الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتاب يكشف عن رسالة أنشتاين إلى روزفلت واندلاع سباق التسلح النووي

كتاب يكشف عن رسالة أنشتاين إلى روزفلت واندلاع سباق التسلح النووي
17 يوليو 2010 21:22
جوزيف سيرينسيوني واحد من الشخصيات القريبة من عمليات الإدارة وصناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية، فهو عضو في مجلس العلاقات الخارجية، ونائب شؤون الأمن القومي في مركز التقدم الأميركي في واشنطن، وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية التابعة لجامعة جورج تاون، كما أن سيرينسيوني واحد من أشهر الخبراء الأميركيين المختصين بالأسلحة، وبرز مؤخراً كأحد مستشاري الرئيس الأميركي باراك أومابا. عندما يضع جوزيف سيرينسيوني مؤلفاً بعنوان “رعب القنبلة النووية: تاريخ الأسلحة النووية ومستقبلها”، وهو الكتاب الذي بين أيدينا، علينا أن نقرأه بروية وتمعن لكون صاحبه يمتلك رؤية خاصة ومغايرة لكل ما يتعلق بعالم الأسلحة النووية ومخاطرها ودورها في لعبة التوازنات الدولية. في البداية يعرض سيرينسيوني تاريخياً للانشطار النووي والذرة بوصفهما أصل صناعة القنبلة النووية المعتمدة في الأساس على تفتيت الذرة، قائلاً، إن فكرة الذرة موغلة في القدم وتعود إلى المفكرين الأوائل، ففي قرابة عام 400 قبل الميلاد استنتج ديمقريطس أنك إن قسمت المادة باستمرار ستصل في النهاية إلى أصغر جزء غير قابل للانقسام دعاه الذرة، وعنى بها “الجوهر غير القابل للانقسام”. الكواكب المصغرة بحلول مطلع القرن العشرين، أدرك العلماء أن للذرة بنية داخلية، وفي عام 1908 اكتشف إيرنست رذرفورد أن للذرات لباً مركزياً - أو نواة مؤلفة من بروتونات مشحونة بشحنة إيجابية، تحيط بها إلكترونات مشحونة بشحنة سلبية اكتشفها جيه جيه تومبسون قبل أحد عشر عاماً. وفي عام 1932 اكتشف جيمس تشادويك أن هناك أجزاء تعادل في الوزن البروتون الموجود في النواة، ولكن لا شحنة فيها مسماها النيترونات. قاد هذا إلى النموذج الذري الذي نعرفه في الوقت الحاضر عن الذرة، بوصفها نظاماً من الكواكب المصغرة فيه نواة تتألف من كرات قاسية ومستديرة هي البروتونات والنيترونات، وكرات إلكترون أصغر حجماً تدور حولها في مدارات، في هذا الإطار يلفت سيرينسيوني إلى أخطر مرحلة في تاريخ صناعة القنبلة النووية، والتي كانت في منتصف القرن الماضي تقريباً. تلك المرحلة التي شهدت صناعة أول قنبلة نووية، وكانت مع توقيع ألبرت إنشتاين في أغسطس عام 1939 على رسالة هي الأخطر والأشهر من بين رسائل الحرب والسلام في العصر الحديث، وندم عليها فيما بعد واعتبرها الغلطة الوحيدة التي اقترفها في حياته. وفحوى الرسالة التي بعث بها اينشتاين إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت وكتب مسودتها زميلاه عالما الفيزياء ليوزيلارد ويوجين، يدور حول الاكتشافات التي حصلت آنذاك لأسرار الذرة الدفينة والرعب الذي يسببه تمرير الطاقة الذرية، وما يصحبه من إمكانية قدرة النازيين على تصنيع سلاح خارق. في رسالته الشهيرة حذر إنشتاين روزفلت من أنه في المستقبل القريب واعتماداً على عمل جديد قام به زيلارد والعالم الإيطالي إنريكو فيرمي، قد يصبح من الممكن إجراء تفاعل نووي متسلسل في كتلة ضخمة من مادة اليورانيوم، سيولد كميات كبيرة من الطاقة ومقادير هائلة من العناصر التي تشبه الراديوم. استجابة مترددة يقول الكاتب إن هذه الظاهرة الجديدة قد تؤدي إلى تصنيع قنابل