامل خطورة بيولوجية شائعة يمكن الوقاية منها، وبشكل خاص في حالات ارتفاع الضغط وارتفاع كولسترول الدم والبدانة. وتضيف: «لا توجد علاجات مضمونة ومباشرة لهذه الأمراض، إلا أنه بالإمكان إدارة أعراضها بصورة فعالة، وفي حال عدم إدارتها بالشكل المطلوب، يمكن للأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب وارتفاع الضغط والسكري، أن تسبب العجز أو الوفاة». وتشمل جهود الاستثمار في الإدارة الشاملة للأمراض غير المعدية مجالات الكشف والفحص والعلاج الفعال للمرض، ويحتاج المصابون بالأمراض المزمنة لدعم ورعاية متواصلين لتمكينهم من إدارة المرض بشكل ناجح يومياً. وذكرت أنه: «يتعين على المصابين بالأمراض المزمنة مراجعة مزودي الخدمات الطبية بصورة دورية، وذلك لضمان اطّلاع الأطباء على أية تغيرات تحصل في حالات المرضى، وتقديم النصائح اللازمة لإدارة الأعراض». ومن المقلق أن الإصابة بالعديد من هذه الأمراض تحصل نتيجة عوامل سلوكية، مثل التدخين المباشر أو السلبي، وسوء التغذية، وقلة النشاط البدني وتناول الكحول. ويُعد التدخين المسبب الرئيس للوفيات والأمراض التي يمكن تجنبها، ويفرض نفقات طبية متزايدة يمكن تفاديها في حالة تقليل استهلاك منتجات التبغ. وتبيّـن الطبيعة العامة لهذه العادات ضرورة رفع مستوى الوعي بالنسبة للمرضى، وإطلاق مزيد من المبادرات الطبية الشاملة.

تبعات اجتماعية واقتصادية
وبالإضافة لذلك، تفرض معدلات الإصابة المتزايدة بالأمراض المزمنة تبعات صحية خطيرة على المرضى، يمكن أن تلقي بآثار سلبية كبيرة على العائلات والمجتمعات. وإلى جانب النفقات المباشرة، يمكن لهذه الأمراض أن تتسبب بانخفاض الإنتاجية والتغيب عن العمل والدراسة. وفي ظل ارتفاع نفقات الرعاية الصحية والأثر الاقتصادي السلبي لها، يمكن لهذه الأمراض أن تفرض عبئاً كبيراً على نظام الرعاية الصحية، وبالتالي فإنه من الضروري للغاية العمل على إدارتها والوقاية منها. ويمكن تبني مقاربات متكاملة لمعالجة عوامل الخطورة الرئيسة القابلة للتعديل، وذلك بهدف تقليل الوفيات المبكّرة والوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة، جنباً إلى جنب مع جهود الوقاية الأولية والثانوية والثالثية، ومجالات تشجيع الاهتمام بالصحة وبرامج التوعية الشاملة في مختلف التخصصات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©