أحمد مراد (القاهرة)
اشترط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيمن يتولى القضاء ثلاث خصال: لا يصانع، ولا يضارع «أي يشبه فعله الرياء»، ولا يتبع المطامع، وعندما وجد الفاروق هذه الصفات متوفرة في كعب الأزدي ولاه قضاء البصرة. هو كعب بن سور بن بكر بن الأزدي، من قبيلة في اليمن، كان من أوائل أهل اليمن الذين اعتنقوا الإسلام، ولم ير النبي، ولكنه عاصر كبار الصحابة، وفقه آيات الأحكام والحديث، ويعد من كبار التابعين.
ويروى أن كعب بن سور كان جالساً مع عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة، فقالت يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي إنه ليبيت ليله قائما، ويظل نهاره صائما، فاستغفر لها وأثنى عليها، فقال كعب: يا أمير المؤمنين، هلا أعنت المرأة على زوجها؟ قال: أو ذاك أرادت؟ قال عمر للمرأة: إن هذا زعم أنك جئت تشتكين زوجك، أنه يجتنب فراشك، قالت: أجل إني امرأة شابة، وإني أتتبع ما يتبع النساء، فأرسل إلى زوجها فجاءه، فقال عمر لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهمه، فقال كعب: إني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقض له بثلاثة أيام ولياليهن، يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة ليس له فيها إلا أداء الفريضة، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاض على أهل البصرة، وكان ذلك في سنة 18 هجرية.
وعندما استشهد عمر، اختار عثمان بن عفان عبد الله بن عامر والياً على البصرة، فأعاد ابن عامر كعبا على القضاء، ومكث فيه 12 عاماً، وكانت أحكامه من دليل صحتها لا يختلف فيها أو عليها.
ومن نماذج أحكام كعب، أنه اختصم إليه رجلان، باع أحدهما صاحبه ورقاً على أن يقطع برضاه، فجعل يأتيه بالأديم «آلة القطع»، فيقول له: اقطع لي من وسطه ورقة ودع باقيه، فقال كعب: إما أن تقطعه كله أو لا تفسده عليه، وإلا فخذ دراهمك، وذلك تطبيقاً لمبدأ «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، ولا يزال هذا أساس نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي. وذات مرة اشترى رجل من رجل أرضا، فوجدها صخرة، فاختصما إلى كعب بن سور فقال كعب: أرأيت لو وجدتها ذهباً، أكنت تردها؟ قال: لا، قال فهي لك.
ويروى أن بنت كعب قالت: ألطفنا بعض الحي بلطف - أي هدية - فدخل أبي فرآه فأدنيناه إليه، فأكل ثم قال: من أين هذا لكم، قلنا له: أهداه، لنا فلان فتقيأه لأن الهدية إذا دخلت بيت القاضي دفعت إلى الطمع منه والشبهة فيه. توفي كعب بن سور سنة 36 هجرية.
عدد اليوم