ذات طاقة هائلة جديدة من نوعها، فمجرد واحدة فقط من هذه القنابل.. تحملها إحدى السفن وتفجرها في أحد الموانئ من المرجح أن تدمر الميناء بأكمله مع المناطق المجاورة، ربما كان النازيون يعملون على تصنيع قنبلة كهذه. وقال إنشتاين: “في الحقيقة أوقفت ألمانيا بيع اليورانيوم من المناجم التشيكوسلوفاكية التي سيطرت عليها، وحث روزفلت على الإسراع بالعمل في الأبحاث الأميركية عبر تزويدها باعتمادات مالية من الحكومة، وتنسيق عمل العلماء الفيزيائيين في أبحاثهم عن التفاعلات المتسلسلة. يشير سيرينسيوني إلى أن استجابة روزفلت لطلب انشتاين بدت مترددة، وأسس لجنة استشارية لمراقبة البحث الأولي للانشطار النووي، وبحلول ربيع عام 1940 كانت اللجنة قد رصدت ستة آلاف دولار فقط لشراء قرميد الرصاص الأسود وهو العنصر الرئيسي في تجارب الانشطار الذري. غير أنه مع بداية عام 1941 نجح المهندس فانيفاربوش، وهو المستشار العلمي غير الرسمي للرئيس بإقناع روزفلت بالإسراع في عمله، كذلك أسهم ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني بذلك عن طريق إرسال دراسات جديدة مهمة أجراها علماء في بريطانيا. ثم تسارع هذا الاهتمام ليتبلور إلى ما يعرف بمشروع مانهاتن الذي أنفق فيه مبلغ الملياري دولار آنذاك (نحو 32 مليار دولار بأسعار 2006)، والذي انتهى إلى إنتاج أول قنبلة ذرية كان لها الأثر الحاسم في مجريات الحرب العالمية الثانية، وظهور الولايات المتحدة قوة كبرى وفريدة من نوعها إلى العالم الخارجي. الجدلية النووية يدلف الكاتب أيضاً إلى واحدة من القضايا الهامة المتعلقة بالرعب النووي وهي الجدلية المثارة حول انتشار الأسلحة النووية غير المرغوب به، من قبل المتشائمين من جانب والمتفائلين والقائلين بأن الأسلحة النووية مفيدة وتعزز الاستقرار الدولي من جانب آخر، حيث تبنى المتفائلون فكرة الردع النووي، التي تشير إلى أن الخوف من الضربة النووية المدمرة المعاكسة يمنع الدول من الهجوم على غيرها من الدول النووية. وبسبب الردع المتبادل كما يؤكدون فإن الأسلحة النووية لمنع الحرب بين البلدان النووية. ووجودها يعزز الاستقرار عبر إحباط الأعمال المتهورة أو العدوانية، وهناك دليل مقنع على هذا الرأي، فبين عامي 1900، 1950 مثلاً قتل مئة مليون إنسان في الحروب في حين لم يتجاوز العدد بين عامي 1951، 2000 عشرين مليوناً، يقول أنصار هذا الرأي، مع ارتفاع عدد الدول المجهزة بالسلاح النووي، ستوسع منافع الردع النووي وفوائده لتشمل مناطق عديدة في العالم، وتساعد على الحفاظ على السلام في أنحاء الأرض. ويرفض المتشائمون هذه الحجج، ويعتقدون أننا “حُوصرنا ومُنعنا من التدخل” في أثناء الحرب الباردة، حين وقفت القوتان النوويتان العظميان وجهاً لوجه، بحسب الوصف الشهير لوزير الخارجية الأميركي السابق دين رسك لأزمة الصواريخ الكوبية، ويقدمون الحجة على أن انتشار الأسلحة النووية يقلص الأمن الحقيقي ويهدده، فالدول لا تتصف دوماً بالعقلانية والتعقل. وربما قد يتصرف زعماؤها بطريقة متهورة وطائشة، ويشنون هجوماً نووياً صاعقاً، إضافة إلى أن الدول ليست كتلة صلدة متجانسة، فبعض المسؤولين الذين يمتلكون أجندات خاصة بهم، بمن فيهم القادة العسكريون، ربما يتجاهلون أوامر رؤسائهم ويشنّون هجوماً نووياً. وحتى في الحكومات المستقرة، يتعاظم خطر إطلاق الأسلحة النووية عرضاً نتيجة خطأ تقني، أو انهيار يصيب سلسلة القيادة والسيطرة، أو الاستخبارات السيئة، أو