الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

باب واسع على «الشراكة الثقافية»

باب واسع على «الشراكة الثقافية»
21 يوليو 2019 03:28

محمود إسماعيل بدر (أبوظبي)

بشروعها في تنفيذ فكرة «المجالس الثقافية» تفتح الإمارات أفقاً جديداً للثقافة، صناعةً وإبداعاً، وتدخل في طقس ثقافي حقيقي يعكس وعي القيادة الحكيمة في الدولة بأهمية «الثقافة» ورسالتها، أما التّوجيه بإشراك جميع الهيئات والمؤسسات الثقافية، والأخرى ذات الصلة، في هذه المجالس، فهو دخول في «الشراكة الثقافية» من أوسع أبوابها.. بل وممارسة إبداعية، ثقافية، جمالية، من طراز رفيع؛ فلا شيء يرسخ ويوطد ويكرس العمل الثقافي مثل تضافر الجهود، وتكاملها.
لقد عودتنا القيادة الحكيمة، على مبادرات، نابعة من نظرتها الواثقة تجاه المثقف وإبداعه. وليس غريبا أن تولي القيادة «الثقافة والفنون» بأشكالها المختلفة اهتماما خاصا، فلقد قامت دولة الاتحاد، بجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» – بداية على خطاب ثقافي نهضوي عروبي إنساني، شديد الخصوصية في ارتباطه الشديد بثوابت الهوية والشخصية الوطنية، فقد كان قصر القائد المؤسس «طيب الله ثراه» ومجالسه الثقافية محجّا لأصحاب الفكر من الأدباء والشعراء والكتّاب والعلماء ورجال الدين والمدرّسين من شتّى المشارب.
ومن هنا، فإن إطلاق دولة الإمارات، الأجندة الثقافية الأولى من نوعها، والتي تمثل الاطار الاستراتيجي لتنمية القطاع الثقافي في الإمارات، للفترة من عام 2018 إلى عام 2031، هو امتداد طبيعي للنهج الرسمي، الذي كان دائما المشجع والمحفّز لحركة المشاريع الثقافية الطموحة، ومنها تأسيس «المجالس الثقافية» الثلاثة، وهي: «مجلس التراث» و«مجلس الفنون» و«مجلس الصناعات الثقافية والإبداعية». إن التوجهات التي رشحت عن الاجتماع الأول للمجالس الثقافية، تحت مظلة وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، مثل: الدور الحيوي والمحوري الذي ستلعبه هذه المجالس في تحليل المشهد الثقافي، وتشجيع نمو الصناعات الثقافية والابداعية، ورصد التحديات التي يواجهها، تؤكد أن هناك مشروعاً وطنياً لحماية (رأسمال) الثقافة، وهو هنا متمثل بالمبدع المحلّي، ما يشي بأن المشهد الثقافي سيتنفس هواء جديداً، ضمن ضوابط ومقاييس الجودة في مجال الإبداع، جودة لا تبني علاقة مزيفة مع النموذج الغربي، وهنا ينبغي أن تكون الجامعات القلب النّابض للعمل الثقافي في الدولة.
يعتبر إدوارد تايلور، أول من وضع تعريفا للثقافة بأنها «ذلك الكل الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والعادات والتقاليد، وأي قدرات اكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع»، وهنا يمكننا أن ننوه إلى أن مصطلح «الصناعات الثقافية، ظهر لأول مرة سنة 1947، من طرف كل من «أدورنو» وو «أوركايمر» من مدرسة فرانكفورت في كتابهما تحت عنوان «جدل التنوير»، حيث خصص الفصل الأخير من الكتاب للصناعة الثقافية. بالنسبة لهما، أنّ الثقافة يجب أن تحتفظ بالجانب الرمزي والجمالي لها من دون أي استغلال اقتصادي أو اجتماعي. وابتداء من سنة 1970 بدأ مصطلح الصناعات الثقافية يستعمل في صيغة الجمع، حيث ظهر ما يعرف بالانتاج الصناعي للمصنفات