الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ستيفن فاينمان.. اللوم صناعة ماكرة

ستيفن فاينمان.. اللوم صناعة ماكرة
17 أغسطس 2019 00:34

محمد عبدالسميع (الشارقة)

يقرأ المؤلف البريطاني ستيفن فاينمان في مؤلفه الموسوم بـ «صناعة اللوم: المساءلة ما بين الاستخدام وإساءة الاستخدام»، موضوع «اللوم»، كظاهرة مؤسسيّة ومجتمعيّة، تحت عنوان لافت لا يقف عند بريق العنوان، بل يتجاوزه إلى مضمون المادّة التي باتت سلوكاً متخصصاً، والكتاب من ترجمات مشروع كلمة للترجمة التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، ونقله إلى العربيّة الكاتب والمترجم السوري المقيم في الإمارات ماهر الجندي.
وإذا قررنا مسبقاً أنّ الذهنيّة العربيّة - تحديداً- مسكونة بهاجس اللوم، وما يندرج ضمنه من عتاب ومتغيرات نفسيّة بحكم التركيبة الاجتماعيّة والدينية لثقافتنا العربية الإسلاميّة، فإنّنا واقفون على الندم كمصاحب نفسي تحثّ عليه ثقافتنا، التي هي في الواقع ثقافة فطريّة أصيلة تدعو إلى التسامح والمحبّة، وواقفون أيضاً على خطورة الاستثمار السلبي لـ «اللوم»، حين تعمد قوى اجتماعية ودينية وربما بتوجيهات سياسيّة إلى تعزيز ثقافة البكاء مقابل الفرح والعمل والإنتاج، لأننا في نهاية المطاف أمام تحميل للأخطاء وتصدير لها على أجساد اجتماعيّة شعبيّة قد لا تكون هي مسؤولة عنها، وحين تفتر الهمّة الجمعيّة بفعل الآلة الإعلاميّة التي هي رديف قوي للآلة السياسيّة، فإنّ شعوراً بالإحباط وعدم القدرة على المتابعة، هو ما ينتج في ظلّ الاستسلام لـ «اللوم»، مع أنّ المنطق يقول إنّ اللوم هو ظاهرة مجتمعيّة تنتهي مرحلتها بالبدء بمرحلة أخرى هي مرحلة إصلاح الخطأ والاستفادة من العبر والدروس على أكثر من صعيد.
كتاب ستيفن فاينمان، أستاذ السلوك التنظيمي في كلية الإدارة بجامعة باث في بريطانيا، لا ينظر إلى «اللوم» فقط عنواناً للندم أو مسوّغاً لتجاوز الخطأ، بل وعلاوةً على أنّه يدرسها قضيّةً نعيشها أو نتعايش معها في بيوتنا وأعمالنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا، نراه يقدّم العديد من التفاسير التي تروق لمستويات متنوعة أيضاً من القراء، خصوصاً إذا ما علمنا أنّ المؤلف كان نشر مجموعة كبيرة من الدراسات المتخصصة والكتب الأكاديمية التي تعنى جميعاً بعالم الأعمال والبيئات المؤسساتية، ومنها «تنظيم العمر والعمل: مقدمة قصيرة جداً»، لتزداد الفائدة بإمضاء المترجم الجندي الذي كان على درجة عالية من التعامل مع مادّة الكتاب، يؤهّله لذلك ما قدّمه سابقاً من ترجمات أبرزها «في مديح البطء» لميلان كونديرا، و«فن الحرب».
وبحسب قرّاء، فإنّ الكتاب يقدّم لهم، متعة التخلّص من ظاهرة اللوم وما تسببه من منغّصات، وذلك لأنّهم يقتنعون حتماً بالتفاسير التي يطرحها ستيفن فاينمان، خصوصاً إذا كان القرّاء هم من طبقة اجتماعيّة تستسلم لأذى اللوم، سواءً كان لوم صديق أو قريب أو حتّى لوم فرد عابر في طريق ما، لكنّهم يعترفون بأنّ الكتاب كان على درجة من النباهة والذكاء في طرحه لوم الدول للشعوب، وكذلك لوم الهيئات أو المؤسسات للمستخدمين، ليظلّ اللوم سيفاً مسلّطاً على رقاب هؤلاء.
فالكتاب الذي يقدّم تنظيراً عامّاً أو يعرض للمواقف الشخصيّة يقرأ ظاهرة اللوم، كظاهرة بإمكانها أن تكون معولاً للهدم أو مدماكاً نحو البناء، وذلك عن طريق الاستخدام الصحيح لهذا الموضوع أو استثماره، وهو موضوع من نافلة القول إننا نعيشه يومياً على أبسط الأمور وأتفه المشكلات.
ويشير ناشر الكتاب إلى أنّ اللوم ظاهرة متأصلة في مجتمعاتنا بطرق لا حصر لها، إذ نراه يغرس بذور الحقد والانتقام، بل ويزيد الهوّة بين الأحبة والزملاء، ويقسم المجتمعات والأمم، ومع ذلك يظل حين يتم توجيهه بشكل مناسب حامياً للنظم الأخلاقية والقانونية.
ويركز ستيفن فاينمان على جذور اللوم ومظاهره الدائمة من تعقب «الساحرات في الماضي» إلى البحث اليوم عن «أكباش فداء»، دارساً عصرنا الذي يتفاقم فيه استيلاء المؤسسات الحكومية والخاصة، مثلما يتساءل في نهاية المطاف عن كيفيه تخفيف آثار اللوم، طارحاً أسئلة تتعلق بمواضيع تندرج في مجال الكتاب من مثل الندم والغفران ودور الاعتذارات التي تقدمها الدول عن أخطائها التاريخية ومدى قدرة العدالة والتصالح على النجاح.
حيث ينطلق كتاب «صناعة اللوم» من مسألة أن الأمور كلما اتخذت مساراً خاطئاً، قادتنا الغريزة الأولى في كثير من الأحيان إلى البحث عن شخص نلقي عليه اللوم. ويركّز المؤلف على جذور اللوم ومظاهره، بدءاً من «صيّادي الساحرات» في الماضي، وصولاً إلى أكباش الفداء وحالات الوصم التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، من الغضب الصحي الذي ينتاب الفرد، إلى ثقافات بأكملها صاغتها القوة الغاشمة، مخاطباً عصرنا الذي تتزايد فيه حالات الضجر والاضطراب والقلق حيال أساليب حوكمة المؤسسات العامة والخاصة.
من منظور الكتاب، سيخرج القارئ بإشعارات وتوجيهات ذكيّة تتعلّق بأسئلة: هل نحتاج أن نلوم أحداً في حياتنا؟.. وما مدى نجاح المؤسسات والأنظمة في اللعب على «صناعة اللوم»؟!.. وهل من الممكن أن يكون في العائلة أو في العمل شخص مهيّأ لأن يكون الملام دائماً أو يتحمل الفشل؟! وما مدى ما يتركه الاستسلام لفكرة اللوم من أثر سلبي بين العمل والبيت والأصدقاء؟!..

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©