الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة البيئية.. البعد الغائب في محيط الأسرة

الثقافة البيئية.. البعد الغائب في محيط الأسرة
5 يوليو 2019 00:19

شارك في الاستطلاع: (هناء الحمادي، نسرين درزي، لكبيرة التونسي، أزهار البياتي، خولة علي)

البيئة هي المكان المحيط بنا والذي نعيش فيه، والمحافظة على نظافتها يعكس أخلاق ومسؤولية كل فرد تجاهها، فالله خلق البيئة، والطبيعة بجمال خلاب، ونحن وظيفتنا أن نحافظ عليها، ونرعاها لتصبح أجمل بوفرة الأشجار، وعذوبة المياه والآبار ونقاء الهواء. وفي المقابل فإن التلوث من أهم المشاكل البيئية التي تؤدي إلى العديد من الأضرار والمخاطر الصحية، حيث يسبب التلوث الموجود في البيئة المحيطة الإصابة بالعديد من الأمراض الخطرة، الأمر الذي يؤكد أن الثقافة البيئية يجب أن تبدأ من المنزل الذي نقطنه.
الشعور بالمسؤولية والإحساس بالمواطنة يعدان من الركائز الأساسية في ثقافة البيئة، والحفاظ عليها، والتعامل معها، والحصول على بيئة نظيفة يتلخص في تحقيق النظافة من موقع الفرد وبيئته الخاصة التي تصب بدورها في نطاق البيئة العامة.
وإعادة تدوير النفايات وعملية فرزها من المنزل وعناوين ترشيد الاستخدامات من المصدر ومشاريع الاستدامة، عناوين بيئية عريضة تضيء عليها دولة الإمارات، وتلقى صدى واسعاً بين الجمهور، ويشكل توزيع الحاويات الملونة بين الشوارع وداخل المدارس وفي المؤسسات مبادرة فعالة لتشجيع مختلف الفئات المجتمعية للفصل بين المخلفات العضوية والورقية والبلاستيكية والزجاجية، والأدوات الكيميائية التي تحتاج إلى أساليب تلف خاصة، مع ضرورة الاهتمام بحملات التوعية لتشمل التركيز على الجيل الجديد من أطفال وطلبة، بهدف تعزيز مفهوم البيئة النظيفة والآمنة في نفوسهم.
وفي سبيل المحافظة على مقدرات البيئة وتحقيق سبل التنمية المستدامة وتعزيز الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع، خاصة من جانب ربات البيوت والأطفال واليافعين، لابد من إيجاد آليات فاعلة لمبادرات توعوية تغرز قيم السلوك البيئي الإيجابي وتجعله كثقافة عامة وأسلوب أمثل للحياة، بحيث تساهم هذه الثقافة في إذكاء ممارسات فردية ومجتمعية داعمة لحماية الثروات الطبيعية للبلاد، ووفق منظومة مدروسة تعمل على تغيير السلوك الاستهلاكي وخفض نسبة الملوثات والنفايات الضارة بالبيئة، بهدف حماية روافد الطبيعة من التلوث، ودعماً للاقتصاد الوطني.

الثقافة البيئية
بداية، تقول بثينة القبيسي، باحث تاريخي في بيئة أبوظبي: «إن التربية البيئية تعني كيفية تنمية وتطوير السلوك الإنساني، وتدريبه على كيفية التعامل مع محيطه، من خلال بناء المدارك والمهارات والقيم وتحسين العلاقات التي تربطه بمحيطه الطبيعي، ووجوب المحافظة على مصادر البيئة وحسن استعمالها والعمل على توازنها».
وتبين القبيسي أن الثقافة البيئية تبدأ من المنزل، فالمرأة تلعب دوراً كبيراً من خلال فصل المواد المعدنية والزجاجية والبلاستيكية عن المواد العضوية في مصادرها الأصلية، وتعليم هذا السلوك للأبناء، مما يساعد على التخلص من كميات كبيرة وهائلة من النفايات الصلبة التي لا تتحلل بسهولة، ويجب على المرأة الابتعاد عن الإسراف الشديد في شراء الملابس والمفروشات، فذلك له الأثر السيئ على البيئة بطريقة غير مباشرة، لأن كثرة الطلب عليها يؤدي إلى زيادة استهلاك الموارد الطبيعية أو الصناعية، فضلاً عن تكدسها في الخزانات وحفظها بطريقة غير صحيحة، وفي النهاية تتعرض للتلف ثم التخلص منها في صناديق القمامة.
وتضيف القبيسي «على كل أفراد الأسرة الحفاظ على البيئة من التلوث، وتوعيتهم بالخطر الذي سوف يتعرضون له، من خلال نشر اللوحات الإرشادية، وعمل ندوات تثقيفية للطلاب في المدارس والجامعات، وتوعية ربات البيوت، عبر وسائل الأعلام المختلفة».

