الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سيناريوهات بريطانيا للخروج من أخطر أزمة سياسية تشهدها منذ 50 عاماً

سيناريوهات بريطانيا للخروج من أخطر أزمة سياسية تشهدها منذ 50 عاماً
19 يناير 2019 00:19

دينا محمود (لندن)

في ظل استمرار أخطر أزمةٍ سياسيةٍ تشهدها بريطانيا منذ نحو 50 عاماً، على خلفية الانقسامات الراهنة بين ساستها حول مسألة الخروج المقرر بعد أسابيع من الاتحاد الأوروبي، والتي بلغت حد الرفض الساحق من جانب مجلس العموم لخطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي في هذا الشأن، تتعدد السيناريوهات المستقبلية المرتبطة بهذا الملف، بين انفصامٍ سلس للعلاقة بين الجانبين وآخر «فظ وغير منظم»، وصولاً إلى احتمالٍ ثالثٍ يتعلق بإمكانية إبقاء الحال على ما هو عليه، واستمرار عضوية المملكة المتحدة في التكتل الأوروبي.

بلورة خطة خروج جديدة
يبدو ذلك هو المسار الأكثر وضوحاً من غيره أمام البريطانيين حاكمين ومحكومين في الوقت الراهن. فبعد رفض الخطة الأولى للخروج يوم الثلاثاء الماضي ونجاح حكومة ماي في النجاة من اقتراعٍ جرى تحت قبة البرلمان لسحب الثقة منها في اليوم التالي، دعت رئيسة الوزراء البريطانية إلى إجراء محادثاتٍ مع مختلف الأطياف السياسية، بهدف كسر الجمود الراهن في الموقف، ومحاولة بلورة صيغةٍ مُتفقٍ عليها يمكن أن تحظى بقبول مجلس العموم.
وتؤكد ماي وأنصارها ضرورة أن تكفل أي صيغةٍ في هذا الصدد، تجسيد نتائج استفتاء الخروج الذي أُجري في يونيو 2016 ووافق 52% من المشاركين فيه على التخلي عن عضوية الاتحاد الأوروبي، وفي إطار هذا السيناريو، سيتعين على رئيسة الحكومة البريطانية اقتراح «خطةٍ بديلةٍ» بحلول يوم الاثنين المقبل، على أن يجري التصويت عليها أواخر الشهر الجاري.
وثمة إمكانيةٌ لأن تسعى ماي لإجراء مفاوضاتٍ ماراثونيةٍ مع قادة الاتحاد الأوروبي، في محاولةٍ للحصول على تنازلاتٍ جديدةٍ تسهم في إقناع أعضاء مجلس العموم من رافضي خطتها الأولى، لإبداء الدعم لأي خطةٍ جديدةٍ مقترحة.
وفي ظل الموقف الرافض الذي أعلنه القادة الأوروبيون لإعادة التفاوض وتأكيدهم على أن كل ما يمكنهم تقديمه لا يعدو «تطمينات»، قد تضطر تيريزا ماي للتخلي عن بعض «خطوطها الحمراء» التي كانت قد وضعتها في السابق، من قبيل رفضها التقيد بشروط الانضمام إلى السوق الموحدة الأوروبية، خاصة ما يرتبط منها بحرية تنقل الأشخاص، وتصميمها على أن تنال بريطانيا حريةً كاملةً فيما يتعلق بمبادلاتها التجارية، وإصرارها في الوقت ذاته على أن تترك بريطانيا الاتحاد الجمركي مع إتمام عملية الخروج.
وبرأي محللين بريطانيين، قد يمثل لجوء ماي إلى إجراء مفاوضاتٍ جديدةٍ مع قادة الاتحاد «مغامرةً محفوفةً بالمخاطر»، إذ إنها قد تُمنى في هذه الحالة بهزيمةٍ سياسيةٍ أخرى ولكن على الصعيد الأوروبي هذه المرة، حال رفض هؤلاء القادة التجاوب مع مساعيها للتوافق.
لكن رئيسة الحكومة البريطانية ربما ستعول في هذا السياق على ما قالته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أيامٍ قليلة، من أنه «لا يزال هناك وقتٌ للتفاوض»، ودعوتها لماي إلى تقديم اقتراحاتٍ حول ملف الخروج أو الـ «بريكست».
وتزامنت تصريحات ميركل مع إعلان المسؤولين الأوروبيين عن التفاوض مع بريطانيا بشأن هذا الملف، أن بوسع الاتحاد «قبول اتفاق خروجٍ مختلفٍ..
لكن ذلك رهنٌ بتغيير المطالب الرئيسة للندن»، وهو ما يعني قبولها الالتزام بشكلٍ أكبر بقواعد التكتل الأوروبي لضمان إقامة علاقاتٍ تجاريةٍ وثيقةٍ للغاية في المستقبل.
ومن بين المشكلات التي تشوب إمكانية تحقق هذا السيناريو، الغموض الذي يكتنف طبيعة أي «خطةٍ بديلةٍ» يمكن أن تطرحها ماي على البرلمان، خاصة في ظل توقعاتٍ بأن تلجأ رئيسة الوزراء البريطانية إلى إجراء تصويتٍ ثانٍ على الاتفاق الذي سبقَ أن رفض قبل أيام، ولكن بعد تضمينه مجموعةً أخرى من التطمينات التي ستسعى للحصول عليها من الاتحاد الأوروبي.