الافتراضات المغلوطة. أخيراً، يزيد انتشار الأسلحة النووية وتقنياتها من خطر الإرهاب النووي، فقد أعلن أسامة بن لادن أن الواجب الديني يحتم على المؤمنين امتلاك الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية؛ وتعد ترسانات الدول ومنشآتها النووية مورداً محتملاً يمكّنه من الحصول على هذه الأسلحة. عوامل محفزة يعمد سيرينسيوني إلى طرح العوامل التي تدفع دولة ما إلى امتلاك قدرات نووية ومنها: 1- الأمن: يبقى نموذج الأمن القومي التفسير الرئيس للانتشار النووي ويقوم على أساس نظرية الواقعية الراسخة منذ مدة طويلة في العلاقات الدولية. فالواقعية، في جوهرها، تعتمد على افتراضين أساسيين: أولهما يرى أن النظام الدولي فوضوي. ففي حين يمكن للحكومة المركزية ضبط الأفراد، فإن الدول الفردية لا تحكمها أي سلطة مماثلة. أما الافتراض الثاني فيقول: إن الدول تقوم بأي شيء ضروري لتضمن أمنها وسيادتها في شريعة الغاب الهوبزية هذه ومثلما لخص توماس هوبز فلسفته الخاصة في عمله المؤثر “ليفياثان”، فإن الحالة الطبيعية للجنس البشري تقوم على مبدأ “كل إنسان معاد لكل إنسان”، وهي حالة يسودها “الخوف المتواصل، وخطر الموت العنيف، وحياة الإنسان بوحدتها وفقرها وقسوتها الوحشية وقصر أمدها”. 2- الهيبة النووية: الهيبة هي العامل الأساسي الثاني الذي يجب التفكير فيه. فلدى الدول مدركات عما يجعل الدولة حديثة وشرعية وقوية، ترتكز هذه المدركات على مراقبة الدولة لأعمال دول أخرى من جهة، وتتأثر، من جهة أخرى، بطريقة رؤية الدولة لنفسها ولهويتها الوطنية ولدورها في العالم. وعليه، تعتقد بعض الدول أن الأسلحة النووية ضرورية لصون مصائرها الوطنية، ويقدم مؤيدو نموذج الهيبة الحجة على أن امتلاك الأسلحة النووية يشعر هذه الدول بأنها أكثر قوة واحتراماً وصلة بالعالم، ويقول سكوت ساغان الأستاذ في جامعة ستانفورد: “إن الأسلحة النووية قد تخدم الوظائف الرمزية الهمة، التي تشكل هوية الدولة وتعبر عنها. 3- الحتمية التقنية: أكد بعض الخبراء أن الدولة إذا امتلكت المهارة التقنية لتطوير الأسلحة النووية، فإنها ستفعل ذلك حتماً؛ فالقوة الرهيبة للتقنية وللأسلحة النووية أشد من أن يقاومها معظم الزعماء، وغالباً ما كان هذا النقاش يظهر عندما يتجادل العلماء النوويون بشأن أخلاقيات بناء القنابل الذرية ثم الهيدروجينية، وإذا عرفنا أن هذه القنابل يمكن صناعتها فستُصنع، كما قال بعضهم، حيث إن كل سلاح ممكن الصنع قد صُنِع. وقال إدوارد تيلر في حجته لمصلحة القنبلة الهيدروجينية: “هناك بعض التردد بين زملائي العلماء في ما يتعلق بالنصح بتطوير الأسلحة على أساس أنه قد يجعل المشكلات الدولية أكثر صعوبة مما هي عليه الآن. إنها فكرة غير صحيحة برأيي، فإذا كان تطويرها ممكناً، فإنه ليس بوسعنا أن نمنعه”. أربعة تهديدات ثم يتحدث كاتبنا عن العالم النووي في عصرنا هذا لافتاً إلى أنه في وقت مبكر من القرن الحادي والعشرين صار هناك أربعة تهديدات نووية، وهي: 1- خطر الإرهاب النووي، فعلى الرغم من أنه ليس جديداً، إلا أنه التهديد الأخطر، وعُرف عن بعض الإرهابيين سعيهم الحثيث إلى حيازة الرؤوس الحربية النووية التي لم يتم استعمالها بعد، أو المادة الانشطارية اللازمة لتركيب جهاز نووي بسيط. 2- إن الترسانات النووية الموجودة تطرح تحدياً خطراً آخر، فعلى الرغم من استمرار تراجع المخزونات الاحتياطية، لا تزال روسيا والولايات المتحدة تحتفظان بآلاف الرؤوس النووية في حالة التأهب القصوى، وهي جاهزة للانطلاق في 15 دقيقة، وهما إضافة إلى بعض القوى الأخرى التي تملك الأسلحة النووية تبحثان بفعالية في خيارات صناعة أسلحة نووية جديدة وبعد الإهاب النووي، فإن هذا يمثل التهديد الأكبر للمدن الأميركية. 