«إعادة التدوير»
وترى إيمان المهيري، مدير حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمؤسسات، أنه على الإنسان الحرص على نظافة المكان الذي يوجد فيه من التلوث، سواء المنزل أو المدرسة أو العمل أو الجامعة أو النادي أو حتى الشارع الذي يسير فيه، ويتذكر دائماً أن النظافة من الإيمان، وليبدأ بنفسه، ويحاول أن ينشر الوعي للحفاظ على البيئة.
وتضيف المهيري «أبنائي لديهم معرفة واعية بالمحافظة على البيئة، وفي الوقت ذاته باتوا يطبقون ذلك في حياتهم اليومية داخل المنزل أو خارجه، خاصة ابنتي «مهرة» التي لقبت في المدرسة بـ«ملكة إعادة التدوير» حيث تجمع علب المشروبات الغازية وزجاجات الماء بكميات كبيرة في أكياس، وتذهب بها إلى المدرسة للمشاركة في مسابقة إعادة تدوير القوارير، وفي كل مشاركاتها كانت تكرم بشهادات تقدير، واستطاعت مهرة إعادة تدوير كراتين الماء من خلال الرسم عليها لتخرج بشكل جميل كأنها لوحة فنية تضع فيها الأقلام والألوان أو فرش الرسم، وحتى رسائل صديقاتها».
وتعترف المهيري بأن الأم لها دور أساسي في المنزل، فهي من تعلم وتثقف وتربي على كيفية المحافظة على البيئة، ودولة الإمارات قامت بالكثير من مبادرات التوعية للمحافظة على البيئة وإعادة التدوير بالطرق الصحيحة.
وتنصح المهيري كل أفراد الأسرة أن يحرصوا على التخلص من القمامة بطريقة سليمة وصحيحة، فلابد من وضع النفايات في المكان المخصص لها، ولا يتم إلقاؤها في الشارع، ليكون المكان نظيفاً وخالياً من القاذورات التي تجلب الأمراض، مبينة ضرورة التفكير في عملية إعادة تدوير القمامة، للاستفادة منها ومحاولة تقليل التلوث الناتج عنها.

الآثار السلبية
إذا كانت إعادة التدوير هي المستقبل، فعلينا أن نركز جهودنا لتخفيف الآثار السلبية لمجتمعنا مع حماية بيئتنا، هذا ما تطبقه مريم الهاشمي في حياتها اليومية وبين أفراد أسرتها، فهي ترى أنه لابد من توعية الأبناء بضرورة المحافظة على البيئة، والاستفادة بإعادة تدوير ما لا نحتاج إليه، ومنذ البداية تعلّم أبنائي أن عملية التدوير ليست بالأمر الصعب، ولا تحتاج إلى الكثير من التفكير والجهد، فهي عبارة عن تحويل سلعة معدومة القيمة إلى سلعة ذات فائدة، فإلقاء طبق من البلاستيك في القمامة إذا كسر، يمثل مغنماً وفرصة استثمارية حقيقية لأفراد آخرين، حين يصل هذا الطبق لمصانع وورش صغيرة لتدوير البلاستيك، وتحويله إلى بودرة تدخل بعد ذلك في خطوط إنتاج لتخلق سلعة جديدة. وعلى غرار ذلك نجد أمامنا ملايين من السلع القابلة للتدوير التي يستهلكها الناس يومياً، لأن بها مواد خام كالحديد أو النحاس أو الورق، ويمكن تحويل الأشياء المعدمة إلى أشياء ذات قيمة.
وتتابع الهاشمي، قائلة: «خلال عملية التسوق في الجمعيات لا أستخدم أكياساً عادية، بل أستخدم «أكياساً صديقة للبيئة»، وبذلك ساهمت في التخلي عن أكياس البلاستيك التي نراها تملأ مكبات النفايات، كما نصحت أبنائي بعدم التخلص من قوارير الزجاج، حيث يمكن استخدامها في عمل مزهرية أو قوالب للزراعة أو وضع لمسات بسيطة عليها وتخرج كأنها لوحة فنية. وكثيراً ما تستوقفنا عبارات جميلة حول حماية البيئة مثل «احم بيئتك»، «كن صديقاً للبيئة»، «لا ترمها بل أوقفها»، فإذا التزمنا بهذه الإرشادات سوف تكون كفيلة أن نحافظ على البيئة».

