الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضربة... الاستباقية أو الوقائية

6 ديسمبر 2009 23:47
لم يكن ظهور مفهوم "الضربة الاستباقية" أو "الحرب الوقائية"، أمراً جديداً في السياسة الدولية، بل يرجعه البعض إلى ما قبل منتصف القرن الماضي، مشيرين إلى الهجوم الياباني على ميناء "بيرل هاربر" الأميركي عام 1941، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956. و"الضربة الاستباقية" التي بدأت الكتابات الأكاديمية الغربية والعربية تروج لها كنسق جديد في العلاقات الدولية أو كنظرية ذات مواصفات معينة، اتخذت اليوم صفة "مبدأ بوش" أو "سياسة المحافظين الجدد" في العلاقات الدولية. لقد أظهر فريق الرئيس الأميركي السابق بوش قدرة ملحوظة على مباغتة الرأي العام الدولي بأجندته السياسية، مستفيدا من حالة الارتباك التي صاحبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومهيئا الأجواء لتقبل مبدأ "الحرب الوقائية". ويعرف أهل السياسة "الضربة الاستباقية" بأنها "التحول من الرد على هجوم فعلي إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، خاصة إذا تمكنت أجهزة الدولة من اكتشاف نوايا مبكرة بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن مظاهر هذه النوايا". لكن باحثي العلوم العسكرية يميزون بين الضربتين؛ الوقائية والاستباقية؛ إذ يعتبر هجوم ميناء "بيرل هاربر" ضربة استباقية، بينما تعتبر إسرائيل أن حربها ضد مصر عام 1956 كانت ضربة وقائية لمنع القاهرة من إتمام صفقة الأسلحة التشيكية، وكذلك تدميرها المفاعل النووي العراقي عام 1981 كان ضربة وقائية للحيلولة دون تطوير القدرات النووية العراقية! ويعني ذلك وجود تداخل بين الضربتين؛ فإذا كانت الضربة الوقائية تعتمد على النوايا المحتملة لدى الخصم، فإن الضربة الاستباقية تأتي لمباغتة الخصم قبل المبادرة ببدء الحرب. وحول المفهوم الأميركي للضربة الاستباقية أو الوقائية، قال بوش الابن في خطابه للشعب الأميركي بعد عشرة أيام على أحداث 11 سبتمبر: "علينا أن ننقل المعركة إلى العدو وأن نزعزع خططه، علينا أن نواجه أسوأ التهديدات قبل أن تظهر، إن الطريق الوحيد الذي يضمن لنا السلامة في هذا العالم الذي أقحمنا فيه هو طريق الفعل". وأضاف: "على الولايات المتحدة أن تكشف خلايا الإرهاب في ستين دولة أو أكثر"، أي أن تنتهج سياسة "الضربة الأولى الاستباقية" ضد الإرهاب والإرهابيين والدول التي تأويهم. وعاد بوش ليؤكد على نظرية أو سياسة الضربة الاستباقية أو الوقائية في خطاب له أمام الحزب الجمهوري بتاريخ 15 يونيو 2002، حيث أوضح أن عنصري الردع والاحتواء اللذين قادا سياسة أميركا الخارجية منذ مبدأ ترومان عام 1947، لم يعودا كافيين. وبعد يومين من هذا الخطاب، شرحت مستشارته للأمن القومي "رايس" مبدأ بوش الاستباقي أو الوقائي بقولها "إنه يعني منع أعمال تدميرية معينة ضدك، ومن خصم لك". لكن هل الأعمال الاستباقية هي ما يميز هذه السياسة الجديدة عن غيرها؟ إن استراتيجية المحافظين الجدد تعطي الولايات المتحدة سلطة تنفيذ حرب وقائية لا حربا استباقية، ومهما كانت التبريرات التي تحاول تسميتها بالحرب الاستباقية، فهي لا تسري على الحرب الوقائية خاصة، حيث يتم استخدام القوة العسكرية للحد من تهديد مخترع أو متخيل أو محتمل، ومن ثم حتى التعبير بكلمة "وقائية" هو تعبير فضفاض للغاية. ويخطئ من يظن أن التهديد، طبقا لهذه الاستراتيجية، يقتصر على الجانب العسكري فقط، فرغم إعلان سياسة تقوم على تجريد كل الأطراف من القدرة على حيازة أسلحة دمار شامل والتخلص من أسلحة دمار شامل مملوكة حاليا، ووسائل إيصالها، كالصواريخ والطائرات، ومنع أي محاولة جديدة للحصول عليها... فإن تدقيق وتحليل مفهوم الضربة الاستباقية يؤكد أن التهديد يشمل وجود منافسين للولايات المتحدة في المجالات التكنولوجية والتجارية والعلمية، واحتمال تفوق هؤلاء مستقبلا عليها. وفي هذه الحالات على الولايات المتحدة أن تسارع لاحتواء كل هؤلاء ومنعهم من تحقيق أي تفوق عليها واستخدام كافة السبل، وبلا استثناء، بما في ذلك الغزو العسكري والتدمير الاقتصادي والتكنولوجي، لضمان إعادة تشكيل العالم وفقا لرؤية ومصالح الولايات المتحدة، ومن منظور يمينها الجمهوري فقط لا غير. باحث وكاتب أردني ينشر بتعاون خاص مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©