الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دافيد لوبروتون: المعاناة رنين حميمي للألم

دافيد لوبروتون: المعاناة رنين حميمي للألم
12 أغسطس 2019 02:10

محمد نجيم (الرباط)

يحلل المفكر الفرنسي دافيد لوبروتون، في كتاب «أنثروبولوجيا الألم»، الذي صدرت طبعته الأولى مؤخراً، عن دار روافد للنشر والتوزيع، في القاهرة، علاقة الإنسان بألمه، متسائلاً عن كيفية تأثير النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يحتويه على تصرفاته وقيمه، ولكن دون إغفال أن الإنسان، على الرغم من كونه نتاج ظروفه الاجتماعية والثقافية، فإنه يبقى مع ذلك المبدع الذي لا يمل ولا يكل لكل الدلالات التي يتعايش معها، ولا توجد صيغة نهائية تمكن من تسييج العلاقة الحميمية للإنسان بألمه، باستثناء أن كل ألم تنتج عنه معاناة، وبالتالي دلالة خاصة بكل فرد حسب خصوصياته.
ويسعى هذا الكتاب، الذي صدر في طبعته الأولى بالفرنسية سنة 1995، وترجمه إلى العربية عياد أبلال وإدريس المحمدي، إلى تطوير أنثروبولوجيا الألم، وفهم تمزقاته، ولكن أيضاً تناقضاته، فالألم ليس مجرد نسخ لخلل عضوي في الوعي، بل إنه يمزج الجسد والمعنى، إنه جسْدَنة وتوليد دلالة، إنه ليس إحساساً، بل هو إدراك، يعني مواجهة حدث جسدي مع عالم من المعاني والقيم، والمحسوس ليس تسجيلاً لإصابة واقعية أو رمزية، لأن المعنى غير موجود في الأشياء في حد ذاتها، بل ينشأ في العلاقة بالأشياء، وفي النقاش والحوار مع الأشياء وفي النقاش الصادر مع الآخرين، فيما يخص تعريفهم لها، في رضاهم على العالم الذي ينتمون إلى مقولاته أو لا، حيث يبقى الإحساس بالعالم- وحتى بالألم- طريقة أخرى للتفكير فيه، وتحويله من محسوس إلى جلي.
ترتبط التجربة البشرية، قبل كل شيء، بالدلالات التي يعاش بها العالم، لأن هذا الأخير لا يدرك وفق تكهنات أخرى، وكما قال ويليام توماس‏، ففي الوقت الذي يرى فيه الناس الأشياء باعتبارها حقيقية، تكون بالفعل كذلك في نتائجها، وألم المريض يعد بمثابة سطو على جوهر الإحساس بالهوية، فالرجل المصاب بالألم لا يتعرف على نفسه، ومحيطه يكتشف باندهاش أنه لم يعد هو نفسه، إذ إن كل ألم يحدث تغييراً وتحولاً في العمق المتألم نحو الأفضل أو الأسوأ، فالألم لا يمس فقط عضواً أو وظيفة، بل يشمل حياة الإنسان كلها، إنه يفسد أنشطة الإنسان، حتى الأنشطة التي يحبها.
يتم التمييز تقليدياً ما بين الألم الذي يصيب البدن، والمعاناة التي تصيب النفس، وهذا التمييز المريح يبقى غامضاً، لأنه يعرض الجسد والإنسان، وكأنهما حقيقتان مختلفتان تجعلان من الفرد نتاجاً لتوضيب سوريالي ما بين الروح والجسد، فالألم لا يسحق الجسد، بل يسحق الفرد، ويحطم واقع علاقته بالعالم، كما أنه يكسر جريان الحياة اليومية، ويفسد العلاقة بالآخرين.
إن الألم موجود دوماً داخل المعاناة بما هو شقاء واعتداء وجب تحمله، فيما المعاناة رنين حميمي للألم، فهي بالتالي ما يمكن للإنسان أن يفعله بألمه، ويشمل كل مواقفه، أي استسلامه، أو مقاومته للتدفق الألمي، وموارده البدنية أو المعنوية حتى يصمد أمام الاختبار.
يعد الألم، حسب مؤلف الكتاب، تجلياً غامضاً للجسد، ولأنه محروم من القدرة على تحمل الألم، فإن الوجود البشري يظل معرضاً على الدوام للمعاناة، لذلك فهو مرغم على الاستفادة الواضحة والعسيرة، في الآن نفسه، من الأخطار التي تهدد كيانه البدني، وبعض الأشخاص الذين يولدون، وهم يمتلكون بالفطرة هذه القدرة (مَلكة) على تحمل الألم، يؤكدون أهميتها، ذلك أنهم، وحتى إن جرحوا جروحاً خطيرة، فلا يحسون بشيء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©