آليات بديلة
وتحدثت سهى الرفاعي، معلمة في مدرسة المنهل وأم لولدين، عن أهمية تشجيع صغار السن على فصل النفايات من المصدر، وتقديم الشرح اللازم حول معاني إعادة التدوير، وأسهل مثال على ذلك التدرب على آلية فرم الورق. وذكرت أن من المفيد تعويد الطفل على مبدأ الابتكار، بحيث يقرر كيف يمكن الاستفادة من العلب الحديد واستعمالها لأغراض أخرى، ويكون ذلك من خلال مشاريع يدوية صغيرة يتم تنفيذها وتلوينها بمساعدة الأهل. واعتبرت أن تعزيز القيم البيئية لا بد أن يبدأ من مرحلة رياض الأطفال، والحديث عن خطورة استعمال أكياس البلاستيك التي لا تتحلل بسهولة وضرورة استبدالها بأكياس قماش، وكذلك التفكير بتحويل إطارات السيارات إلى مقاعد أو طاولات أو قطع أثاث لاستعمالات متعددة.
وأكدت الرفاعي الدور الكبير الذي تلعبه هيئة البيئة في الحديث عن مشاريع الاستدامة التي بدأ طلبة المدارس يرددونها، ويشاركون من خلالها في مسابقات استطلاعية تؤهلهم للفوز بجوائز. وأشارت إلى أفضل الطرق التي تحث الجميع على الالتزام بمبدأ حماية البيئة، وتتمثل بنوعين من الحاويات، الخضراء المخصصة للمواد القابلة للتدوير مثل المعادن والبلاستيك والورق، وأخرى سوداء للنفايات غير القابلة للتدوير مثل المواد الغذائية.

انترلوك مع إبداع مريم الهاشمي

مشاريع طلابية
وذكرت نسرين سميرات، أم لـ4 أبناء، وتعمل في حقل التعليم، أنها تتحدث مع أبنائها عن الحقائق البيئية، وتشرح لهم كل ما يمكن أن ينتج عن مخلفاتها من أضرار ما لم يتم فرزها بطريقة آمنة من المصدر. واعتبرت أن من الضروري التوعية حول الفرق بين مخلفات المواد العضوية والمواد الصلبة، وكيف يمكن الاستفادة منها، وكم يكلف التخلص منها من وقت وجهد، إضافة إلى الانبعاثات الخطيرة التي تترتب على إتلاف البطاريات أو الأدوات الطبية.
وقالت: «من واجب الأمهات أولاً القيام بعملية الفرز من البيت وأمام الأبناء لتعويدهم شيئاً فشيئاً على ضرورة الفصل بين المخلفات القابلة لإعادة التدوير وسواها، من باب المساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ضمن حلقات تتسع لتشمل الشارع ومجتمع الحي الواحد ثم المنطقة فالمدينة وهكذا». وتحدثت سميرات عن أحد المشاريع الطلابية المتمثلة في جمع العبوات البلاستيك على شكل مجسم «خليفة سات»، وذلك من باب دمج العملية التعليمية بواقع التوجه البيئي الذي تسعى دولة الإمارات إلى تطبيقه، وكان القصد تقديم معلومة جديدة للطلبة تشرح المزيد عن «خليفة سات» لكونها أول مركبة فضائية يتم إطلاقها من المدينة المستدامة في دبي. ولفتت إلى مشروع آخر عمل فيه الطلبة على فرم بقايا المأكولات مثل الخضراوات والفاكهة، في جهاز كهربائي، ومن ثم تنشيف المخلفات واستعمالها على مدار السنة كسماد عضوي للمزروعات.

