الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهجْن في الذاكرة الشعبيّة الإماراتيّة

الهجْن في الذاكرة الشعبيّة الإماراتيّة
20 نوفمبر 2008 01:31
عرف العرب سباقات الإبل منذ القديم، والسَّبق هو: العِوَضُ الذي يسابق عليه· والسَّبْقُ هو المُسابقة أي المجاراة بين حيوان وغيره وهذه المُسابقة بِمَعْنَيَيْهَا جائزة على الأقدام، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سَابَق أم المؤمنين السيدة عائشة رضيّ الله عنها، وصارع رُكاضُ فَصَرَعَهُ· ولاتُصِح المسابقة بِعَوَضٍ إلاّ في إبل وخَيْلٍ وسَهَام لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لاسَبْقَ إلاّ في نَصْلٍ أو خُفٍّ، أو حافِر''· واشترط الفقهاء على تعيين المركوبين، واتحادهما في النوع فلا تصحّ بين عربيٍّ وهجين· الإبل هبة الله للإنسان، فقد جعلها الخالق طويلة الأعناق، قوية الأبدان، لتحمل الأثقال: ''إِنَّ لَكُمْ فِي الأنعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ''· (سورة المؤمنون/ 21 ـ 22)· وكان البعير أهم حيوان تحمل مشاق الصحراء ووعثاء السفر، وقد أشاد الله سبحانه وتعالى بهذا الحيوان بقوله الحقّ: ''أفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرضِ كَيْفَ سُطِحَتْ''· (سورة الغاشية/ 17 ـ 20)· ونجد أهل منطقة الخليج العربيّ والإمارات لا يستغنون عن إبلهم لأنّها هي واسطتهم في الحلّ والترحال وفي الطعام، فالبدويّ يعشق ناقته لذا اهتم بها وبسلالاتها وأنسابها وحتّى مشاركتها في السباقات الموسميّة لسباقات الهجن ـ الإبل ـ التي غالباً ما يبدأ انطلاقها في عموم دولة الإمارات مطلع شهر نوفمبر من كلّ عام· وللسباقات ميادين حديثة مستوحاة من تراث الدولة في أغلب الإمارات في مناطق الوثبة وسويحان بأبوظبي حيث ينظم نادي تراث الإمارات سنوياً سباقات الهجن فيه، وانطلق منه سباق الإبل التراثي الأصيل الحادي والعشرين يومي 13 ـ 14 نوفمبر الجاري في منطقة سويحان، وفي منطقة المقام بمدينة العين، وفي ندا الشبا في دبي، وكذلك في المناطق الغربية والشارقة وعجمان ورأس الخيمة، حيث تشهد كل هذه الميادين منافسات قوية من أجل الفوز بالجوائز المخصصة لكل سباق منها· ومع انطلاق موسم سباقات الهجن في الدولة خلال الشهر الجاري، نقف وقفة في رحاب الأمثال والشعر الشعبيّ ـ النبطيّ ـ في الإمارات لنلقي الضوء عليهما من هذا المقام، فدونكم ذلك· الإبل في الأمثال الشعبيّة الأمثال الشعبية من أكثر أنواع الأدب الشعبيّ انتشاراً بين النّاس لأنّها ترتبط باللغة المحليّة الدارجة بينهم، فالمثل الشعبيّ هو التعبير اللفظي المُختصر والمُتداول بغير تبديل أو تغيير في لفظه الحرفي التي ما زالت لصيقة بالوجدان الإنسان لأبناء الإمارات وذلك من خلال التراث الشعبي المحليّ الذي عايشه الأجداد والآباء ومن ثمّ الأحفاد اليوم، حيث أخذت الإبل جانباً واضحاً في التراث المحكي في الدولة سواء عن طريق الشفاهي أو الأمثال الشعبيّة، أو الأشعار ، أو الحكايات والسوالف، أو القصص المرويّة· ويضرب النّاس الأمثال الشعبيّة على الإنسان والجماداوات إضافة للحيوان، والإبل أعظم شيء في نفوس أبناء البادية وذلك للعديد من الصفّات العظيمة التي تتمتع بها، لذا قيلت الأمثال الشعبية في الإمارات عندما تمثل الناس بأعمارها المختلفة، وفي