السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الحزب الديمقراطي يغازل المتضررين من حروب ترامب التجارية

الحزب الديمقراطي يغازل المتضررين من حروب ترامب التجارية
29 يوليو 2019 03:36

عقد الحزب الديمقراطي الأميركي مناظرة مطولة بين أعضائه الراغبين في الترشح للرئاسة العام المقبل. وتنافس المتحدثون خلال المناظرة على شق الجيوب ولطم الخدود إزاء الحال التي وصل إليها الاقتصاد الأميركي. بل إنهم تباكوا على أحوال الشريحة الدنيا من المجتمع، السود، والملونون، والأدنى تعليماً، والأقل مهارة. فهل نصدقهم؟
فقد احتفلت وسائل الإعلام منذ أيام بمرور عشرة أعوام كاملة على توسع الاقتصاد الأميركي بلا توقف، وهي فترة قياسية من نوعها دون شك. ولكن التقارير المتاحة تجاهلت على الأرجح اختلاف أوضاع العامين الأخيرين مقارنة بالثمانية التي سبقتها، ونعني بذلك السياسات الاقتصادية المتبعة والنتائج التي أسفرت عنها. ويمكن القول إن عصر الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أظهر ما يكفي من الملامح حتى الآن، حتى نرصد أوجه الاختلاف بأمانة.

أوضاع التشغيل
وبلغ معدل البطالة بين الأميركيين السود 6.2% ويزيد بنسبة 2.9% فقط على نظيره بين البيض. وكانت نسبة هذا الفارق 4.6% قبل بداية موجة الركود في عام 2008. ومنذ ديسمبر 2016، تراجع معدل البطالة بين السود بمقدار ضعفي الانخفاض المسجل بين البيض. وبالأرقام، فقد انضم نحو مليون أميركي أسود، ومليوني أميركي من ذوي الأصول الإسبانية إلى سوق العمل منذ مغادرة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما البيت الأبيض. كما يشغل أبناء الأقليات أكثر من نصف كل الوظائف المستحدثة منذ وصول ترامب إلى الحكم. ويدور معدل البطالة بين النساء السود حول 5% تقريباً منذ 6 أشهر، وهو الأدنى على الإطلاق منذ عام 1972. كما يقدر معدل البطالة بين خريجي التعليم الثانوي بنحو 3.5% فقط.
من جهة أخرى، تصل نسبة الأميركيين الذين يعملون في أكثر من وظيفة حالياً إلى نحو 5% وهو معدل شبه ثابت منذ عام 2010. ويطيح هذا الرقم مزاعم العضوة الديمقراطية في مجلس الشيوخ كمالا هاريس، بشأن اضطرار أعداد أكبر من الأميركيين إلى شغل أكثر من وظيفة لسد احتياجاتهم الحياتية. وفي المقابل، يقل عدد الأميركيين الذين يعملون لبعض الوقت لأسباب اقتصادية بحتة عن عددهم المناظر في عصر أوباما بمقدار 1.3 مليون شخص.

طفرة الأجور
وتحسنت دخول العمالة الأميركية بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، خصوصاً متوسطي المهارة والتعليم. فقد وصل معدل النمو السنوي في أجور العمالة الصناعية بنظام متوسط الساعات إلى 2.8% تقريباً منذ بدء رئاسة ترامب، مقابل 1.9% فقط في الفترة الرئاسية الثانية لأوباما. علاوة على هذا، تسارعت وتيرة الزيادات في أجور عمالة الإنتاج الصناعي بشكل أسرع من هذا المعدل في ولايات بنسلفانيا، وميتشجن، وإنديانا.
ومن الملاحظ أن قطاعي التعدين والصناعة استفادا، على وجه الخصوص، من سياسات التيسير المالي والتشريعي التي انتهجتها إدارة ترامب، إلا أن أجور العاملين زادت بسرعة أكبر في قطاع خطوط الإنتاج الصناعية بأنواعها. وشهد العام الماضي زيادة مطردة في معدل نمو الإنتاجية بفضل زيادة الاستثمارات الرأسمالية، والإصلاحات الضريبية الجديدة. وسيؤدي هذا بمرور الوقت إلى زيادة الأجور حتى إذا انخفض معدل التوظيف.
ويتعين الإشارة في هذا السياق إلى أن مناطق في أبالاتشيا مازالت تعاني تدهور صناعة تعدين الفحم. إلا أن انتعاش قطاع التنقيب عن الغاز الصخري أسهم في خلق آلاف الوظائف، بما في ذلك قطاعا التوزيع والتسويق (مد خطوط الأنابيب والبتروكيماويات). ودأب الديمقراطيون على رفض هذا النشاط. وفي ولاية غرب فيرجينيا، وصل معدل نمو أجور العاملين في القطاع الخاص إلى 5.1% سنوياً منذ تولي ترامب الرئاسة، مقابل 1.2% فقط في رئاسة أوباما الثانية.