روح التفاعل
من جهتها، أكدت سحر موماني، أم لولدين، دور الأهل في تعزيز المفاهيم البيئية لدى الأبناء، وقالت: «إن عدداً كبيراً من الحضانات بدأت بتفعيل دورها في هذا الخصوص بما يساعد على تأهيل جيل واعٍ لمسؤولياته البيئية في المستقبل، وروت كيف أن طفلها يطلب منها الاحتفاظ بقشر الفواكه بنية أخذه إلى الحضانة لتصنيعه على شكل سماد». ولفتت إلى مبادرة سباقة تقوم بها حضانة ابنتها التي تشجع الأهالي على عملية الفرز من خلال أفضل الطرق لفرز الأدوات البلاستيكية وعلب المحارم و«كراتين» البيض. وقالت موماني: «إن مثل هذه الأمور عندما يتم التداول فيها باستمرار أمام الأبناء، تؤدي مع الوقت إلى غرس روح التفاعل الإيجابي لديهم وفي مختلف مراحلهم العمرية». وأضافت أنها توصي أبناءها دائماً بضرورة ترشيد إنفاق الماء والكهرباء من باب حماية البيئة، وتشرح لهم بحسب قدرتهم على الاستيعاب كيف أن استهلاك الطاقة بطرق عشوائية ينعكس سلباً على البشرية حول كوكب الأرض، معتبرة أنه يجب احترام توصيات هيئة البيئة في هذا المجال، وكذلك المشاريع البناءة التي تعتمدها مدينة مصدر لحماية المجتمعات، وجعلها أكثر طمأنينة على مستقبل نظيف وخالٍ من الانبعاثات الخطيرة.

صفاية أرز بعد إعادة تدويرها

سلوك خاطئ
ويقول عمر جمعة، (موظف): «حماية البيئة هي مطلب عالمي، نتيجة ما تتعرض له البيئة من مخاطر جسيمة، في ظل الثورة الصناعية والتكنولوجية التي تجتاح العالم، فأصبحت حياة الإنسان وصحته في خطر، وهذا نتج عن السلوك الخاطئ الذي يمارسه بعض الأفراد، والذي يزيد المشكلة البيئية تعقيداً وهدراً في مواردها، وهنا نتحدث عن منظومة الفرد الواحد باعتباره جزءاً لا يتجزأ من كيان الأسرة التي تعتبر مصنع تشكيل سلوكيات الأفراد وتواجهاتهم ونظرتهم للحياة من حولهم، فالآباء يقع على عاتقهم مهمة كبيرة في كيفية تعليم الأطفال مهارة التعامل مع المصادر البيئة من حولهم، انطلاقا من الماء الذي يعتبر سر الحياة، وكيفية التقنين في استهلاكه واستخدامه وعدم هدره، وتدريبه على استخدام أقل من حاجته من الماء في اليوم الواحد، ودائماً وأبداً نجد الأطفال يمارسون ما يرونه من آبائهم، فعندما نريد أن غرس بعض القيم الإيجابية في نفوسهم، وتحفيزهم على الحفاظ على البيئة، لابد أن تكون القدوة من داخل الأسرة، بحيث تحمل الثقافة والوعي تجاه حماية البيئة».