أعضائها، وطباعها، وبلقاحها ونتاجها، وبأمراضها وطرق علاجها، وبأصواتها، وبرعاتها، ورعيها وشربها، وفي سيرها، وأدواتها، ومن الأمثال الشعبية المحلية في الإبل أقوال كثيرة· وتشير الباحثة فاطمة مسعود المنصوري في ''الإبل في الإمارات، دراسة تاريخيّة، تراثيّة، أدبيّة''، الصادر عن مركز زايد للتراث والتاريخ التابع لنادي تراث الإمارات مجموعة من تلكم الأمثال الشعبيّة ومنها قولهم: ''الحوار ما تضرّ دوسة أمه، واربط الحوير عند الحمير وإلا صمح وإلا رمح، و يلله بسيل ديمة يشبع الفاطر قبل الفطيمة، ياليت رقبتي رقبة بعير، والبعير مايشوف سنامه، واصبر ياجمل لين يجيك الربيع، وأعشار ما تدر، والذود من صدرة الفحل، وأوسمها قبل تظلع، وكل في بعيرة شافة، وناقة لو هدرت، وكل الركاب ترعى وترتعي إلا جمل حمدان بارك في الظلة، وما يستوي شوق ورعاية نوق، وفلان يخلط الحنين والرغا رباعه، ويا ناقتي وإلا اشربي وإلاّ العصا، ومطية الكذاب هزيلة، وإلا خب وإلا برك، وكل تحت اشداده الهده''· وهناك أمثال شعبية أخرى يتداولها أبناء الإمارات وتجري على ألسنتهم كقولهم: ''يوم تسلم ناقتي ماعليه من ناقة رباعتي، فنيان قهوة الضحى أخير من ذلول، مايعرف التين من طرح البوش، الرأي مثل البعير الشارد، إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه، اللي ما عنده عمل يكاريله جمل، شنيوب غرق جمل، النصيحة بيمل''· في الشعر الشعبيّ ازدان الشعر النبطيّ في الإمارات بقصائد وافرة عن الهجن، حيث دبجّ الشعراء جُلّ قصائدهم للتهاني والفرح بفوز الهجن بجوائز سباقاتها العديدة التي تنطلق في شهر نوفمبر من كل عام، وقد حظيت الهجن بتغني الشعراء الإماراتيين بها فأطربوا سامعيهم وقرائهم بأعذب القوافي التي قيلت في النوق والهجن المُشاركة في السباقات· وهناك العديد من الألحان الشعريّة التي تمثل أساليب الترديد والتطريب والأهازيج والغناء التي غالباً ما تكون مادتها القصائد والأشعار النبطيّة، والونّه من أبرز ألحان الشعر النبطيّ في الإمارات، وتعني الأنين، ومن نماذجها ما اختارته المنصوري من قصيدة للشاعر سعيد بن عتيج الهاملي بعنوان'' كُوس مهبه بدي'': عن وصلهم لابِدّي في اسعود امْن اللّيال على ابْكراتٍ ضِدي ومن الربخ ذِبّال نيط الغوارب مدي حولٍ مَهَب اهْزَال ''سمحة'' لموزة المهيري وكتبت عميدة الشعر الإماراتي الشاعرة مُوزة بنت جمعة المهيري قصيدة ''سمحة'' حيث فقدت ناقة الشاعرة وليدها بالقرب من البيت فأخذها الحنين إليه، الأمر الذي أثار شَجَن الشاعرة فأصابها الحزن لحزن ناقتها سمحة، فقالت في ديوانها المنشور عنها: آه ياقلبٍ تولّع بالونين مِن ونينه سهّر النّاس الرقُود اسْهرتني لي تِهرِيع بالحنين تلتعي بالصوت وتشْم اليلود مرحباً باللي تدِّورلي جنين تلتعي شروا تقصّيف الرعود بينَت عوقٍ مغبّا مِن سنين بينّت عوقي عقب ما يحود لِمس قلبي مثل ضرب الخايطين لي ميابِرهُم قويّات الحدود دمع عيني يروي اللي حايمين لي سقوا بَه يوم كضّات الورود طالبنّكك يا إلهي يا عوين أنت تعطينا ومن فضلك نجود طالبنك يا إله العالمين غير فضلك ما نبا فضل مْعَبُود المنصوري يامحلا سيره··· ووصف الشاعر أحمد بن عبيد بن جابر المنصوري في قصيدته ''يا ما حلا سيره مَعَ كلْ منحاه'' ضمن ديوانه وصف موسم الربيع وذكر مدته ووصف الإبل وهي في الأراضي الخصبة