الفنية، والتي أصبحت تعني مجموع النشاطات الثقافية التي تقوم بدمج الوظائف والنشاطات الاقتصادية، كالتصميم، الإبداع، التوزيع والتسويق، وتتمثل هذه النشاطات في الموسيقا وفنون المسرح، وفي السمعي والبصري «السينما، الاذاعة، التلفزيون»، وفي الأزياء والتشكيل، وغيرها مما يتصل بالابداع الإنساني. ونعتقد في السياق أن تشكيل «مجلس الصناعات الثقافية والابداعية» وبهيئته الاشرافية من جملة من الهيئات الوطنية في مجالات الفنون والثقافة والسياحة، من كافة إمارات الدولة، يعتبر من المبادرات النوعية المهمة في تنظيم شؤون العاملين في مجالات الصناعات الثقافية والابداعية، باعتبارها من أسرع الصناعات نموا في العالم، وقد ثبت عمليا أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد، هو الإبداع البشري، ويقصد بمصطلح الإبداع قدرة الإنسان على وضع حلول وافكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار، والذوق الإنساني. ويلزم هنا الاشارة إلى أهمية دور وزارة الثقافة وتنمية المعرفة من خلال هذا المجلس، في وضع وتوفير الامكانيات لنمو هذه الصناعات، وحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وهو ما سيمكن الفنانين والمهنيين والممارسين العاملين في مجال الثقافة، وسائر المواطنين من ابتكار مجموعة واسعة من السلع والخدمات والأنشطة الثقافية النوعية وإنتاجها ونشرها والتمتع بها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأشكال التعبير الثقافي الخاص بهم، ثم تسويقه عالميا وإعلاميا.
إنّ أمام «مجلس الفنون» أرضية قوية وراسخة من مبدعين ومثقفين وفنانين، فالإمارات تقدّم فرصا ثمينة لاطلاع الجمهور على الإبداعات البصرية المحلية والعالمية، وعلى مدار السنة في جميع إمارات الدولة، وهذه النشاطات مختارة بعناية وخصوصية في إطار حداثي معاصر ينبض بالابداع، بما ينسجم مع أكثر من 200 جنسية تعيش على أرض الإمارات تحت مظلة التعايش والتسامح والأخوة، ولا نعتقد هنا أن مجلس الفنون بكل ما يتمتع به المشرفون على شؤونه وأعماله من خبرات ومهارات وطموحات، ورؤية وطنية مخلصة، سيغفلون عن وضع الخطط الناجعة للتجديد والتطوير، وإعلاء سقف تنظيم أعمال المهرجانات وتطوير فلسفتها، نحو إبداعات محلّية أولا تنطلق نحو العالمية بهوية إماراتية ومقاييس ومواصفات دولية، وتقديم المزيد من الأشكال الجديدة من الإبداع والانفتاح على فنون الفلكلور والباليه وغيرها. وبالرغم من القفزة النوعية التي تحققت وما تزال تنطلق بوتيرة متسارعة بفضل الجهود الحثيثة والرصينة لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة، التي تسعى بجد لتحقيق ازدهار لحركة ثقافية وفنية نشطة وحراك ثقافي رفيع المستوى، بالتعاون مع المؤسسات الرديفة والشريكة، فما زال في الجعبة عديد الأهداف، يتصدرها وضع «المبدع الإماراتي»، حتى يكون هذا المبدع في طليعة المسيرة الثقافية، ومشهدها الثقافي الذي وصل إلى طريق (العالمية) بفضل إخلاصه وجهده ومنجزه، ومما يثلج الصدر أن يكون هذا المبدع في رأس قائمة أولويات وبرامج وخطط المجالس الثقافية التي تبشر حيثيات اجتماعها الأول، بأننا أمام أفق جديد للثقافة الإماراتية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©