بيئة صحية
وتلفت فاطمة حسن قائلة: «إن التربية البيئية هي ثقافة تربوية تطبيقية، تتجلى بالممارسة والجهد المشترك بين الأفراد، لضمان بيئة صحية سليمة، فالأسرة هي العمود الفقري الذي يشكل اللبنات الأولى لأي جماعة إنسانية، وبالتالي فإن أهمية الأسرة تتضح في تشكيل شخصية الطفل التي تنعكس على البيئة من حوله، فحماية البيئة وصون مواردها، فعندما يتعلم الطفل كيف يحد من استهلاك الموارد من كهرباء وماء ونباتات وتربة، فهو بذلك يساهم في الحفاظ على البيئة كجزء من المنظومة العالمية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تعريفهم بالمبادئ والقيم الإسلامية التي تحثنا على عدم الإسراف، فمخاطبة عقل الطفل من باب إثارة الوازع الديني، يمكن أن يحدث ردات فعل إيجابية».
وتشير أحلام سعيد إلى أن هناك الكثير من السلوكيات من حولنا فيما يخص حماية البيئة، والتي يمكن من خلالها تعليم الطفل، وأبسطها النظافة، حيث يمكن تحفيز الطفل على ترك المكان نظيفاً كالحدائق والأماكن العامة وغيرها، وتعويده على إلقاء القمامة في سلة المهملات، ليصبح دائم الحرص على انتهاج هذا السلوك في حياته اليومية، فحماية البيئة كسلوك يبدأ من البيت، وتظهر أثاره على المجتمع، وبالتالي على البيئة من حولنا. فالعمل على تلقين الأطفال الأنماط السلوكية السوية، في التعامل مع البيئة، يساعد على تكوين اتجاهاتهم نحو قضايا ومشاكل البيئة، وتكوين الوعي البيئي لدى الصغار.

مراكز تجميع المخلفات المنزلية المفرزة (الاتحاد)

أقل خطراً
وتقول زينة عبدالله: «ربما ما يجعل أبنائي حريصين على صون الموارد البيئة من حولهم، هي المعلومات التي دائماً ما أستعرضها أمامهم فيما يخص البيئة والمخاطر التي تحدق بها، والتوجه العالمي لحمايتها من انتهاكات الشركات والمصانع، وغيرها من الصناعات، ودائماً ما أوجههم إلى بعض السلوكيات البسيطة التي يمكن أن يساهم بها الفرد حتى يجعل البيئة من حوله أقل خطراً، منها التقليل من استخدام الأجهزة الكهربائية، وإطفاء لمبات الإضاءة نهاراً، مع التقليل منها ليلاً، إلا في حال وجودهم في المكان ذاته، إضافة إلى معاينة تسريبات المياه ومحاولة علاجها منعاً لهدر المياه، وبذلك نعمل على تأسيس جيل على قدر من الثقافة والوعي البيئي، ومدرك لدوره ومسؤوليته تجاه البيئة».

وقفة جادة
وتشير إيمان قاسم، قائلة: «على الرغم من الحملات التوعوية الداعمة لهذا الهدف، والجهود الحثيثة التي تبذلها الجهات المسؤولة كافة، من هيئات حماية البيئة في الإمارات المختلفة، إلا أننا مازلنا كمجتمع متحضّر بحاجة إلى الكثير من الدراية والمعرفة بالمخاطر البيئية، التي تتسبب بها العديد من الممارسات العشوائية وغير الصحية التي قد نمارسها بقصد أو من دون قصد في مختلف شؤون حياتنا اليومية، ربما لكوننا لا نستشعر فعلياً مدى أهمية حماية البيئة، أو قلة معرفتنا بكيفية المحافظة على مقدراتها الطبيعية، وربما أيضاً بسبب عدم استيعابنا لأهمية الترشيد الاستهلاكي والتحكم الصحيح لروافد مهمة كالكهرباء والمياه وخلافه خلال ممارستنا المعيشية، بالإضافة إلى جهل الكثيرين بالمخاطر والملوثات التي تضر وتهدد عملياً حلقة ديمومة الحياة وما يحيطنا من أجواء الطبيعة بتوزيعاتها كافة، الزراعية والصحراوية والبحرية».
وتضيف: «نحن كمجتمع وبكل فئاته بحاجة كبيرة إلى تغيير جذري ومراجعة حقيقية لسلوكياتنا البيئية كافة، لكوننا نقضي، من دون وعي، على الكثير من الموارد الطبيعية التي تعد هي العصب الحي لاقتصادنا الوطني، ولابد هنا من وقفة جادة، والتعامل مع مسألة الوعي البيئي بصور أكثر احترافية ودراسة، وعلى قمتها يأتي دور المدرسة، حيث يتلقى عبرها أبناؤنا الصغار أول معارفهم العلمية واللغوية والإنسانية، وأشدد هنا على أهمية تعزيز قيم المحافظة على البيئة وغرس الثقافة البيئية في نفوس الأجيال الصغيرة بحيث تصبح جزءاً من تكوينهم الشخصي وثقافتهم العامة، سواء من خلال تخصيص حصص أسبوعية ومنهج وكتب مدرسية تعتني بتقويم السلوكيات التربوية التي تحث على الصحة البيئية، أو عبر استقطاب الطلبة من مختلف المراحل الدراسية نحو أنشطة تطوعية وحملات توعوية تساهم في نظافة البيئة المحيطة بشكل دوري على مدار العام، بهدف الحصول على جيل مثقف وواعد، يعي أهمية حماية بيئته المحيطة، ويساهم في بناء اقتصاد الوطن».

