الأحد 28 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلوى زيدان:صَقَلني الأسوَدْ!

سلوى زيدان:صَقَلني الأسوَدْ!
29 ابريل 2015 21:32
هي واحدة من التشكيليات العربيات اللواتي حفرن عميقاً في أرض الفن الوعرة، لم تركن إلى الموهبة التي تفتحت بين يديها مثل وردة منذ بواكير وعيها الأول، وإنما ذهبت عميقاً في سلم الوعي، قرأت، وجربت، ووضعت التجربة فوق التجربة حتى بنت جداراً تستند إليه.. أتحدث هنا عن الجدار المعرفي، الذي ينبغي على كل مبدع وفنان تشكيلي بشكل خاص أن يتكئ عليه، لكي يحقق ما يحلم به، الجدار الذي أدركت الفنانة التشكيلية سلوى زيدان ضيفتنا في هذا الحوار كم أنه مهمّ، وضروري، لا غنى عنه لكل فنان حقيقي، هنا، نحاول أن نتقصى تفاصيل هذه التجربة الثرّة، وهذا الاشتغال على تميز ما، خصوصية ما، هوية ما تميز عملها أمام أعمال التشكيلية سلوى زيدان يقف المتلقي متسائلاً عن تفاصيل تبدو بسيطة للوهلة الأولى. محاولاً، بقليل من الإنصات والتمعّن، أن يتقصى الجذور الممتدة إلى فضاء مكاني وزماني متسع يتعدى الحدود المشكلة لإطار اللوحة. القصديّة قاتلة * في أعمالك اليوم، أشكال متقاطعة كأنها حروف مقروءة، هل تتقصدين هذا؟ ** لا أتعمّد أبداً إظهار «الحرف» كشكل أو كثيمة في أعمالي. فالقصدية في هذه الحال تفقد العمل عفويته. و يجب على الفنان ألا يعمل وفق قاعدة محددة، عليه أن يستوعب القواعد ويفهمها حتى تنصهر داخله ويستعملها لاستخراج الفن من اللامرئي إلى المرئي. معتمداً على صدق الحالة وخصوصيتها. ثمة المئات من الفنانين في تاريخ الفن الفطري، كانوا أميين ولا يعرفون شيئاً عن تلك القواعد التي نتعلمها في الجامعات والأكاديميات، إلا أنهم أبدعوا أعمالاً توجد اليوم في المتاحف كمثال حي على جوهر الفن واحترافه، بغض النظر عن الأسلوب والتقنية. لا يمكن لنا أن نتعلم الفن مهما حاولنا إن لم نكن نمتلكه بالفطرة، لذا تريْنَ المبدع الحقيقي بعيداً كل البعد عن التوليفات والأفكار المسبقة. كما أن الفن وما إن يدخل فيه عنصر التخطيط أو الكثير من التقنيات، حتى يتحول إلى نتاج فارغ إبداعياً أو إلى فن ميت يخلو من الطاقة والوهج. اختصاراتي.. زبدة فني * ما هي الغاية الفنية الكامنة وراء تلك الاختصارات التي تتميز بها لوحاتك؟ ** عندما بدأت لم أكن أرسم بهذه الطريقة المختصرة، كانت أعمالي أكثر تعقيداً وكانت لوحاتي ملأى بالتفاصيل والألوان التي أخذت تخفّ تدريجياً. وما أنتجه حالياً يختلف تماماً عن الذي أنتجته سابقاً. ما وصلت إليه من اختصارات وأشكال موجزة، هو حصيلة خبرة وممارسة طويلة ترتكز على خلفية ملمة بالواقع الفني الإبداعي والثقافي والاجتماعي، عربياً وعالمياً. أنا ضد الاختصار القائم على أسس هشة، وعلى الاستسهال.. لأنه يأتي سخيفاً لا معنى فيه. من هنا، يتبدّى أن اختياري للاختصار كنهج للعمل جاء عن وعي، وليس على سبيل الاستسهال، على العكس تماماً، فهو يتطلب مني العفوية والتمكّن في الوقت نفسه. لقد ارتحت لفن «المينيمالست» لكنني في المحصلة أفضّل دائماً المضي نحو المزيد من البحث والتطوير والتجريب لفتح آفاق فنية جديدة يكمن فيها الإبداع الذي لا يعرف حدوداً أو مدارس. هكذا هو الفن في النهاية.. يدفعنا نحو بحث مستمر عن المفاجئ و عما لا نستطيع التعبير عنه بالكلام. * يجذبنا اللون الأسود في معظم أعمالك، وكأنه علامتك الفارقة، لماذا تلجأين إليه باستمرار؟ ** للون الأسود حضوره وقوته. لديه من العمق والتأويلات ما يجعله يبوح بالكثير من الأسرار الغامضة والكامنة في ذواتنا. وهو المحصلة النهائية لمزيج الألوان جميعها مع بعضها بعضاً. تجربتي معه تتسم بالحذر في محاولتي تحويره كما ينبغي. لم أستخدمه إلا بعد أن شعرت أنني وصلت إلى مرحلة من النضج الفني تجعلني أفهمه، وأدرك مكانه في لوحتي. بعدها تأتي التفاصيل الأخرى كالشفافية المرافقة الدائمة للأسود. في علاقتي مع الأسود تحضرني تجربتي مع الحبر الصيني التي كان لها الفضل في اكتشافي للون الأسود و ما يحمله من دلالات، والحقيقة أن هذه التجربة صقلتني فكرياً وجوّانياً، وجعلتني قادرة على التعبير عن نفسي.. صارت لوحاتي تشبهني أكثر، وتعكس حقيقتي كإنسانة وكفنانة. هكذا ولجت إلى النحت * كيف بدأت علاقتك مع النحت؟ ** تجربتي مع الحبر الصيني والنتاج المكثف من اللوحات والمعارض في دول مختلفة من العالم، جعلت كثيرون يرون أن لوحاتي تحمل بعداً ثالثاً، وكأنها نحت. وبدأ السؤال لماذا لا تنحتين؟ في تلك الأثناء كانت لديّ فكرة مسبقة أن النحات رجل ببنية قوية ودائماً مغطى بالغبار.. إلا أنني التقيت خلال عملي في السمبوزيوم الدولي الأول للنحت بأبوظبي، بنحاتين عالميين غيروا لي تلك الفكرة، فليس من الضروري أن يمسك النحات مطرقة وإزميلاً، النحات مهمته التصميم، ويمكن لأشخاص آخرين مختصين أن ينفّذوا وينحتوا. ومن وقتها دخلت عالم النحت. المهم خلق الفكرة والتصميم، خلافاً للوحة التي تأتي من خلال التجربة الحية. هكذا دخلت عالم النحت. وكان هذا تحولاً مهماً في تجربتي الفنية، واكتشفت أن كل ما أنتجته من نحت له علاقة قوية جداً، بما أنتجته من لوحات في تجربة الحبر الصيني. وكأن منحوتاتي خرجت بعد أن ضاقت بها لوحاتي. * هل تؤمنين بأن تفسير العمل الفني يبقى ملكاً للمتلقي، وله الحرية في أن يفهمه ويفككه كما يشاء؟ ** نعم، من دون شك. أنا أؤمن أن المتلقي حر في فهمه وإدراكه للعمل الفني الماثل أمامه. لذا لا أمنح أعمالي أسماء ولا عناوين إلا نادراً. أتركها دوماً للمتلقين ليفككوا رموزها وألوانها وأبعادها كما يشاؤون. كم هو رائع أن تفتح اللوحة آفاقاً للآخر، وتملأ رأسه بالأسئلة الضرورية لتطوره الحسي والبصري. ولا أبالغ بالقول إن نجاح اللوحة يتجلّى بقدر ما تثيره من التساؤلات. عندها لا يهم أن يرفضها المتلقي، ويمضي أو أن يطالب نفسه بالفهم والتساؤل. فإما أن يفضل الهرب من التجربة أو أن يتمتع بالتجربة، ويعتبرها ضرورة لتطوره كإنسان يدرك قيمة الفن والثقافة، ويعرف أن التطور الحقيقي يكمن في الانفتاح الكلي على عالم الفن والإبداع. * كيف تنظرين إلى تجربتك مع النقد الفني؟ وماذا عن علاقة النقد بالتشكيل بشكل عام؟ ** للأسف لم يكن للنقد المحلي أو العربي في أعمالي دور مهم ما عدا القلة ممن كتبوا عنها بشكل جيد. وهي أزمة عامة تطال الثقافة في مجتمعاتنا. فغالباً ما نجد ثمة من يمدح بطريقة تخلو من الموضوعية أو من يقدم نقداً غير بناء لا يقوم على دراسة جادة للعمل. مع العلم أن المدح المجاني يضرّ بالفنان. وأعتقد أن مهمة الناقد تكمن في أن يكون ملماً بالمشهد الثقافي على الساحة العربية، وعلى الساحة العالمية، لكي يكون له دوره التثقيفي المهم في حياة الفنان.. * كيف من الممكن أن يتعامل الفنان، مع الأحداث الحاصلة، من حروب وصراعات ومآسٍ إنسانية؟ ** من المفترض أن يقدم الفنان والمبدع بشكل عام رسالة غير مباشرة تجاه الأحداث والأزمات الحاصلة. وليترك التعبير المباشر للصحف والمجلات وللإعلام المرئي والمسموع. ولا بد من أن يبتعد عن الحدث ليفهمه ويراه على حقيقته، ثم يحاول التعبير عنه بما يتوافق مع منهجه الفني وأسلوبه الخاص. الإنسان المبدع يجب أن يستمر بالحياة ويدفع الناس نحوها في زمن يعج بالموت وحيثياته، ساعياً إلى الارتقاء بهم وانتشالهم من المأساة بتقديم فن جيد. مستخدماً خياله ووعيه الفني ليكون الأداة الفعالة لمساعدة نفسه ومن حوله لتجاوز أزماتهم بسهولة. من هنا أدعو لنسيان كل ما هو قبيح و التركيز على علاقة جيدة ودائمة ومستمرة مع أنفسنا ومع الخالق الذي يبقى وحده كفيلاً بمواساتنا وإمدادنا بالأمل والطاقة و الإيمان. هذا الضوء المشع الذي يقودنا إلى منبع الجمال والسلام الداخلي اللامتناهي. * إلى أين تسعى سلوى زيدان في المستقبل؟ ** أسعى إلى تجربة فريدة ليس فقط ضمن نطاق الفن والإبداع. يجب أن نكون واعيين كبشر أولًا، أطالب نفسي بالوعي المستمر وأعمل على تطوير قدراتي وإمكاناتي في كل المجالات التي أعمل بها وأنمي حشرية التعلم عندي باستمرار. أعرف جيداً أن العمر قصير لا يستوعب أحلامنا وطموحاتنا المستمرة فأسعى ألا أضيع وقتي دون معنى. طموحي أن أتعرّف على إنسانيتي.. أن أسلك كل الطرق التي لا أعرفها بعد. وأتعلم من تجاربي وتلك التي عاشها غيري، أطمح أن أكون أكثر إنسانية ونقاء من الداخل، أطالب نفسي أن أكون أكثر تقبلاً وتسامحاً مع الآخرين، ومنسجمة مع ذاتي ومع محيطي على الرغم من كل ما يحيط بنا من كوارث، لها وقع سريالي على عقولنا. من الضروري أن نبتعد بأنفسنا عما يحدث من بشاعات، ونظل مصرين على الجمال، وساعين إليه. وكمواجهة لهذه الهستيريا التي نشهدها تنثر موجات العنف والغضب والدم في عالمنا. علينا بالثقافة والفن والموسيقى. إذ يبقى الإبداع هو خلاصنا الوحيد. سؤال موجع * بين لبنان، الوطن الأم، وبين الإمارات، الوطن الحالي، أين أنت اليوم كفنانة، وكإنسانة؟ ** هذا السؤال موجع. أنا أحب لبنان، هو وطني الأم… وأحب الإمارات وكأنها وطني أيضاً. الإمارات بلد مضياف، آمن ومسالم، يحب الآخرين يعاملهم كأبناء حقيقيين له. لم أشعر يوماً بأني غريبة عن هذا البلد. كان شعوري دائماً يخبرني بأنني جزء لا يتجزأ من هذا المكان المملوء بثقافات العالم. حيث فتح لي المجال والآفاق للاطلاع على حضارات مختلفة، و إن سعادتي لا توصف، لأني كنت الشاهدة الحية على نمو دولة الإمارات وما حققته من تطور مذهل خلال فترة قصيرة، الأمر الذي يستوقف الكثيرين، ما حققه هذا البلد أقرب للأعجوبة. وعلى الإماراتيين أن يفتخروا ببلدهم، وأن يدركوا أنهم محظوظون بقادتهم وما يعملونه من أجل تحقيق التقدم، خاصة على صعيد الفن والثقافة. من جهة أخرى أحزن لوضع لبنان وطني الذي عاش كل أنواع الصراعات والمآسي لعقود طويلة، وما زال يعاني نتائجها حتى اليوم. ويبدو أني لم أعد أستطيع التعايش معها، لأني أبحث عن الصفاء والنقاء والصدق في التعامل، الأمر الذي ما زال نادراً وللأسف في لبنان. وإذا فكرت في العودة يوماً ما، سأختار أن أعيش في الجبال بعيداً عن المدينة وضجيجها. شيء عن الفنانة الفنانة التشكيلية سلوى زيدان، من مواليد البقاع في لبنان. تقيم وتعمل في أبوظبي. وطيلة 25 عاماً قدمت الكثير من التجارب والأعمال التي سافرت إلى بلدان كثيرة من العالم، وتجلّت في العديد من المعارض الشخصية والجماعية. أسست في التسعينيات أول غاليري للفن التشكيلي بأبوظبي، فاستقبل وعلى مدى سنوات، أبرز رواد وأعلام الفنون الحديثة والمعاصرة من هنا وهناك.. تلطيف الهمجية كان هيغل يرى أن مهمة الفن (تلطيف الهمجية، أي تهذيب الأخلاق)، فيما يعتقد هربرت ريد أن الغاية المثلى من الفن هي تصوير الحقائق، وليس الاستمتاع ببعض القيم، ويكون ذلك عن طريق لغة الفن القائمة على الرموز، فيما يذهب الشاعر الألماني شيلر إلى أن مهمة الفن هي القضاء على حالة الاغتراب. ويذهب هيدجر إلى أن مهمة الفن هي الكشف عن حقيقة الموجود. بينما يرى كامي أن مهمة الفن البحث في نظام الطبيعة عن مبرر وجود الإنسان، وأن مهمة الفن - أيضا - هي أن يتعلم الإنسان كيف يتمرد على العالم، وبالنسبة للأميركية سوزان لانجر تنحصر مهمة الفن، في التعبير عن بعض المعاني العميقة بطريقة رمزية لا تتأتى لأي وسيلة أخرى من وسائل التعبير. أما رودان فالفن عنده مظهر نشاط الفكر الذي يحاول أن يتفهم العالم وأن يعيننا بدورنا أن نفهمه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©