استراتيجية الديمقراطيين
ليس بوسع الديمقراطيين إنكار مثل هذه الأرقام الإحصائية، لكنهم يسعون لاجتذاب الناخبين إلى صفوفهم فيما يعرف بالولايات المتأرجحة، خصوصاً من تضرروا من عواقب حروب ترامب التجارية. لكن يجب عليهم أن يقروا بحقيقة أخرى وهي أن متوسط دخل الفرد زاد بوتيرة أسرع في عهد ترامب، مقارنة بما كانت عليه الأحول في ظل أوباما، خصوصاً في ولايات: بنسلفانيا، وأوهايو، ونيفادا، ووسكونسن، وأيوا. وقد تحقق هذا رغم الرسوم الجمركية العقابية التي فرضت على صادرات هذه الولايات إلى الخارج نتيجة الحرب التجارية.
من جهة أخرى، تقلصت الفوارق بين ولايات الوسط، والولايات الساحلية التي ينظر إليها تقليدياً كمعاقل راسخة للثراء الأميركي. فقد ارتفعت الدخول في ولايات ميريلاند، وماساتشوستس، وهواي، بمعدل أسرع من المتوسط الوطني العام خلال رئاسة أوباما الثانية، لكن المعدل تراجع بعد ذلك. وبينما زادت ولاية نيويورك ثراء على ثرائها، فإن إيرادات التمويل انخفضت خلال العامين الأخيرين.

المفارقة الكبرى
ودأب الديمقراطيون في عهد أوباما على الحديث عن انعدام المساواة، وضرورة محاربة الظاهرة، وتجاهلوا قضية النمو الاقتصادي تماماً. وفي نهاية المطاف، أدت سياساتهم إلى مزيد من الظلم الاجتماعي، مع ضعف في النمو!
فخلال ثمانية أعوام من حكم أوباما، أدى توسع بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي في شراء أذون الخزانة إلى ارتفاع قيمة الأصول، وتوسعت الشركات في الاقتراض للاستفادة من الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة المعلنة آنذاك. وفي المقابل، تسببت اللوائح عقابية الطابع التي انتهجتها تلك الإدارة الديمقراطية في خلق حالة من الارتباك بين أوساط الأعمال، فتقلصت الاستثمارات الموجهة إلى العنصر البشري، فضلاً عن رؤوس الأموال الملموسة. وأصبح الوضع كالتالي، انتعاش أصحاب الأصول المالية أكثر من أبناء الطبقة الوسطى أصحاب الأجور الثابتة.
في مقابل هذا الأداء، ركزت إدارة الرئيس ترامب على قضية النمو في الأغلب الأعم، وتبنت خليطاً من سياسات التيسير المالي والإصلاح الضريبي، ما أدى إلى ضخ مزيد من الاستثمارات الخاصة وخلق مزيد من فرص العمل. كما ارتفعت الإنتاجية وزادت أجور الأميركيين الأقل حظاً بالثراء. بمعنى آخر، أدت هذه السياسات إلى نمو أسرع مع مستوى أقل من الخلل في التوازن الاجتماعي. ومن ثم، تضاعفت أرباح الشركات أربع مرات في خلال أول عامين من حكم ترامب، مقارنة بفترة رئاسة أوباما الثانية. ولكن هذا لا ينفي أن توزيعات الأرباح على المساهمين زادت في عهد أوباما. (نتيجة لتقليص الاستثمار في المعدات والمنشآت والعاملين آنذاك).
في هذا السياق، علينا أن نقر بعدم وجود ضمانات لاستمرار النمو القائم حالياً من جراء الحروب التجارية، وسوء السياسات النقدية.
وعلى أي الأحوال، فإن السياسيين المتنافسين على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في العام المقبل، يركزون رسائلهم للناخبين على ضرورة العودة إلى سياسات باراك أوباما وهي ببساطة: خليط من الضرائب العالية، والتيسيرات القانونية المحدودة للغاية، مع التوسع في إعادة توزيع الثروة. وحتى يتمكن أحدهم من الفوز ببطاقة الترشح، فعليه أن يقنع الأميركيين بأن سياسات ترامب غير ناجحة وهو أمر بعيد المنال (حتى الآن).

بقلم: مجلس تحرير «وول ستريت جورنال»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©