مقدرات البيئة
ويتحدث صلاح أحمد، (موظف ورب أسرة)، عن أهمية زيادة الوعي البيئي، خاصة عند ربات البيوت، موضحاً أننا بحاجة ماسة إلى الاطلاع على الخبرات العالمية في هذا المجال، حيث إن مشكلة التعامل مع النفايات المنزلية تشكل معضلة مهمة وتحبط الكثير من جهود المحافظة على مقدرات البيئة وروافدها الطبيعية، فنحن كمجتمع ما زلنا نمارس الأساليب التقليدية القديمة في التخلص من النفايات، سواء من خلال وضعها عشوائياً في أكياس بلاستيكية ورميها بحاوية البيت من دون فرز، أو عبر جمعها ضمن حاويات أكبر بالقرب من الأحياء السكنية، والتي تساهم بدورها في نشر العديد من الأمراض والجراثيم والملوثات في محيطها العام، وأخيراً وليس آخر ما تتسبب به من ضرر بيئي وتلوث كبير مع هدر مستنزف للطاقة أثناء عمليات النقل والإحراق وخلافه، مما يرجعنا للمربع الأول، وهو لماذا لا نستفيد من التجارب الدولية الحديثة في حماية البيئة، والتي تتم عبر تفعيل نظم جديدة وآليات تقنية وبرامج متخصصة في تدوير النفايات، وتسهيل عمليات فرزها منزلياً حسب طبيعتها (ورقية، بلاستيكية، معدنية)، للاستفادة منها كمواد أولية يعاد تصنيعها من جديد، توفيراً للطاقة ودعماً لمختلف مجالات الاقتصاد.

فرز وإعادة تدوير مواد صديقة للبيئة (الصور من المصدر)

ترشيد الاستهلاك
وتوافقه الرأي في أهمية تطوير النظم البيئية، وتفعيل ثقافة إعادة التدوير وجمع النفايات في البيوت، نادية الربيعي، (ربة أسرة)، قائلة: «في رأيي أن ما نمارسه حالياً كربات بيوت من جمع النفايات العشوائي في حاويات المنازل ثم رميها في حاويات أكبر قرب الأحياء والبنايات السكنية، يعد أمراً غير صحي وغير حضاري، فوجود هذه الحاويات وطرق نقلها والتعامل مع النفايات العشوائية بالحرق، وما يسببه دخانها المنبعث من تلوث للهواء وتعكير الأجواء وهدر الطاقات، تُعد من السلبيات البالغة الضرر على مقدرات بيئتنا المحلية، ومن هذا المنطلق لابد من حث الهيئات كافة والدوائر المعنية بالمحافظة على البيئة بإعادة دراسة التوجه العام، ورسم خطة متطورة، تشمل حملات توعوية لربات البيوت وفئات المجتمع كافة، بأهمية التحّلي بالثقافة البيئية وحماية الموارد الطبيعية، والحث على ممارسة السلوكيات الصحيحة التي تصون الحياة، بدءاً من تعميم فكرة ترشيد الاستهلاك، ومروراً بفرز النفايات المنزلية، عبر تقديم معلومات وحوافز تشجيعية لربات البيوت تجعلهن أكثر إقبالاً على ممارسة هذا السلوك الحضاري، ثم انتهاءً بنشر إيجابيات إعادة التدوير، وكيفية استثمار مواده الأولية في إذكاء العديد من الصناعات الموفرة للطاقة والداعمة للاقتصاد الوطني».