بريطانيون يؤيدون عدم الخروج من الأوروبي خلال مسيرات في لندن (أ ف ب)

الخروج من دون اتفاق
هو «السيناريو الكابوس» بالنسبة للكثير من البريطانيين، حتى في صفوف غلاة المؤيدين منهم للخروج من الاتحاد الأوروبي دون تحفظات. غير أن محللين يقللون في الوقت الحاضر من احتمالات حدوثه، بالنظر إلى الخسائر التي سيُكبدها لطرفي عملية «الطلاق المقررة» هذه.
فعلى الجانب الأوروبي، سيؤدي ترك المملكة المتحدة الاتحاد دون خطةٍ متفقٍ عليها في هذا الشأن، إلى «اختلالاتٍ في أوروبا بأسرها»، كما كاشف ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي مع لندن، النواب الأوروبيين قبل يومين فحسب.
علاوةً على ذلك، قدرّت مصادر اقتصاديةٌ غربيةٌ الخسائر التي سيُمنى بها الاتحاد حال عدم التوصل إلى اتفاق خروج مع بريطانيا، بنحو 250 مليار دولار.
وتشير هذه التقديرات المستندة إلى تقييمٍ أجراه صندوق النقد الدولي في وقتٍ سابقٍ، إلى أن قطاع التوظيف في الاتحاد الأوروبي سيخسر 0.7% من قوة العمل فيه، أو ما يزيد على مليون وظيفة.
كما يُنتظر أن تعاني دول الاتحاد - وفقاً للصندوق - أضراراً بعيدة المدى تعادل نحو 1.5% من الناتج الاقتصادي السنوي له، وذلك إذا خرجت بريطانيا دون التوصل إلى اتفاقيةٍ للتجارة الحرة.
الصورة على الجانب البريطاني ربما ستكون أكثر قتامة، لا سيما في ظل تحذيرات «بنك إنجلترا» - المصرف المركزي في المملكة المتحدة - من أن «الخروج غير المُنظم» من الاتحاد الأوروبي قد يدفع باقتصاد البلاد إلى هوة ركودٍ حادٍ، ستستمر لخمسة أعوامٍ على الأقل من تاريخ إتمام الـ «بريكست».
وأشارت هذه التقديرات أيضاً إلى أن «الطلاق الخشن» مع الاتحاد سيؤدي إلى أن ينكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 8%، أي ما يفوق نسبة انكماشه خلال الأزمة المالية العالمية، والتي لم تزد على 6.25%. كما يُنتظر أن تهبط قيمة الجنيه الإسترليني في هذه الحالة بنسبة 25% وتتراجع أسعار المنازل بنسبة 30%، بفعل فقدان بريطانيا - في إطار ذلك السيناريو - ميزة الوصول إلى الأسواق الأوروبية وخضوعها في تبادلاتها التجارية مع دول القارة لقواعد منظمة التجارة العالمية دون أي امتيازاتٍ تفضيلية، وانخفاض عدد المهاجرين إليها من ذوي الكفاءات اللازمة لدعم عجلة النمو في المملكة المتحدة، بواقع 100 ألف شخص سنوياً.
وفي مؤشرٍ بدا أنه يعزز تقلص احتمالات الخروج من دون اتفاقٍ من الاتحاد الأوروبي، سرّبت صحفٌ بريطانيةٌ مرموقةٌ خلال الساعات الماضية، تفاصيل مشاوراتٍ أجراها وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند عبر الهاتف مع عددٍ من كبار رؤساء الشركات والمؤسسات الاقتصادية في بلاده، لطمأنتهم من أن هذا الخيار بات في سبيله للاستبعاد من على الطاولة تماماً خلال الأيام المقبلة، من خلال طرح مشروع قانونٍ على البرلمان، قد يجبر الحكومة على تأجيل تفعيل المادة 50 الخاصة بمغادرة الاتحاد الأوروبي من موعد 29 مارس كما هو مقرر إلى موعدٍ آخر.
كما أن زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين اشترط علناً أن يتم استبعاد هذا الاحتمال، قبل قبوله المشاركة في أي مشاوراتٍ مع رئيسة الوزراء حول طبيعة المرحلة المقبلة.
وعلى الصعيد الدولي، يؤكد خبراء اقتصاديون مرموقون في مصارف بوزن «جولدمان ساكس» أن إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق «تضاءلت بشكلٍ أكبر في الفترة الحالية». ويشيرون إلى أن رفض مجلس العموم لخطة ماي في هذا الشأن «تجعل التوصل لاتفاقٍ أقل حدة وتأخير موعد الخروج، أو حتى عدم الخروج على الإطلاق، أموراً أكثر ترجيحاً».
لكن في المقابل، لا يزال المتحدثون الرسميون باسم رئيسة الوزراء البريطانية يقولون إنها لا تستبعد خيار الخروج من الاتحاد دون التوصل إلى اتفاق بين الجانبين في هذا الصدد.
كما أن المسؤولين الأوروبيين - ومن بينهم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر - أكدوا خلال اليومين الماضيين أن ثمة استعداداتٍ تجري لمواجهة إمكانية «الخروج غير المنظم»، وهو ما تزامن مع إعلان فرنسا إطلاق خطة طوارئ لمواجهة إمكانية حدوث مثل هذا الاحتمال.