3- خطر نشوء دول نووية جديدة، فإذا لم تتوقف الجهود النووية المستأنفة في إيران وكوريا الشمالية، فإنها ستثير سباقات تسلح في المنطقة تنتهي بخمس دول نووية جديدة أو بست دول في الشرق الأوسط وشمال آسيا. 4- وأخيراً، هناك الخطر الحقيقي المتمثل بانهيار نظام الحدِّ من الانتشار بأكمله، مما يؤدي إلى أن تعيد دول كثيرة النظر في خياراتها النووية، يبدو أن بعض الدول تقوم بذلك حالياً بصورة فعلية بعد أن بدأت ببناء منشآت تخصيب اليورانيوم لصنع قضبان الوقود، وهي عملية يمكن إتمامها بسهولة لتخصيب اليورانيوم لاستخدامه في صنع القنابل النووية. نظرية تكاملية يعرج المؤلف على السياسة الأميركية الجديدة الهادفة إلى الحد من الانتشار النووي، وهذه السياسة تقوم على مزيج من الاتفاقيات الدولية وأنظمة التحالف والالتزامات الأمنية، وذلك عبر نظرية تكاملية تحررية للعالم تقودها الولايات المتحدة تؤدي إلى تقليل الصراعات المستمرة بين الدول عن طريق مؤسسات دولية وتحالفات ديمقراطية. وسياسة التكامل التحررية تلك اتبعها جميع الرؤساء الأميركيين في القرن العشرين وما زالوا إلى الآن، وتقوم على ضبط العلاقات بين الدول بحيث لا يكون ربح إحدى الدول خسارة لدولة أخرى، بحيث يمكنها أن تزدهر معاً عن طريق التعاون الدولي، وقد نجحت الإدارات الأميركية المتعاقبة في إدراك بعض النجاحات لهذه النظرية، وإن كانت الإخفاقات هي الغالبة وهو ما أدخل الولايات المتحدة في شبكة من المقاربات المثيرة التي نراها تجتاح العالم هذه الأيام، وفي نهاية الكتاب يضع المؤلف تصوراً للحد من الانتشار النووي وذلك بتقديم بعض الحلول النووية عن طريق حل بعض المشكلات، ومنها (منع الإرهاب النووي- منع تحويل قضبان الوقود النووي إلى قنابل نووية - إعاقة الدول الجديدة الراغبة في الانضمام للنادي النووي). تقليد الدول العظمى يمكن اعتبار قرار لجنة جائزة نوبل بمنح جائزة نوبل للسلام لمحمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005، جهداً واعياً لإضفاء الهيبة على مناصري الحدِّ من الانتشار ودعاته، أدرك البرادعي نفسه أهمية هذا الإدراك، فقد قال أمام مؤتمر دولي انعقد في نوفمبر عام 2005: “ما لم نوجد البيئة التي تعد فيها الأسلحة النووية حادثاً تاريخياً عابراً نحاول تخليص أنفسنا منه بأسرع ما يمكن، فستستمر هذه البيئة المتخمة بالشكوك والمثيرة للسخرية التي تحاول فيها الدول الصغيرة كلها الانضمام إلى نادي الدول النووية الكبرى. إنها الحقيقة، ولا علاقة لها بالإيديولوجية.. وسيقول قادة الدول الصغيرة: إن كانت بلادنا تعاني من مشكلة أمنية فنحن نرغب بتقليد الدول العظمى، وإن استمرت الدول العظمى بالاعتماد على الأسلحة النووية، فَلِمَ لا نفعل نحن ذلك؟”. “قرار السعي أو عدم السعي إلى حيازة الأسلحة النووية ليس سهلاً أو محدداً بوضوح مثلما يبدو للوهلة الأولى، ولا يمكن لنموذج واحد أن يفسر القرارات المختلفة كلها التي يتخذها مختلف القادة في مختلف الدول، فكل منها تواجه تهديدات أمنية خاصة بها، وتمتلك هويتها الوطنية الخاصة، ويجب أن تتعامل مع الضغوط السياسية المحلية التي تتعرض لها”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©