مفتاح التعلّم
ومن جانبها، أكدت آلاء وديع، (أم لخمسة أبناء)، عضو جمعية أصدقاء البيئة منذ 2010، أن أنجع الطرق لترسيخ ثقافة الوعي البيئي، هي أن تبدأ مبكراً مع الصغار، والعمل على تنشئتهم على المفاهيم والسلوكيات الصحيحة التي تدعم الوعي البيئي لديهم، وتعتبر الأسرة مفتاح عملية التعلّم لدى الأطفال، والمنزل يعتبر من الأماكن المثالية للتطبيق العملي للمفاهيم البيئية، وعندما تمارس أحد الأسس البيئية في نطاق الأسرة فإنها ترتبط بعد ذلك بأسلوب حياة الفرد «فمن شب على شيء شاب عليه».
وأضافت آلاء: «ثمَّة كثير من مفاهيم التربية البيئية تُعلَّم في المنزل، فعندما نعلم أبناءنا المحافظة على النظافة أو إماطة الأذى عن الطريق، أو كيفية التخلص من النفايات، أو الاعتناء بنباتات الحديقة أو الحيوانات الأليفة، أو الحفاظ على الطاقة الكهربائية وترشيد استهلاك الماء، فنحن نقدم لهم قيماً تستهدف حماية موارد البيئة».
ومن الأنشطة الفعالة التي اتبعتها آلاء في تعليم أبنائها هي «إعادة التدوير»، حيث قامت بشرح مفهومها، وما الذي يحدث لهذه النفايات من خلال سرد القصص البيئية وعرض مقاطع فيديو توعوية كرتونية، بالتعاون مع والدهم، ومن خلال انضمامنا كأسرة إلى جمعيات تُعنى بأمور البيئة لتطبيق فرز وتصنيف النفايات المنزلية على النطاق الأسرى بتخصيص سلال منفصلة للنفايات لمختلف المواد المراد فصلها، ومساعدة الأبناء على عملية إعادة التدوير وتصنيف المواد المراد تدويرها بدلاً من التخلص منها. وترى آلاء أن التربية البيئية ليست فكراً نظرياً، بل ثقافة تربوية تطبيقية تتجلى بالممارسة والجهد المشترك لضمان بيئة صحية سليمة، وهذا الغرس أثمر كثيراً، فقد أصبحت البيئة جل اهتمام الأبناء الذين يحاولون إيجاد حلول للمشكلات البيئية من خلال المشاركة في الفعاليات البيئية والمسابقات، وتقديم ورش إعادة تدوير للأطفال، ونشر الرسومات البيئة في المجلات، والقيام بالعديد من المبادرات التطوعية البيئية الشخصية، ومنها مبادرة «حقيبتي لك»، برعاية جمعية أصدقاء البيئة، والتي استهدفت جمع الحقائب المدرسية المستعملة في نهاية العام الدراسي، وفرزها، وإعادة تدويرها وتوزيعها على أبناء الأسر المتعففة.

إعادة التدوير
بدورها، قالت وفاء عليان، (أم لأربعة أبناء): «أن أبناءها الأربعة اعتادوا منذ الصغر على أهمية المحافظة على البيئة، سواء في الشارع أو الحديقة أو أي مكان عام، حتى أصبح سلوكاً مكتسباً لديهم»، وأضافت: «في البداية لم نكن نعلم عن أهمية إعادة التدوير بالشكل الصحيح، فكان التدوير لدينا هو عبارة عن إعادة استخدام زجاجات الماء والعصائر البلاستيكية، ولكن عندما تفهمنا أهداف جمعية أصدقاء البيئة، وسمعنا عن تبنيها لمشروع تدوير الورق، وجدتها فرصة للمشاركة في هذا المشروع الذي له دور كبير في المحافظة على البيئة من التلوث، وعلّمت أبنائي أهمية جمع وفصل النفايات الورقية ثم تسليمها لجمعية أصدقاء البيئة بأنفسهم، وأصبح ذلك منهجاً نتبعه في حياتنا، كما تم نشر هذه المبادرة في مدارسهم من خلال تقديمهم المحاضرات والمشاركة عبر الإذاعة المدرسية، مما لاقى نجاحاً كبيراً لدى زملائهم في المدرسة وكانت مشاركاتهم إيجابية».

