الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سويحان.. قصة التراث وثقافة الصحراء

سويحان.. قصة التراث وثقافة الصحراء
20 يناير 2019 02:28

أبوظبي (الاتحاد)
تضاريس الصحراء تتجسد على الرمال الذهبية، بهذه الصورة ندخل إلى «سويحان» إحدى بلدات مدينة العين، وتبعد عنها نحو 73 كيلومتراً، وعن العاصمة أبوظبي نحو 120 كيلومتراً، وأهلها خليط من السكان الإماراتيين المحليين والعرب، إلى عدد قليل من الهنود والآسيويين. وتذكر بعض الدراسات التراثية، أن تسميتها بهذا الاسم تعود إلى مئات السنين، حيث كانت أرضها صحراء جرداء من الماء والزّرع، إلى حدّ أن ربط البعض جغرافيتها بتضاريس الشمس، لما تتمتع به من تموجات الرمال الذهبية الساحرة الممتدة، إلى أن تمّ حفر بئر بها أطلق عليها «ساح الماء»، أي انتشر الماء في أرجائها، فسميت إثر ذلك بـ «سويحان»، ثمّ دبّت فيها الحياة مع خروج الماء، باعتباره مصدر الرزق الأساسي لحياة سكانها وإبلهم، حيث يوجد ارتباط وثيق بين حياة البداوة، مع سفينة الصحراء، إلى أن غدت «سويحان» اليوم تحفة صحراوية تجسّد اندماج الإنسان بالطبيعة ومكوناتها، ما جعلها أثيرة لدى الزوار والسياح ومحبي اكتشاف الجمال المدفون تحت وفوق الكثبان الرملية، ما يعيدنا إلى تاريخ يوم أن كانت الصحراء بعالمها مصدراً فريداً لإلهام شعراء المعلقات، وفي يومنا ملهمة لشعراء سويحان الذين يحلو لهم نظم قصائدهم في مسحة الجمال الصحراوي الخلاّب.
مشهد يومي بديع متكرر لقوافل الإبل التي تجوب المكان، مجتازة الرمال الذهبية ولرغاء الإبل وهي تتهادى على فرش الرمل في الصحراء، صدى يردد مواويل البدو ومعزوفات الريح والليل وأغنيات الرعاة منذ فجر التاريخ، تدندن في صمت المكان، وتبعث ترتيلات الروح ترنيمات في جنباته، يقودها «الحادي» بصوته المرتفع وغنائه، فإذا سرّع في إيقاعه زادت سرعة الإبل، فيما ترافق أنشودته التي تتردد في اتساع الصحراء بمفردات عن وحشة السفر والحنين إلى الأهل والوصول إلى المُبتَغى، وقيل في الروايات أن الغناء للإبل عرف باسم «التدوية»، ويجتمع المؤرخون ورواة أخبار البادية أن التدوية هي الأصل والبداية لكل أنواع الحداء. كما أن هناك نوعين من الحداء، الأول «حداء الإبل»، والثاني «حداء الخيل»، فالاثنان هما من بحر الرَجز، وسمي رجزاً نسبة إلى رجز البعير، لكنه مع الوقت تطور ليصبح فناً شعرياً غنائياً معروفاً في سائر أنحاء البوادي العربية، ومن ذلك نفهم أن هذا المكان «سويحان» يحظى بتنوع يمنحه خصوصيته وجمالياته .
احتفال شعبي
يقوم المكان في «سويحان» على ثلاث مفردات، أولاها: إنسانها، حيث خصوصية حياة سكانها التي تقوم على تربية الجمال والماعز، لكنّ اعتمادهم على الإبل يختلف قليلاً عن تلك التي يتبعها البدو الرُّحل. ففي وسط الصحراء تُربّى الجمال لسببين: الغذاء المباشر(الحليب واللّحم) والبيع، حيث تشكّل الإبل عصب حياتهم ومجال اهتمامات السّكان اليومية، وهي، إذ ذاك، المركز الذي تدور في فلكه أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية، وثانيتها: احتفالها الشعبي السنوي بمشهدها الثقافي.
وتنفرد سويحان كل عام، بتنظيم مهرجان «سلطان بن زايد التراثي» الذي وجّه بإقامته منذ مطلع التسعينيات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات، لتكريس مشروع يقوم على تعزيز ثوابت الهوية الوطنية، والموروث الشعبي، ضمن 100 فعالية، تراثية وفنية وثقافية، مخصصة لإحياء تقاليد الشعر الشعبي، وعروض المسرح المحلّي، والندوات ذات الصلة بثقافة الصحراء. أما الجمل العربي، فهو أيقونة مدينة سويحان، وبه تقام مسابقات لجمال الأصايل من المحلّيات «المزاينات» وسباق الإبل التراثي.
وثالثتها: فضاءات سويحان الصحراوية الجاذبة باعتدال مناخها لهواة رياضة الصيد بالصقور، وتعتبر رحلة السفاري في صحراء سويحان مطلب السياح الأجانب، وحرصهم على زيارة التجمعات البدوية والالتقاء بالسكان من أبناء البادية الذين لا يزالون يحافظون على العديد من أنماط الحياة التقليدية المتوارثة والتعرف إلى نمط حياتهم، وكيفية العيش في هذه الصحراء مترامية الأطراف، ما يؤهل «سويحان» في أن تلعب دوراً رئيساً في تدعيم القطاع السياحي في الإمارات.
إن اختيار مدينة سويحان موقعاً لإقامة مهرجان تراثي ثقافي ضخم يمتد لنحو ثلاثة أسابيع، وغيره من المهرجانات التراثية والرياضية المخصصة للهجن العربية، لم يأتِ وليد مصادفة، فغير أنها الفضاء الأثير لثقافة صحراوية مغايرة، فإنها تحفل بالعديد من ميادين السباقات، والمزارع، والعزب المخصصة لإكثار الإبل، باعتبارها العصب الرئيس لهذه النشاطات، إلى جانب أهلها وثباتهم على مقومات هويتهم وموروثهم، الذي يعيد لنا سيرة ومسيرة الآباء والأجداد بصورة حضارية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©