والهواء الطلق قائلاً: ياراكب لي بقرب البعد ممشاه عاده جديدٍ هوب ماخوذ بقصود مكفول في وقته وسيره وملفاه مرّن ثلاث آلاف وألفين معدود مادق واله يوم بايزيد مجراه شروى الموسيقى لي صفا صافي العود مالاعه الكربون والفك ماجاه وزّع له الصّباب من فوق لعْمود كن النفل في وسط سيته محشّاه عليه من باب الشرف كلْ مقصود ياما حلا سيره مَعَ كلْ منحاه كنّه يوزّع خام من غَدف لْحدود يعسْ قفرٍ مابعد حدّ قد جاه يموج عشبه لي لفح رايح النْود طياره بن زنيد ويقول الشاعر محمد بن ثاني بن زنيد في قصيدة كتبها بمناسبة فوز ناقة محمد بن أحمد بن دلموك ''الطيارة'': البَارحَه يُوم اعْتكَار العَسَاعيسْ والناس غَرقَى في كَرَى النوم واهالْ مِن زود فكري يا مَلا والهُواجيسْ طَرْفي ابْلَذّاتْ الكَرَى باتْ ماذالْ مَشْدوهْ قَلبي مِن جِدا صَفْوِةِ العِيسْ هجْنٍ امْطاهِنْ من شَحِمْهنْ لِهِنْ طالْ ساهَرْتْ حتى بان للصبْح تَنْفِيسْ نوَره وْقَضّتْ جِمْلةِ الخْلق عِيّالْ جَدّوْا مَدى غِرْبالْهِن في التِقاييسْ دربٍ ايْبِيِّحْ بالسريرات لَغْتَالْ ويستمر الشاعر بن زنيد في وصف ''الطيارة'' إلى أن يقول عنها: للخِفّ ماتِسْمع مِنِ الخِفْ تَهْميسْ ماجّنّها تاطي على الأرض بِرْجالْ نازِحْ مَحَلٍ يَلْحَج الهِجْن تَفْطيسْ ماصابها مَنّه تكادير وأْكلالْ هَيْهَات شَرواها اثْنين وْمَقابيسْ ينظر لذي منها نظر ذيج لَفْعال قم يا قلم واكتب تهاني كما أهدى الشاعر خليفة بن محمّد بن مترف الجابري في قصيدة ''قم يا قلم واكتب تهاني'' في ديوانه ''النبع العميق'' والتي أهداها للمضمر خلفان علي الرفيسا بمناسبة فوز الساعي في ميدان الوثبة بخنجر ذهب، قائلاً: قم ياقلم واكتب تهاني لمضمّرين الهين كرامٍ عزازٍ وضيفهم مايملّونه يثنون بالترحيب م الخاطر وهم فرِحين عساه يسقي حيهم لي يسكنونه أحشْامٍ تورّثوه الكرم والطيب من يديِّن وساروْا على مجرى الأهل ماظْن ينْسونه سلامي على خير النشامى وعلم الطيبين ايْبين أيْبين في وقت اللقا يوم اللقا حق مضمونه ثم يتناول الشاعر الجابري فرحة الفوز في سباق الهجن، إلى أن يقول في قصيدته: وحيّاه مزيونٍ وهلّت دموع الفرح م العين عيون مثلاّت من ورا الشيل يربونه وقادوه ع الثيّل ويامحلا نظرة الشاهين ويامحلا شدّه على شكله ولونه ونادوْا المضمّر واستلم الجايزه في الحين خنجر ذهب مصقولة الحد مسنونه ديوان الأخوين ونختم الأشعار النبطيّة في ذكر الهجن وسباقاتها في الإمارات بقصيدة ''صغيرٍ حواره'' كتبها الشاعران عمير ومحمّد بن حيّي الهاملي في ''ديوان الأخوين''، يصفان فيها ناقة تسير وراء أمهاتها من النُوق الحلابات، في موسم القيظ، إذ يقولان فيها: يا مرحبا يللي صْغيرٍ حوارَهْ أتْلَتْ وَرا الخَلْفات في مُوسم الصِيفْ هي مِيْرنا لي يازمان المِيارَه ماجنْ على الأسعارْ نِصْبِح مُواقيفْ ولا نْشوف فيها مْنِ التَغَغِّي خْسَارهْ ماعُونها يَكفي هَلِ البيتْ والضِيفْ شِمالْها بينِ الفُخوذْ انحِدارَهْ كالدلو غرْبٍ علّقَتْ بالغَراريفْ وُلي جيتْ بَوْصِفْها من الذُوْد شَارَه طُويلِةِ النَسْنُوس سِبل الهُواريفْ يازين عِدّتْها بنابي الفَقَارَه حمراً تِزَهِّيْها نِقُوشِ الزخاريفْ وان ذَبّن الخَلْفَاتْ خاطي مَداره ماهي مِن اللي يَكْنِسِنْ في المَهايِيفْ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©