إرجاء موعد الخروج
تبدو مسألة تأخير الموعد المحدد بعد أقل من 10 أسابيع لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمراً حتمياً تقريباً في كل السيناريوهات المطروحة على صعيد الـ «بريكست»، إلا إذا شهدت الفترة القادمة حتى حلول يوم 29 مارس تطوراتٍ دراماتيكيةً على صعيد العلاقة بين لندن وبروكسل، أفضت إلى إقناع النواب البريطانيين بدعم أي اتفاقٍ تطرحه عليهم الحكومة بخصوص ملف الخروج.
وعلى الساحة الداخلية البريطانية، اكتسبت الدعوة إلى إرجاء الموعد زخماً خلال الأسابيع القليلة الماضية.
لكن الاتفاق على تمديد الفترة المتاحة أمام المملكة المتحدة للخروج، لا يتعلق بها هي وحدها بطبيعة الحال، وإنما يتطلب كذلك موافقة الاتحاد الأوروبي.
ويرجح مراقبون في بروكسل أن ترتبط موافقةٌ مثل هذه بحدوث تحولاتٍ كبرى على الصعيد السياسي في عاصمة الضباب، من قبيل الاتفاق على إجراء استفتاء ثانٍ أو حتى تنظيم انتخاباتٍ عامةٍ مبكرة.
وبينما تقول ماي - حتى الآن على الأقل - إنها لا تريد إرجاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، يؤكد معارضوها أن هذا الطريق حتى لو اختارت رئيسة الحكومة المضي عليه لن يجدي، وأن انصياعها لمطالب شرائح متنوعة من المجتمع البريطاني تطالب بإلغاء العملية برمتها أو على الأقل الدعوة لاستفتاءٍ جديدٍ، هو المخرج الأمثل من الأزمة الحالية.

