الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فريد بلكاهية.. نحّات الروح المغربية

فريد بلكاهية.. نحّات الروح المغربية
21 يناير 2019 02:39

محمد نجيم (الرباط)

يقام حالياً، وإلى نهاية شهر مارس المقبل، بمتحف فريد بلكاهية بمدينة مراكش، معرض كبير لأعمال هذا الفنان الذي يُعدُّ أحد المؤسسين للحداثة التشكيلية المغربية ممن حلقوا باللوحة والنحت المغربي في آفاق العالمية، وأكسبها شهرة واسعة، فتحت عنوان «فريد بلكاهية ومدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء» يقربنا هذا المعرض من المنجز الفني للراحل الفنان المغربي المراكشي المرموق فريد بلكاهية (1934-2014) الذي ارتقى باللوحة المغربية وابتكر لها ما يلزم من الخطوط والألوان والرموز ليخرجها من النمطي والسائد، ويحتفي فيها بالموروث الثقافي المغربي الأصيل، مستلهماً ثراء الثقافة الشعبية والفولكلور المحلي الضارب في القدم، مع اشتغاله على النحاس والجلد المدبوغ مما أعطى لأعماله بصمة وهوية مغربية أصيلة.
ويسلط المعرض الضوء على مسار الفنان الراحل خلال المدة التي كان فيها مديراً لمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء من سنة 1962 إلى 1974، عمل خلالها على جعل هذه الأخيرة، حاضنة للأفكار قصد تحفيز انبثاق إبداع فني حديث متجذر في الثقافة المحلية ومتحرر من الممارسات الفنية الأكاديمية، كما قالت مديرة المتحف ورفيقة دربه رجاء بنشمسي، التي أكدت خلال افتتاح المعرض أن الأمر يتعلق بتجربة قادها بدعم ومشاركة فعالة من رفاق دربه، الفنانين: محمد المليحي ومحمد شبعة، والمؤرخة الفنية طوني ماريني، والعالم الأنثروبولوجي بيرت فلينت.
ويقدم المعرض أعمالاً كثيرة اشتغل فيها الراحل بلكاهية على مادة النحاس، هذا المعدن المقدس والملعون، في الآن ذاته، حسب رجاء بنشمسي، فصفائح النحاس الأحمر أو الأصفر التي تطوى، وتطرق وتُقَولب ثم تثبت على الخشب، تعتبر في نظر فريد بلكاهية سفراً حقيقياً في تخوم المادة، وتمجيداً للمادة وعشقاً لها، واتصالاً مكثفاً حيث الطيّات والتعقفات المنجزة يدوياً، تنبجس من النقوش الصغيرة، في مجابهة مع هذه المادة الصلبة والطيعة في آن واحد، ومتنفساً ومكاناً حيث يتم تجاوز التوترات ويتبخر القلق. هذه الأشكال المقلوبة وغير المنحوتة على النحاس، تفجر الإطار الكلاسيكي المتمثل في المستطيل والمربع، لتدفع في الفضاء أشكالاً غير مألوفة، رهانها المركزي غالباً ما يتمثل في الدائرة، تفجير الإطار الكلاسيكي هذا تعبير عميق عن مطلب متعلق بالهوية، هذا المطلب في نظر فناننا ينبع من ضرورة اتخاذ مسافة من الفن الغربي باعتباره المرجع الوحيد الممكن للفن المعاصر، وكان مطلب الراحل بلكاهية هو أن نعرف ماذا بإمكاننا أن نضيفه، انطلاقاً من اختلافنا، إلى تقاليد ليست تقاليدنا، ليس المطلوب أن نقلد الغرب، وإنما أن ننخرط في هذه الحركة دون الانسلاخ من ذواتنا. من هذا المنطلق بالذات قرر أن يتوقف تماماً عن التشكيل على القماش وعن استعمال الصباغة الزيتية، ليشرع في الاشتغال على النحاس.
وخلال توليه إدارة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، عمل بلكاهية على منح تلاميذ تلك المدرسة العريقة، بعداً عالمياً في تعليمهم، قام أيضاً باستدعاء فنانين من أمثال ديميترينكو سيزار ولورسات. وصار يخصص جل وقته للمدرسة وتخلى عن تقنية الرسم بالصباغة الزيتية على الورق، فأخذ عمله توجهاً مختلفاً تماماً عما كان عليه، وهكذا رأى النور سفر طويل في أحضان المادة، ومازال إلى الوقت الحالي يندرج ضمن أهم رهانات عمله الفني. في عام 1972 تم استدعاؤه إلى الولايات المتحدة من قبل وزارة الشؤون الخارجية، فانبهر بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وبمختلف المتاحف والمؤسسات الفنية، وفي سنة 1974 استقال من إدارة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©