نفايات ورقية
وتعمل عفاف غنام، (ربة منزل)، على تخصيص حاوية للأشياء التي يمكن إعادة استخدمها، مثل النفايات الورقية، في صنع علب توضع بها الأغراض بها الأدوات المدرسية وغيرها، إضافة إلى عمل عجينة الورق وتلوينها وإعادة تزيينها بشكل جميل، وبالنسبة لما يصلح من الملابس، أقوم بتسليمه للهلال الأحمر، وأتواصل مع جمعية أصدقاء البيئة لتسليم الكتب الدراسية القديمة والحقائب الدراسية، وأحرص للاستفادة من دوراتهم التدريبية لتعليم ابنتي العديد من المهارات التي تساعدها على تنمية مواهبتها في إعادة تدوير النفايات.

وعي بيئي
وتؤكد خديجة الراشدي، (ربة منزل)، وعضوة جمعية أصدقاء البيئة، أهمية التربية البيئية في البيت، باعتباره المكان الأساسي لتعليم الأطفال عناصر الاستدامة، لافتة إلى أنها تعلّم أولادها منذ نعومة أظافرهم على إشراكهم في الفعاليات البيئية، والسلوكيات التوعوية السليمة، مثل ترشيد الكهرباء والماء، والحرص على فرز النفايات المنزلية البسيطة، مثل وضع أكياس متعددة لكل نوع من أنواع النفايات، للمواد الزجاجية والصلبة والغذائية، مما يعزز الوعي البيئي لديهم، وتؤكد الراشدي أن الجمعية بدورها تقوم بإعطاء دورات في الوعي البيئي وإعادة التدوير.

خطوات للتدوير
تتلخص أساليب فرز النفايات من المصدر، سواء البيت أو المدرسة أو المطاعم أو المؤسسات، بتسهيل عملية إعادة تدويرها، عبر فصلها عن بعضها وتحريرها من المعوقات، ويكون ذلك بحسب المواد المراد الاستفادة منها في استعمالات أخرى، ولتسهيل عملية تدوير الورق، من المهم إزالة الدبابيس العالقة وأجزاء البلاستيك، وكذلك تسطيح العلب والصناديق والكرتون قبل التخلص منها، إضافة إلى تصغير حجم العبوات البلاستيك أو المعدن، مع إزالة أغطيتها ومخلفاتها من طعام وملصقات، مع تقليص المساحة المستخدمة بعد الإتلاف، فضلاً عن غسل العبوات البلاستيكية، وفصل الزجاج الشفاف أبيض اللون عن الزجاج الملون، تسهيلاً لعميلة إعادة التدوير.

أسلوب حياة
أكدت إيمان الحمادي، إدارية بهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية وأم لطفلين، أن فرز النفايات في بيتها أصبح أسلوب حياة، موضحة أنها تحمل مسؤولية التوعية البيئية في بيتها وفي الشارع أيضاً، وتعتبر سلوك الأمهات والآباء الإيجابي تجاه البيئة مرآة للأطفال، حيث يصبح الطفل يتصرف تلقائياً على ما تعلمه واكتسبه منذ صغره، وأشارت إلى أنها تعمل بنفسها على فرز نفايات البيت وتحتفظ ببعضها لإعادة تدويره، بينما تستعمل البعض منها كمواد مفيدة، سواء في الزراعة أو في تغذية الحيوانات، مثل استعمال مخلفات القهوة كسماد للزراعة وكطارد للحشرات، بينما تجمع المتبقي من الخبز لإطعامه للطيور، أما الزجاج وبعض المخلفات الأخرى الصلبة فإنها تمنحها لإدارة النفايات لإعادة تدويرها، وبدورنا نعمل على فرز النفايات ووضع كل مادة في المكان المخصص لها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©