الاستفتاء الثاني
ظل هذا السيناريو بعيد الاحتمال بشدة حتى قبل بضعة شهور، إذ اعتبر الكثيرون على الساحة السياسية البريطانية أن مجرد التفكير فيه يشكل استهانةً بأصوات 17.4 مليون ناخب أيدوا التخلي عن عضوية الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 30 شهراً.
وحتى هذه اللحظة، لم يعرب زعيم المعارضة العمالية نفسه عن دعمه لهذا الخيار بشكلٍ علنيٍ وواضح، ويؤثر القول إنه يفضل إجراء انتخاباتٍ عامةٍ، خشية - على ما يبدو - من أن يوصم بأنه يسعى للمساس بقواعد الديمقراطية الراسخة في البلاد.
لكن موقف جيريمي كوربين في هذا الصدد يمكن أن يتغير خلال أيام.
فالتسريبات القادمة من بين أوساط حزب العمال، تشير إلى أن بعض النواب الذين وُصِفوا بـ «المتمردين» على سياسات زعيمه، قد يمارسون ضغوطاً عليه لكي يشهد الأسبوع المقبل، تحركاتٍ في مجلس العموم لدعم فكرة إجراء استفتاء ثانٍ، أطلق بعضهم عليه اسم Final Say أو «القول الفصل».
وتزامنت هذه التحركات في أوساط المعارضة العمالية، مع مطالبة أحزابٍ بريطانيةٍ مُعارضة أخرى لكوربين، بتقديم طلبٍ لإجراء استفتاءٍ جديدٍ، وهو ما رد عليه حزب العمال بعباراتٍ بدت أقرب إلى تأييد هذه الفكرة منها إلى رفضها، إذ أشار الحزب إلى أن فكرة العودة للاحتكام للاستفتاء «أمرٌ يجب دراسته، إذا لم يستطع الحزب فرض إجراء انتخاباتٍ» مبكرةٍ على الحكومة.
في كل الأحوال، لا يمكن الدعوة لإجراء مثل هذا الاستفتاء سوى بموافقة مجلس العموم، وسيتطلب الأمر بالطبع في هذه الحالة إرجاء موعد الخروج، في ضوء أن الوقت المتبقي حتى نهاية مارس لن يسمح بإجراء ذلك الاقتراع.
لكن موقف ماي المعارض حتى الآن للاستفتاء الثاني وعدم تأييد قيادة المعارضة البريطانية له بشكلٍ كاملٍ وواضح، يجعل فرص إجرائه تنحصر إما في تغيير رئيسة الوزراء أو تغيير الحكومة نفسها، أو حدوث تغييراتٍ مفاجئةٍ في سياسات حزب المحافظين الحاكم.

إلغاء الخروج
يمكن للحكومة البريطانية نظرياً سحب إخطارها للاتحاد الأوروبي بالخروج منه، معززةً في ذلك بحكمٍ أصدرته محكمة العدل الأوروبية في هذا الشأن، قالت فيه إن من حق لندن إلغاء عملية الـ «بريكست» برمتها، دون اشتراط موافقة الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد.
وبعد رفض مجلس العموم البريطاني خطة ماي للخروج قبل أيام، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الانقسامات الحالية في المملكة المتحدة قد تقود إلى إلغاء خروجها من التكتل القاري.
لكن تصريحات ماي المتكررة الرافضة للتخلي عن الـ «بريكست»، وتأكيدها على أن حكومتها ملتزمةٌ بتحقيق ما أيده غالبية الناخبين في استفتاء 2016 يجعل أي إلغاءٍ للخروج، رهناً بحدوث تحولٍ سياسيٍ كبيرٍ على الساحة السياسية البريطانية، مثل استقالة رئيسة الوزراء أو تغيير الحكومة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©