الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أيزل» على أبوظبي الأولى: المشاهد شريكاً في اللعبة

«أيزل» على أبوظبي الأولى: المشاهد شريكاً في اللعبة
15 يناير 2011 20:16
“لو أمكنني أن التقي عمر مجدداً لأفهمته أن كل خيانة تكون في أولها حباً”.. هكذا أصغى المشاهدون في مقدم الحلقة الأولى من المسلسل التركي “ايزل” للبطل الذي يحمل الاسم نفسه، وهو يحدِّث ذاته مستعرضاً تجارب مريرة واجهته خلال حياته الماضية. المسلسل تعرضه قناة أبوظبي الأولى، بمعدل حلقة أسبوعية مزدوجة، حيث هو يعتمد تقنية روائية غير رائجة يطلق عليها وصف “السرد اللا تتابعي”، بمعنى أنها لا تبدي التزاما دقيقاً بالتسلسل الزمني للأحداث، وتتميز بكونها عرضاً سردياً وفق رؤى متباينة، ما يمنح الحدث الواحد أكثر من رواية تبعاً لإختلاف الراوي، أيضاً المسلسل يتفرد عن سائر المسلسلات التركية باقتصار عدد حلقات جزئه الأول على ثلاث وثلاثين.. علي العزير (أبوظبي) - تدريجياً سيكون على أحداث المسلسل أن تكشف عن المخبوء، وأن تضع المشاهدين في أجواء الدوافع التي حدت ب”أيزل” للتفوه بهذه العبارة المعبرة بالرغم من قسوتها، بينما هو يستعد لممارسة الانتقام من أصدقاء الأمس الذين صاروا أعداء اليوم بفعل الخيانة المرتكبة بحقه، خيانة ما كان لها أن تحصل لولا أنهم أصدقاؤه، ولولا أن تواطأت معهم عيشة، حبيبة العمر، ورفيقة الأحلام الوردية التي تنكرت فجأة لكثير من الود المقيم في أعماقها، مفضلة السير في ركب الثروة والمجد. وبالنسبة لعمر، الذي يتمنى ايزل لقاءه مجدداً، فسنعلم لاحقاً أنه الرجل الذي كأنه هو نفسه قبل أن تقسو عليه الحياة، وتحيله من كائن وديع ينشد الحب والهدوء إلى بركان ثائر يتقمص هيئة رجل أنيق. نحن إذن بصدد حكاية تبدو تقليدية إلى حد بعيد: صديق غدر به أصدقاؤه، وخذلته معشوقته، وها هو يعلن قراره بالثأر، بعد أن أعد له العدة الملائمة.. فما الجديد الذي يسع قصة مماثلة أن تقترحه على متلقييها لتستقطب اهتمامهم في زمن الطفرة الدرامية غير المسبوقة؟! شغف مباغت الواضح أن العمل التلفزيوني قد أثار الكثير من الغبار منذ حلقاته الأولى، وثمة مؤشرات شتى تسمح باستقراء الإقبال الجماهيري المتميز على مشاهدته: هناك نسبة هائلة من المتابعين عبر الموقع الإلكتروني، كذلك فإن التعليقات التي تزخر بها صفحة الفيسبوك العائدة له بالغة التعبير، المشاهدون يبدون اهتماماً يكاد يكون غير مسبوق بالنسخة المدبلجة، التي تعرضها أبوظبي الأولى للجزء الأول من المسلسل، أما في تركيا، مسقط رأسه الإبداعي، فحديث مثير للدهشة عن الشغف الذي يثيره الجزء الثاني من “أيزل” في نفوس المتلقين، إذ تتحدث الأنباء عن مظاهرات حاشدة يبدي منظموها اعتراضهم على اقتراح تقليص عدد الحلقات التي يجري تصويرها قبيل عرضها بفترات وجيزة. أيضاً: المسلسل حظي بتسع جوائز، هي مجموع ما يمنح للأعمال الدرامية هناك.. باختصار ثمة لغز ما يحيط بالعمل التلفزيوني، ويبرر البحث عن عوامل تفرده. نجاح رغم الإقتباس قصة المسلسل مستوحاة من إحدى الروايات العالمية الكلاسيكية، رائعة “الكونت دي مونت كريستو” للروائي الفرنسي الكسندر دوماس، وهي ثمرة ابداع أدركت من حدة التمايز ما جعلها تقبل الاقتباس مرات عديدة في أعمال سينمائية، وتلفزيونية أيضاً، بلغ مجموعها التسعة، وكان حظ السينما العربية اثنين: “أمير الانتقام”، بطولة أنور وجدي في أربعينيات القرن الماضي، و”واحد من الناس” تمثيل كريم عبد العزيز، في الموجة السينمائية الجديدة، وغرباً يطالعنا مسلسل تلفزيوني تقاسم بطولته الممثل الفرنسي جيرار دي باردييه والنجمة الإيطالية أورنيللا موتي. والمؤكد أن هذا التفصيل لا يساهم في تفسير اللغز بل لعله يدفع به نحو مزيد من التعقيد، فأن يكون النص الروائي قد استنفذ تأويلاً وتحليلاً ليس أمراً مشجعاً يبرر إعادة تناوله.. ومجدداً يطرح السؤال نفسه: ما معنى أن يستعاد إذن، وأن يحقق من النجاح ما يتجاوز المتوقع؟! مدرسة جديدة كان عمر عاملاً في ورشة لا تتجاوز طموحاته حدود أن يكون بارعاً في عمله ليكتسب لقب “معلم”، وكان يرى نفسه محظوظاً لكونه محاطاً بثلاثة أصدقاء، وبفتاة محبة يجد فيها قيمة مضافة لحياته، وعلامة دالة من علامات المستقبل المشرق، ذهب ليمضي خدمته العسكرية وفي حساباته أنه سيعود يوماً ليجد الحياة وقد فتحت له أبواب اليسر، هكذا يتوقع المحبون عادة.. حين يزف الموعد سنشاهده في محطة القطار موضع حفاوة من أهله ومن أصدقائه، وليس بعيداً عن هذه المحطة المكانية والزمانية سيذهب أيزل، متعثراً بخجله، ليعرض الزواج على عيشة، وسيغدو فرحه متعذراً على الوصف بعد أن يسمع موافقتها. يحدث كل ذلك فيما المشاهد يدرك أن كل ما يشاهده هو مجرد تفاصيل ماضية لم يكتب لها التحول إلى واقع، لكنهَّا، كما سبقت الإشارة، آلت، بفعل عوامل الجشع الإنساني، إلى مبررات للثأر ليس إلا. فهل يمكن القول إننا هنا إزاء بعض ملامح اللغز؟! قد يكون في الأمر شيء من ذلك، فأن يكون المشاهد ملماً بالبعد المخفي للحبكة التي يتابع تفاصيلها أمر يدفعه نحو تفاعل من طابع مختلف معها، يحيله إلى شريك في صياغة الحدث عوضاً عن أن يكون مجرد متلق سلبي له ينتظر ما يجود به عليه من تفاصيل، قد يقبل بعضها ويرفض الآخر، وفي المقابل يصير أيزل حينها ناطقاً باسم المشاعر المكبوتة في أعماق المشاهدين، وليس مجرد مؤد يلهث فيما هو يبذل الجهد للحصول على رضاهم، الرهان على صحة هذا التحليل يبرر الاستنتاج أننا أمام مدرسة مستجدة في البناء الدرامي، تشير بوادرها الأولى إلى أنها سائرة بحزم نحو احتلال مكانتها المستحقة، وقد يعني استطراداً أننا نشهد تحولاً ذا سمة مفصلية في عملية الصياغة الدرامية من شأنها أن تحيل النمط المعتمد راهناً إلى مجرد ذكرى محببة. مؤامرة في الظلمة ذات ليلة يتماهى ظلامها مع دواخل النفس البشرية إئتمر أصدقاء عمر عليه، وجارتهم عيشة أيضاً، اتفق الجميع على ارتكاب جريمة سرقة لأحد الكازينوهات، نتج عنها مقتل أحد حراس الأمن، لم يجد المتآمرون صعوبة في الصاق التهمة بعمر، خاصة بعد انكار عيشة أنها كانت بمعيته، مشيرة إلى رصدها بعض النزعات الإجرامية لديه. دخل عمر السجن، وهناك تعرف على أحد رجالات المافيا الذي آمن ببراءته، لنلاحظ هنا أن المجرم بوسعه أن يكون قاضياً نزيهاً ذات لحظة تجل، اعتماداً على نفوذه الاستثنائي سهل رجل العصابات لعمر سبل الفرار، بعد حادث في السجن أدى إلى وضعه على لائحة الأموات، التفاصيل هنا تكاد تكون مستنسخة حرفياً عن رواية دوماس السابق ذكرها، لكن السيناريو جرى إخضاعه لعملية تحديث تلائم الزمن الحالي، ذلك أن الرواية أنجزت بين عامي 1844 و1846. وإذا كان على ادموند دانتس، بطل دوماس، أن ينجز الكثير من البذخ المظهري كي يتحول إلى الكونت دي مونتي كريستو، فإن عمر أمكنه أن يصبح أيزل بعمل جراحي متقن. وبدأت اللعبة غيَّر الفتى العاشق ملامحه ليكتسب أخرى أكثر صلابة، وغيَّر مظهره أيضاً ليبدو واحداً من علية القوم، وغيَّر مشاعره كذلك ليصير الثأر هاجسه المفصلي، ثم اتجه إلى الكازينو الجديد الذي بناه أصدقاؤه الألداء بسنواته الضائعة خلف القضبان، وعندما وقف أحدهم ليدعو الزبائن إلى صالة الميسر صارخاً بصوت عال: تفضلوا لقد بدأت اللعبة!! كان أيزل، والمشاهدون من خلفه، يعرفون أنها لعبة أخرى بقواعد متغيرة، وقوانين لم يضعها جماعة الكازينو المستجدون!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©